الكاتب

353 67 42
                                    


هل فكرت ذات مرة بعمق شديد إن كنت تستحق لقب الكاتب بجدارة؟ هل تأملت ذلك المصطلح يومًا أو غصت في أعماق رحابه بحثًا عن غايته؟

إن الكتابة في نظري شيءٌ مميز للغاية، إنها في الحقيقة مسؤوليةٌ وقعت على عاتقك بدءًا من ذلك اليوم الذي قررت الكتابة فيه. فهل أنت حقًا جدير بتلك المسؤولية؟

إن إمساكك للقلم والبدء بالكتابة لهو شجاعة كبيرة منك، ولكن هل فكرت فيمَ ستكتب؟

هل ستكتب ما يُحدث تأثيرًا، أو تغييرًا جذريًا على مجتمعك ومن حولك؟ هل ستناقش قضيةً اجتماعيةً مهمة؟ أم ستحث الناس على خلق ما يضيء شعلةً تقتل ظلمة الحياة؟ هل ستكتب ما يسلي حياة البشر ويضيف متعة خاصةً لحياتهم تجعلهم يشعرون بالنشاط والأمل؟ هل ستترك تأثيرًا إيجابيًا على القارئ؟ هل ستهديهم طريقًا للصواب بعد سنين من الضلال؟

إن كتابة عمل أدبي هو السبيل الأعمق إلى قلوب البشر، إنه طريق لتغيير حياة الآخرين. فكم من مرة عزمت على تغيير شيء في حياتك بعد أن أنهيت كتابًا ما؟

قبل أن تشرع بالكتابة، انظر حولك تأمل كل تفصيل في حياتك، فكِّر جيدًا وانتقي شيئًا تسعى إلى تغييره أو رسالة تؤمن بها ثم ابدأ بالكتابة. اكتب وانشر الإيجابية في حياة الآخرين، انشر الحب والتسامح والصدق. تناول قضيةً تؤرق حياة البشر. اكتب عملًا أدبيًا يناقش تلك القضية بواقعية وصدق. اصنع شخصياتك لتجسد أحداث تلك القضية.

انظر حولك مرةً أخرى! ماذا ترى؟

هل ترى ذلك الخراب الذي أراه؟ هل ترى الدمار والحروب؟ هل ترى جثث البشر؟

إن كنت لا تعيش في مكان يتخلله الحرب والدمار فانظر داخل بيئتك، ألا ترى فسادًا؟ مشاكلًا اجتماعية؟
وإن كنت حقًا لا ترى أيًا مما ذكر فانظر في محيط أسرتك، إن الأسرة هي أساس المجتمع، اكتب عن روابط أفرادها ومدى تأثيرها الإيجابي على المجتمع كما يمكنك مناقشة المشاكل التي تواجه كل أسرة.

وبالحديث عن الأسرة هل يمكنكم تخيل بأن مثل تلك الفكرة البسيطة بجذورها العميقة يمكن أن تصنع عملًا أسطوريًا عالميًا ذا شهرةٍ وشعبية لا تصدق؟

هل خطرت في بالكم رواية «نساء صغيرات» للكاتبة لويزا ماي ألكوت؟ إن الفكرة التي اختارتها ألكوت لا تتعدى حدودًا بسيطةً للغاية، فلقد استرسلت الكاتبة بالحديث عن أسرة مكونة من أب وأم وأربع فتيات يعشن في زمن الحرب ويعانين الكثير من المشاكل في حياتهن اليومية، ومن أبرز مشاكلهن هي فقدانهن لوالدهن الذي التحق بالجيش.

تتناول الرواية العديد من القضايا في محيط أسرة متواضعة تسعى للحفاظ على روابطها ويكبر أفرادها لتستكمل الكاتبة حياتهم. لقد كان لتلك الرواية أثر لا يصدق على الكثير من الناس إلى يومنا هذا وذلك لأنها لامست قلوب القراء وأوصلت معاني ورسائل أثرت على حياة القارئ.

يؤسفني وبشدة بأن أقول بأن الكثير والكثير من الأعمال المتواجدة هنا في الواتباد لم ترتق بعد إلى المستوى الأدبي السامي، ووجودها ليس إلا تفريغ لرغبات تخص الكاتب أو لإشباع شهواته الذي يصعب عليه كبحها.

ولعلي سأحترم رغبته تلك قليلًا إن كان يكتب تلك القصص التي يكتبها على ورق ثم يسارع بتمزيقها بعد الانتهاء ورميها في سلة المهملات. ولعلي أيضًا سأقدر ما يكتبونه إذا كان يحمل القليل من التنوع ولكن صدقوني إنها فكرةٌ واحد لا تختلف تم نسخها وكتابتها بطرق مختلفة بعضها أسوأ من الآخر؛ لتغزو قائمة الاقتراحات عند جميع مستخدمي الواتباد.

وهل تعلمون ما المؤسف أكثر؟ أن تلك القصص ما كانت لتوضع في قائمة الاقتراحات لولا كَونها تحمل ما لا يقل عن العشرة آلاف قراءة، وهنا نصل إلى نتيجة مأساوية أكثر، وهي أن الإقبال على مثل هذه الأعمال لا يستهان به. وبما أن أغلب الاقتراحات التي تظهر لي تتمحور حول الدادي وصغيرته المثيرة يتملكني شعورٌ يدفعني وبشدة لاغتيال مبتكر ثقافة الدادي تلك.

ولعلي ختامًا لهذا المقال الذي عبرت فيه عن مشاعري الدفينة أدعو كل كاتب ضل طريقه وسلك تلك السبل المبتذلة في الكتابة بأن يجلس مع نفسه ليتأمل وبصدق في ما يكتبه، إنني أقدر رغبة كل كاتب ولكن فكِّر جيدًا وتأمل معنى لقب الكاتب الذي منحته لنفسك وتأكد من أنك تحترم ما تخطه يدك من حروف وكلمات.

ومن الجانب الديني، إلى كل كاتب يكتب الجملة المعتادة التي قرأتها كثيرًا هنا «متبرية من ذنوبكم» وتعليقًا على هذه الجملة التي استوقفتني وأثارت استهجاني بسبب ما تحمله من تناقض، فكيف تتبرى من ذنوب أحدهم وأنت السبب فيها؟ إذا أمسكت قلمًا فتساءل: «هل يرضى سبحانه عما أكتبه في هذه الورقة؟»

وكونك تشعر بأن ما تكتبه لا يرضي الله فهذا جيد ولا ينقصك أيها الكاتب العزيز سوى إرادة تردعك.

منشن هنا من عليه قراءة هذا المقال من محيطك. 💙

-جودي♡

تمرّد مقالاتحيث تعيش القصص. اكتشف الآن