الأدب خلف أسوار السجن

337 46 24
                                    

الأدب أحد أشكال التعبير الإنساني عن مجمل عواطف، وأفكار، وخواطر، وهواجس الإنسان بأرقى الأساليب الكتابية التي تتنوع من النثر، إلى النثر المنظوم، إلى الشعر الموزون، لتفتح للإنسان أبواب القدرة للتعبير عما لا يمكن أن يعبر عنه بأسلوب آخر.

فَرَض أدب السّجون نفسه كظاهرة أدبيّة في الأدب الفلسطينيّ الحديث، أفرزتها خصوصيّة الوضع الفلسطينيّ، مع التذكير أنَّها بدأت قبل احتلال ألف وتسعمائة وسبعة وستون، فالشّعراء الفلسطينيون الكِبار مثل محمود درويش، وسميح القاسم، وتوفيق زياد، وغيرهم... تعرَّضوا للاعتقال قبل ذلك، وكتبوا أشعارهم داخل السجون أيضًا.

إن أدب السّجون والكتابة عنه وعن تعذيبه المعروف منذ القدم عربيًا وعالميًا أيضًا، فهو جزء لا يتجزأ من الأدب العربي، الذي يتطلع للحرية، وهو من أصدق أنواع الكتابة، سواء كان ذلك على مستوى النثر أو على مستوى الشعر، واختلفت التسميات حول النتاج الأدبي، فذهب البعض لتسميته «بأدب الحرية» أو «الأدب الاعتقالي» وحرص آخرون على صبغه بمفاهيم إيديولوجية، فأطلقوا عليه «الأدب الأسير» وذهب آخرون إلى تسميته «بأَدب السجون» ولكن الجميع متفقون على أنه يندرج تحت عنوان «الأدب الفلسطيني المقاوم».

أَنْ نكتب عن الأسر والسجن في الأدب الفلسطيني، يعني أن نبدأ ولو باختصار شديد بتاريخ أدب السجون.

لقد أمدنا التاريخ العربي بذاكرةٍ خصبة أثراها عشرات بل مئات الشعراء الذين أُسِروا، وكتبوا قصائدهم داخل السجون، كأبي فراس الحمداني، والمتنبي، وناظم الغزالي، وغيرهم.

كما يجدر التنويه أن أدب السجون ليس حكرًا على الفلسطينيين والعرب فقط، بل هناك آخرون كتبوا داخل الاعتقال كالشاعر التركي ناظم حكمت، وشاعر تشيلي العظيم بابلو نيرودا، والروائي الروسي ديستويفسكي في روايته «منزل الأموات» وآخرون كُثر ممن كانوا تحت الاحتلال واعتقلوا.

وهنالك عدة عوامل ساعدت على الكتابة الأدبية لدى الأسرى، وأهمها:

1- دخول الكتب الأدبية للسجون في العام ألف وتسعمائة واثنين وسبعون، وتوافرها في نهاية السبعينيات، والتي مثلت العصر الذهبي للأسرى على الصعيد الثقافي بشكل عام، والطفرة الأدبية الاعتقالية بالشكل الخاص.

2- تنامي قوة الحركة الوطنية الأسيرة، وتطور أساليب الإسناد الجماهيري لها، مما أدى إلى لجم شراسة القمع الجسدي والفكري، وخفف من حدة القهر الممارس ضد الأسرى.

3- التلفاز واضطرار إدارة السجن إلى السماح بإدخاله في غرف السجن، ما أتاح للمعتقلين الاطلاع على العالم الخارجي من خلال مشاهدة بعض البرامج الأدبية والفنية في الفضائيات العربية التي سمحت بها إدارة مصلحة السجون، ثم عادت ومنعت بعضها ضمن سياسة التضييق.

4- دور المجلات والنشرات والصحف التي كان يصدرها المعتقلون، واهتمامهم بنشر النصوص الأدبية والقصائد الشعرية في مجلات أدبية خاصة «كصدى نفحة، والصمود الأدبي». - الاثنان أسماء مجلات أدبية -

5- نشر أعمال بعض المعتقلين خارج أسوار السجن بعد تهريبها بطرق مختلفة.

وتميزت التجارب الأدبية بالالتزام في السجون، كالالتزام بالقيم، والمبادئ، والتناغم مع القضية، في تجاوز الهم الفردي إلى الهم الجماعي والعام.

ومن أهم سمات أدب السجون:

1- العُمْق: يمتاز «أدب السجون» بعمق التعبير في الدلالة والمضمون، وفي الربط بين الفكرة والأسلوب.

2- الرمزية: غالبًا ما يلجأ الكاتب إلى الرمز للتعبير عما يعتلج في حناياه.

3-التصوير الفني: كثيرًا ما يلجأ الأديب إلى فرط عقود اللغة، وما حوت من جمان وجواهر، ليعيد تشكيل فكرته وشعوره في قالب لغويّ جديد، فتعطيك المقطوعات الأدبية لوحات رائقة، أو مشاهد صامته، أو انعطافات على مشاهد حية مُفْعمة بالحركة.

4-البلاغة: الصناعة البلاغية رائجة الاستخدام، كالكنايات، والاستعارات، والتشبيهات، والمجاز المرسل، والمحسنات اللفظية والبديعة.

5- الاختزال: أي ضبط الفكرة التي تحتاج إلى فقرات طويلة في فقرة صغيرة.

6-العاطفة المتأججة: فلا تكاد تجد مقطوعة متكلفة المبنى أو المعنى، وإنما منسجمة في معناها ومبناها مع العاطفة التي تحكم القالب اللغوي المستخدم.

7- سعة الخيال: يلجأ الكاتب إلى الخيال في الغالب لاستعارة الصور أو الأحداث، فتتفاعل الفكرة في خياله مع صور إبداعية، بقالب لغوي خاص.

8- الحزن المشوب بالتحدي: فمسحة الحزن لا تكاد تفارق المقطوعات الأدبية على اختلاف موضوعاتها، حتى تلك التي أراد بها صياغة مساحة من الفرح، لا تكاد تخلو من ألم أو آهات أو دموع، فأفراحهم يُستفضل التعبير عنها «بالجراح الباسمة».

9- الثقافة الواسعة: حيث يهتم الأسرى بتنمية ذواتهم ومهاراتهم وقدراتهم.

في النهاية إن ما هو مجهول من إبداعات الأسرى الأدبية، وما تم مصادرته من قبل إدارة مصلحة السجون الإسرائيلية، ومن لم يرَ النور بالطباعة بسبب القصور باتجاه أدب السجون لهو أكثر بكثير مما عرف وما نحاول إبرازه، وجمعه.

أخيرًا أود أن أسألكم هل سبق وقرأتُم شيئًا من أدب السجون؟

إذا كانت إجابتكم نعم فأخبروني في التعليقات ما اسم الكتاب الذي قرأتموه؟ وما اسم كاتبكم المُفضل؟

أرجو أن يحوز هذا المقال الصغير على إعجابكم. ♡

-توباك

تمرّد مقالاتحيث تعيش القصص. اكتشف الآن