هل وقعتم في الفخ؟ أخال ذلك، ولا مجال للعودة إلى الوراء بعد الآن.
أخشى أنني على يقين أن معظمكم فكر مرارًا قبل الاسترسال في قراءة هذا الفصل، فسمعة الرومانسية باتت في الحضيض منذ سنين بسبب إقحام ما لا يصح ولا يليق بها بين صفحات المؤلفين.
لكن اسمحوا لي أن أهمس لكم بسر غاب عن الجميع: إن للرومانسية فضلًا عظيمًا غيّر مسار الأدب وانتقل بنا من غياهب الجهل إلى أنوار التحضر والتصوير الاجتماعي الصريح في المقام الأول قبل تجسيد العلاقات الغرامية أو «التراهات».
لذا يسرني إخباركم أننا لسنا في صدد الحديث عن الرومانسية التي اتخذها المؤلفون لترويج محتوى جنسي بحت لجني الأموال وإرضاء من يشكو الكبت، ولا عن وقوع أب الأربعة والأربعين في حب ابنة الرابعة عشرة، ولا حب المغتصبة لمغتصبها وتلذذها بالتعنيف والتعذيب، ولا السادية والماسوشية التي اتخذت لها مقعدًا بين فئة من الأعمال المعروفة، ولا الحب بين المحارم الذي يسعى الغرب لتقنينه وتزيينه في عيون العامة، فكل ما سبق أمراض تستوجب تدخل الطب والقانون، والرومانسية التي اندرجت تحتها هذه المفاهيم لهي بريئة منها براءة الذئب من دم يوسف.
نحن نتحدث عن الأدب الرومانسي باعتباره أحد أهم المنعطفات التي قطعها الأدب، ثورة على كلاسيكية القرنين السادس والسابع عشر التي جعلت من الأدب حكرًا على النبلاء، فبنيت أعمالها على الأساطير المكررة، لعنة الآلهة، التراجيديا، قضايا النبلاء التافهة والنهايات المأساوية المحققة بموت البطلين بسبب وقوعهما في الرذيلة التي قد تتمثل -غالبا- في الحب وإظهار العاطفة والتمرد على نظام الحكم، فلا أظن أن عاقلًا سيستمتع بقراءة قصة يعلم مسبقا بنهايتها المحصورة بموت أكثر من بطل بسبب لعنة فينوس كقطعة فيدر المسرحية مثلًا، ولأصدقكم القول، هذا لضرب من جنون، فمنذ متى كانت الآلهة تعاقب العباد على تعلق قلوبهم بمن ليسوا لهم دون قصد أو ذنب؟ وهذا لأكثر استحالة في عصرنا خصوصًا لو كان هذا هو السائد من الأدب على رفوف المكتبات.
للرومانسية رسالة نبيلة تهدف لأن تسمو بالأدب من براثن الابتذال وقيود الكلاسيكية المنيعة التي حصرت على مر العصور حدود الإبداع في أساطير الميثولوجيا دون أدنى تعديل عليها أو ابتكار، وجعلت للكاتب نظرة محدودة الأفق؛ حب محرم ينتهي بمأساة ولعنة سلطتها الآلهة على أطراف القصة وحسب، بل تناول الرومانسيون قضايا مهمة كالفقر والجهل والجريمة والانحراف والطبقية إلى جانب العاطفة.
كان هذا التيار الأدبي وليد الكاتب الفرنسي جون جاك روسو الذي ثار على قواعد الكلاسيكية، ليليه فيكتور هيجو الذي حطم تلك القيود من خلال قطعته المسرحية ايرناني - hernani فلم يكن البطل نبيلًا بل لصًا خارجًا عن القانون، وقع في حب شابة نبيلة، فشهد القراء مثلث حب شكل الملك والدون وايرناني أقطابه، فكانت الغلبة للخارج عن القانون على غير المتوقع، امتزج في هذه القطعة المسرحية عنصر الكوميديا والتراجيديا ببراعة فحطمت القواعد الثلاث وثار النقاد والرأي العام على هذا الخرق الذي «لا يغتفر»، خصوصًا بعد إقحام مشاهد حرمها الكلاسيكيون من قبيل المشاهد الدموية، القبلات، العنف، الموت، الانتحار، حجرات النبيلات، إلخ..
أوليس ماسبق فخرًا لتاريخ الأدب على مر العصور؟ أوليست عينات البورنوغرافيا التي شهدناها مؤخرًا ما هي إلا دخيل على هذه الفئة الأدبية، ولا تمت إليها بصلة؟ إذن لماذا باتت الرومانسية فنًا يستعر منه القراء والمؤلفون؟ ولماذا لا نخصص حيزًا من أعمالنا لهذا الفن النبيل؟
مهلًا، إني أرى وجوه معشر العازبين مكفهرة مما أقول، فأنى لهم أن يكتبوا عمّا غاب عنهم؟
لكن من أخبركم أن الرومانسية حكر على العاشقين الذي خاضوا دروب الحب والعاطفة؟
أوليست الحاجة أم الاختراع؟
بداخلنا جميعًا طاقة حب خام تحتاج للصقل والتصنيع والتشكيل والتفجير لا تحتاج إلا حبرًا، ورقًا، ولحظة إلهام مباغتة كانت أو منتزعة من أعماقكم قسرًا، وذلك لايتحقق إلا بتحفيز أقلامكم وذواتكم بأي طريقة أو ثمن، سواء من خلال الإبحار في غمار خيالكم، تصفح الروايات الرومانسية التي لا حصر لها، مشاهدة الأفلام العاطفية، الاستفادة من تجاربكم الخاصة أو تجارب من حولكم أو حتى متابعة الدراما الكورية، المانجا أو الأنمي، فقلوب وعقول كل منا مفاتيح تخصها دون غيرنا.
لهذا أناشدكم أن تفكوا عقدة حاجبيكم، اشحذوا أقلامكم، أطبقوا أجفانكم، ولنسرح جميعًا في عالم العاطفة النقية والمشاعر السامية، حيث تلتقي القلوب قبل الشفاه والأجساد، حيث ترفرف أفئدتنا في أفق الرومانسية بغض النظر عن الاختلافات والفروقات والميولات، لنتمرد على السائد والرائج بالراقي والعذب، لنحيي ما حسبناه قد مات، ونغذي نقصنا ونسقي ظمأ القارئ للحب الخالص والعاطفة.
ما رأيكم؟ هل تفضلون كتابة القصص الرومانسية العذبة؟ قصة رومانسية تتحدى المألوف وتكسر كل القوانين بنقائها وغرابتها؟
هذا الفصل من كتابة العضو وسن. ❤
دمتم بحبٍ ينير قلوبكم.
أنت تقرأ
تمرّد مقالات
Sonstigesتمرّدت أقلام أعضاء فريق النقد، وأعلن كل فرد ثورةً لأجل أن يكتب ما يُمليه عقله الناقد، من مقالاتٍ جدليّة فلسفية تناقش الأدباء بالمنطق والمعرفة. نقدم لكم هنا مجموعة مقالات متفرقة كل واحد منها يتناول موضوعًا شيقًا في مضمار الكتابة الأدبية.