المجرم بريء حتى تثبت إدانته

596 90 146
                                    

الليل وابنه الظلام مجرمان فتكا بالأصوات والألوان، لعل القمر شاهدٌ جيد لكنه اختبأ يرتعش خلف أغطية من الغيوم الرمادية، اختلس البدر نظرة فتشظى عنه بعض الضوء وبانت حقائق لا أدلة تدعمها.

الليلة، وتحت ستار العتمة تواجدت جثة غير واضحة المعالم تتسلل خفيةً الدماء منها، وتصنع بركةً ترفدها بالمزيد والمزيد.

هناك وبالكاد يبعد مترًا عنها، الشبح بهيئته الأنيقة الداكنة المعتادة مسلوب الفكر واللب بحدة السكين المضرجة دماءً بين يديه، ببراءته الشديدة يحملق بالجثة ويسأل: «من فعلها؟» ثم يرتشف كأسًا من عصير الرمان ظانًا أنه مصاص دماء مُعمّر.

لكن القائدة تقاطع عليه أجواءه ولحظاته مانعةً الالتباس الحاصل قليلًا وتذكره أن مقال اليوم عن:

«الأدب البوليسي.» لا «أدب الرعب أو مصاصي الدماء.» فيوافق واضعًا شرط أن تعطيه حبيب القلب برعم الذي يتم التنمر عليه دائمًا من الشبح، لجعله ممثلًا حيًا للضحايا أثناء الشرح عن الأدب البوليسي والجرائم، يُقابل طلبه بالرفض طبعًا فيمسح دموعه الوهمية ويغادر خائبًا يفتتح المقال وحيدًا، هل من أصدقاء يملؤون الفراغ بدلًا عن برعم الهارب لسبب مجهول؟ أهناك من هو مستعد للإمضاء على اتفاقية تضحيته كجثة للشبح؟

ويعود صدى السؤال يتكرر حول الجثة الأولى سيئة الحظ «من فعلها؟» 

إياكم وتوجيه الاتهامات نحو الشبح، فالمُتهم بريء حتى تثبت إدانته، والشبح بريء وإن ثبتت جرائمه.

اليوم جولتنا تتضمن معايشة أجواء شارلوك هولمز، ارتدوا قبعات لندن القديمة، وليأخذ كل منكم غليونه ثم نسير معًا، ولعل البداية هي تعريف بسيط ببعض من العناصر القصصية أو الروائية للأدب البوليسي أو الجنائي حيث قوام حبكته جريمة أو عدة جرائم، بل يمكن التلاعب وجعلها جريمةً وهمية وقاتل لا وجود له، لكن البنية العامة كما أسلفنا وأساس العُقدة هو الجريمة.

تتصاعد الأحداث بعدها وتبلغ الذورة والحل الكامن في كشف الملابسات بعد استعراض الأدلة ودس عنصر التشويق بين السطور، وبذكاء يخرج عن النمط المعتاد كتسيير الأحداث نحو الأمام بمزيد من الضحايا وليس تسليط الضوء طيلة الصفحات على التحقيقات وحسب، أو اتهامات زائفة وهمية مبعثرة هنا وهناك تضلل الحقيقة حول الفاعل فتكون إزاحة اللثام عنه في النهاية صدمةً للقارئ.

الزمان والمكان يتربعان على عرش العناصر اللامعة الواضحة في أدب الجرائم، حيث الفضاء الزمكاني يمنح التسلسلات المنطقية لملابسات الجريمة، ويجذب تركيز القارئ النبيه عادةً في محاولاته الربط ليصل إلى قمة الحبكة وحل العقدة يسابق الكاتب في الكشف عن الحقائق.

الشخصيات عادةً تُضمر أكثر مما تُظهر، غامضة الدوافع، مجهولة الطبائع النفسية العميقة فلو أظهرت كافة شخصيات الرواية البوليسية صدقًا وصراحة حقيقية لا مزيفة، لن نحصل على عنصر التشويق والحيرة المرجو حفرها في عقل القارئ.

تمرّد مقالاتحيث تعيش القصص. اكتشف الآن