مجددًا وكما اعتدنا، نحن نجول وإياكم اليوم في رياض الأدب.
نمد أيدينا لنقتطف كالعادة زهرة تحكي لنا الكثير سواء بوريقاتها الناعمة أو أشواكها الحادة آملين أن تستقر أنامل كل منا على موقع محايد من تلك الزهرة فنكون قادرين على استنشاق عبير الأدب، وحُسنه بشكل صائب.قطافنا اليوم زهرة بيضاء كرخام أعمدة معبد البارثينون الإغريقي، بالطبع فنحن اليوم في غمار زيارة متحف الميثولوجيا الإغريقية العريقة، وكيفية توظيفها في الأدب تاركين بين سطورنا لمسات فلسفية بسيطة من غبار درع وسيف لأسطورة ذات معنى وعِبرة.
لتبسيط العبارة أكثر فالميثولوجيا الإغريقية هي مجموعة من الأساطير والخرافات التي شاعت في اليونان القديمة، وتمحورت حول بناء الكون والطبيعة حسب فكرهم الخاص.
حتى مع كون الكثير يراها معارضةً للأديان وما إلى ذلك، لكن لا يمكن أبدًا إنكار قيمتها الأدبية والتراثية ككنز كان ولا يزال أدباء العرب والغرب يكسون أعمالهم بنسيج حريري خفيف من فكره، تاركين أثرًا فكريًا مُحببًا للأساطير، كما وعدناكم ستكون جولتنا اليوم في متحف، أمامنا لوحات تستعرض أبرز ما تم اقتباسه من تلك الأساطير ووضعه في قوالب أدبية.بنظارته وهيئته المنمقة ها هو ذا، السيد مرشد يصطحبكم في جولة ثانية، ويا لسعادتكم لكن ليس سعادته! سيسير اليوم معكم في شيء من الهدوء فله نصيب كبير من الكسل اليوم وسيغدو هادئًا على ما يبدو.
أول لوحاتنا، هي قماش مشدود يرتسم عليه شاب وسيم الملامح أمام بركة، وعلى يساره زهرة صفراء صغيرة، هل عرفناه؟ ومن به يكون سوى «نركيسوس» منبع كلمة «نرجسية» . الفتى الذي حاول لمس انعكاسه في الغدير بعد إعجابه الشديد به؛ وما أشد فشل محاولاته للمس ذاك الانعكاس! فهو في كل مرة كان يتشوه ويختفي كلما مسه، فانتهى الأمر به يظن نفسه مدحورًا مرفوضًا وانتحر؛ حرقت بعدها حورية جسده، ومن رماده نبتت زهرة «النرجس».
مالي أراكم تلتفتون في استغراب؟ يبدو وكأن من لم يكن يعرف بهذه المعلومة منكم قد ظن أن المرشد هو منبع النرجسية ومعانيها! هو سباق عصره فيها لكن للأسف مرشدكم ليس مبتكرها.
بعد نصف استدارة سنرى منحوتة لشاب تنمو من ظهره أجنحة غير مكتملة أو بشكل أدق متساقطة، كأنه امتلكها ثم شيئًا فشيئًا بدأ يخسرها، هو إيكاروس وأجنحته المتلاحمة بالشمع، إيكاروس الذي خالف وصية والده وحلّق بأجنحته البعيدة نحو الشمس وحرارتها فذاب شمعها وهوى صريعًا.
غالبًا ما ارتبط تفسير أسطورة إيكاروس في الأدب بالوصول إلى الحقيقة والمعرفة أكثر مما يجب، حيث تناول فكرتها الدكتور أحمد خالد توفيق في روايته «مثل ايكاروس»، وعبرت عنها شيرين هنائي في عملها «صندوق الدمى» اعتبارًا أن الشمس هي الحقيقة والمعرفة والاقتراب منها دون حذر أو حيطة بأفكار سطحية سيودي بك عميقًا أعمق مما كنت فيه حين جهلك.
أنت تقرأ
تمرّد مقالات
De Todoتمرّدت أقلام أعضاء فريق النقد، وأعلن كل فرد ثورةً لأجل أن يكتب ما يُمليه عقله الناقد، من مقالاتٍ جدليّة فلسفية تناقش الأدباء بالمنطق والمعرفة. نقدم لكم هنا مجموعة مقالات متفرقة كل واحد منها يتناول موضوعًا شيقًا في مضمار الكتابة الأدبية.