متلازمة الصفحة البيضاء

588 89 259
                                    

قد تفقد أحيانًا قدرتك على تشكيل الحروف صوتيًا ونطقها حين يعتريك اليأس من تحطيم الحاجز أمامك، وعلى المبدأ نفسه قد تفقد قدرتك على جعل حروفك تتعانق في كلمة واحدة، وإن حالفك الحظ ولملمت الحروف في عائلة من كلمة، فإن العبارات تتنافر! أنت عاجز أمام أوراقك، أقلامك، مسوداتك، تُعدم ظُلمًا كل عِبارة وتفتك بحياة كل ورقة.

لا ننكر أن الكتابة مهمة شاقة، أتراه سهلًا أن تخلق علاقة حب بين الكلمات فتغدو متآلفة؟ بالطبع لا، لكن هذا قد يبدو بالنسبة لمن يملك روح كاتب حقيقي كالسهل الممتنع، متعة وتحدي بين نفسك ونفسك وهنا سندخل أحيانًا في حلقة من النقد الذاتي، فتمزيق الأوراق، فالتوقف والاعتزال فترة أو للأبد... ولعله كابوس كل كاتب أن يملك الرغبة لكنه لا يملك قالبًا لوضع كلماته فيه فتضحى تائهة ضائعة في عقله فقط.

قد تظن أن روايتك قامت بنفيك خارج أسوار مملكتها السحرية، فقدت قدراتك ولم تعد ملكًا يحكم السيطرة على رعاياه... لكن لا، هناك باب سحري دائمًا لدخول مملكتك مجددًا.

شدوا الآن أحزمة الأمان - الممزقة - ولننطلق نحو مصنع حياكة الكلمات، سنرى خيوطًا من بعض الألوان ونحاول تعلم فن حياكة النصوص من جديد، ولعلنا بعد الإنتهاء نعتذر لأوراقنا الممزقة مسبقًا ونتصالح مع أقلامنا فنتصافح كأصدقاء مقربين مجددًا.

في طريقنا نحو المصنع وعلى حين غرة نشهد عائقًا كبيرًا، جذع شجرة أرعب الكثيرين من كُتابنا حد اليأس وقد ظنوا أن هذا الجذع سيغدو مُعمّرًا في طريقنا، هذا العائق هو محور حديثنا اليوم «متلازمة الصفحة البيضاء أو الفارغة» أو بالمُسمى الآخر
«قفلة الكاتب».

إزالة أي عائق أو عدو تتطلب معرفة جيدة به - لذا يجبر مستر شبح نفسه على أن يصبح اجتماعيًا ويعقد صداقة لا بأس بها معكم - وهكذا سنحصل على نقاط الضعف ونقوم بتقويتها، والحصيلة... دمار تام للهدف! نعم أعزائي، من كنتم تظنونه كاتب هذا المقال مثلًا؟ لا بد وأن الكثير قد خُدع وظنه لطيفًا ما من الفريق، أو بعد رؤية أن أحزمة الأمان ممزقة أسأتم الظن وشعرتم أن لا ضحايا اليوم معي، لكنها العادات يا صغار! هل يُعقل ألا أختم مقالي بشيء ما مثل «فلترقدوا بسلام»؟ هذه ضرورة، والجملة تتطلب أفعالًا تسبقها، لذا قبل أن نبدأ بدراسة جذع القفلة المقيت هذا سنربط البعض منكم بالأشجار ونشنقهم، بينما ندحرج البعض من المنحدرات... للأسف كنتم قراءً جيدين لكن الكاتب سيئ! حظًا أوفر مع بقية أعضاء الفريق اللطفاء.

علاج المشكلة يكمن في الأخذ بأسبابها التي تمثل شقوقًا وصدوعًا في جدران رغباتك وقدراتك الأدبية، ثم محاولة ردم تلك الصدوع. تختلف الأسباب هُنا ويعجز الكثير عن تفسيرها لكن ملكها الطاغية هنا هو «الإحباط» في أي جانب نفسي وليس ما يتعلق بالكتابة فقط، فالكتابة بالنسبة لكاتب يفهم معناها حقًا هي مرآة وانعكاس لروحك، زهور تنمو من قلبك... وقرص زجاجي سحري شفاف بداخلك تغذيه بأفكارك فتنعكس عنه الكلمات على مسودة وورق، الكتابة لغز متغير لا حل ثابت له، بل كل منا له حله الخاص.

تمرّد مقالاتحيث تعيش القصص. اكتشف الآن