تذكرتان إلى مقبرة النُقاد المنسية

468 56 341
                                    

قبل الشروع في القراءة، نعتذر مسبقًا لقسوة المَشاهِد!

____________________

منظر غريب يثير التساؤل والاستنكار، نظرات تحاول التسبب بصفعة لتلك المشية المتبخترة في شوارع مدينة واتباد برتقالية البلاط.

منذ متى تقف طيور البوم على كتف أحدهم في وضح النهار؟ منذ متى يكون هذا الـ أحدهم شبحًا؟ لا أدري كذلك منذ متى تمتلك الأشباح كتفًا للوقوف عليه!

يعدل نظارته السوداء التي يرتديها للزينة، بل لها وظيفة أسمى من مجرد حجب لأشعة الشمس محجوبة بالغيوم من أساسها، تجنب التقاء النظرات مع أي كائن عابر... زيادات في الدراما تنتهي بأطراف باكية تتهم الشبح بفظاظته لذا انتهى الأمر بالتلافي.

وقف أمام باب كبير زجاجي كما واجهة البناء كاملة، مكتبة الواتباد العامة. أوشك أن يأخذ نفسًا أخيرًا من سيجارته الفخمة ليتفاجأ بالبوم ينقر طرفها متلفًا إياها. مرة أخرى يعدل نظارته ويحمحم.
-هل تريد أن أصنع من ريشك لفافة تبغ جديدة؟

أشار له بتلك اللافتة الكبيرة «التدخين ممنوع» هفّ خصلاته الداكنة ليقول بسخرية لم يحاول حتى أن يخفف وطأتها على السامعين: التدخين هو الطريقة الأفضل لتحمل تفاهة هذا العالم وسكانه!

ثم انطلق مع شريكه دالفَين للداخل، متنقلين من رفٍ لآخر حتى وقع زوجا الأعين على اللافتة التعريفية المغرية «من أفضل ما كُتِب» بناءً على توصيات رواد المكتبة وتقييماتهم المرتفعة!

ممل، يبدو سخيفًا، ألوان الغلاف غير متناسقة... غوستاف ديميتري! حيث رابع كتاب وقع في يديه، نال اسم الكاتب رضى شبح وذوقه الغريب في اختيار الكتب حسب معايير معقدة الفهم على البشرية. نظر لستريغي مترجمًا ما يجول في خاطره بصمت، إيماءة أتت من الأخيرة موافقة على حسن الاختيار. هزّ كتفه لتتنحنح من مكانها وتستعيد بالكاد اتزانها، ليس وكأنه سيأخذ رأيها بأي حال فالكتاب صار على طاولة القراءة مسبقًا.

ما إن فتحه حتى تذكر أنهما لم يطّلعا بعد على العنوان، الواجهة وشرف الكاتب الذي سيغري الفرد ليدفع دنانيره الصدئة في سبيله، لكن ما وجداه كان شيئًا بالكاد سيدفعان وقتًا مجانيًا لقراءته مرتين «رغم برودة قلبه إلا أن دفئ مشاعرها اذاب جليده».

رفعة حاجب من سيد شبح وهو ينظر لستريغي، والأخيرة نظرتها كانت تستنجد: ما الذي بقي من القصة لقراءته!

وبما أن البحث عن كتاب آخر سيكون محاولة عابثة تبدد الطاقة المراد توفيرها لأجل غير مسمى، تقرر إكمال المجازفة فهما بكل حال ثنائي يحب المخاطرة والمراهنة على دقائقهما المهدورة.

«بانت الشمس الذهبية في الصباح وأخذت مكانها في سماء الصباح تطلع صباحًا وتشرق مثل كل يوم على الحشائش والأغصان، التلال والهضاب، الجبال وغيوم الصباح، الحيوانات التي في جحورها والبشر... كله تشرق عليه الشمس الذهبية وتتكرر دون ملل كل صباح لتنير العالم بأسره بنورها ويذهب الظلام ولكن هذا الظلام يعود ليلًا، ولكن هاذا لا يهم الآن فهي شمس وصباح.»

تمرّد مقالاتحيث تعيش القصص. اكتشف الآن