سمعتُ من جدي قبل أيامٍ حكاية فيها من المأساة والمعاناة الكثير، خاصة عندما دخلت بطلة القصة عالمًا برتقاليًا غريبًا، فتلقت في رحلتها المجهولة عدة صفعات من رواد ذاك الموقع، أردتها قتيلة، وإحدى الصفعات مضمونها كان:
«قفز على ظهر الآخر بطفولية قائلًا: امسكت بك.
رد الآخر: ههههههـ كم ههههـ انت ههههـ أحمق»نعم يا سادة، حكى لي عن حياة إحدى الفئات التي تدعى بال(كوميديا)، سآخذكم معي لنغوص في تاريخها وحاضرها، إن استذكرت كل المعلومات التي رواها جدي والتي تدخل في تنقيحها عالم الكوميديا.
«كان يا ما كان، في حاضر الزمان وسالف العصر والأوان، فئة انتحلت من كل شخصيات الأزمان، فَفَكَهَهُمْ بمُلح الكلام، أطرفهم قولًا ولسان، خُلقت البسمة مع ولادة الانسان، لتملأ المهج بهجة وألوان، فتنيرُ بضيائها الأكوان.
في الأيام الأولى للطفل في صراع الحياة، تبدأ عمليات تنبيهٍ لحواسه كالسمع والبصر، وفي الشهر الثالث أو الرابع من الخوض في معتركات إدراك الحياة، يبدأ الطفل بالضحك، وقد لاحظ «Bowlby» أن الابتسامة هي واحدة من خمس استجابات غريزية تعمل على زيادة الربط والترابط بين الطفل والأم بشكل تفاعلي.
وهذا يعني أن الفكاهة وجدت مذ بدأ الخليقة، فلا وجود لضحك دون إضحاك.وبعدها امتدت الكوميديا الى المسارح والسينمات والأدب، من قصائدٍ وروايات، وطُرف طالما اشتهر العرب بنقلها، أحاديث تستهدف قضية معينة بهدف إصلاحها، ومن أشهر كتاب الكوميديا هو «ملفن هيلتزر»، فقد حصل على شهادة جامعية في كتابة الإضحاك.
مرت في مسيرتها بالأغريق والرومان، وهم كانوا أول من وضع أسسها وقواعد كتابتها، اشتهر منهم الكوميديان «أريستوفان وميناندر».
ثم أكملت طريقها مرورًا بالكثير من الشعوب والأقوام، التي مجدتها وألهتها بالمعنى الحرفي للكلمة، فالفراعنة كان لهم إله للضحك «بس»، وعاشت عندهم مرفوعة الرأس، غير أنه يقال أن الضحك والتهريج لم تكن مهنة محترمة، رغم وجود وثائق ومدونات وبرديات عن مهرجي البلاط الفرعوني.
هناك بردية محفوظة في متحف برلين، عن حوار بين انسان سئم الحياة وروحيه، متخذةً منحى فلسفي.
«كل واشرب وامرح فالحياة قصيرة، لكن السؤال من أين والعين بصيرة واليد قصيرة؟»سارت الكوميديا في طريق مجهول، أوصلها عند قوم اسمهم اليهود، يحاولون منذ الأزل إثبات كيان لهم في كل بقعة ومجال وبين كل الفئات والأماكن، لذا ففي فترة مرورها عندهم أغرقوها بمصطلح عنصري «الكوميديا اليهودية» وذلك لإثبات أن لهم كوميديا خاصة بهم، وكأنها جزء من جيناتهم، وما دعم كلامهم العدد الضخم من الكوميديين اليهود في مجال الاعلام، وخاصةً في أمريكا.
لم تنسَ الكوميديا المرور عند العرب، فقد عرف العرب الكوميديا في الكثير من كتب الأدب.
من بين صحابة الرسول سنجد شخصية «النعيمين» هذا الصحابي الجليل المحب للهزل والسخرية وإدارة المقالب الطريفة، التي كان الرسول يعجب بها ويوافق عليها حتى لو كان هو مقصدها مثلما حدث مع قصة الغداء الذي أولمه النعيمين للصحابة ودفع الثمن الرسول.
وسنجد عند العرب أيضًا الكتابات الكثيرة التي تتكلم عن شخصيات ذات سمات كوميدية مثل كتاب «البخلاء» للجاحظ الذي يحفظ الكثير من نوادر البخلاء وكتب الحمقى التي تحفظ نوادر الحمقى والمجانين وغيرهم، وكل هؤلاء شخصيات نمطية تولد السخرية وتجعلنا نضحك منها ومعها.
أنت تقرأ
تمرّد مقالات
Randomتمرّدت أقلام أعضاء فريق النقد، وأعلن كل فرد ثورةً لأجل أن يكتب ما يُمليه عقله الناقد، من مقالاتٍ جدليّة فلسفية تناقش الأدباء بالمنطق والمعرفة. نقدم لكم هنا مجموعة مقالات متفرقة كل واحد منها يتناول موضوعًا شيقًا في مضمار الكتابة الأدبية.