مجنون ليلى

518 76 58
                                    

وقد يقود الهوى العقل إلى الهاوية، يرديه طريح الجنون، ليميل الوعي بالإنسان حتى تَبكيه الجفون، يُنشيه التواء المهج على حبيب وهو في الحياة مدفون!

سآخذكم معي في جولة ننفض فيها الغبار عن هلاك محبين وهم من هواء الدنيا لا زالا يتنفسان...
قيس بن الملوح الملقب بالمجنون، وحبيبته ليلى بنت مهدي المُكنّاة بأم مالك استنادًا على قول قيس:

تكاد بلاد الله يا أم مالك ** بما رحبت يومًا علي تضيق.

العاشقان اللذان طالما كانا مثالًا في الحب، وظلوا.

دخول التاريخ ليس حبرًا أسمك تسطره على أي ورقة وتمضي، بل قد يكون ثمن الدخول له أنفس تُجتث تاركةً الجسد يحتضر، فإذا أتم عمره، مات.

ولأدخل لكم في جوف القصة، وأقتطف من هنا لمحة ومن هناك لحظة، سأبدأ قصتهما منذ الصغر، حيث ما زالا في اختراع الألعاب الجديدة شاردين، يرعيان الغنم متحابين، وألفة الصداقة بينهما قائمة، فللأطفال في براءة حبهم جمال، حتى كبروا، ومنعوا عن قيس مؤنسته وصديقته، ومن هنا تبدأ حكاية تعارفهما، ويؤكد هذه الحكاية بيت للمجنون قائلًا فيه:

تعشقت ليلى وهي غرّ صغيرة

ولم يبدُ للأتراب من ثدْيها حجمُ

صغيرين نرعى البهم يا ليت أننا

إلى الآن لم نكبر ولم تكبر البهمُ

ولحدث تعارفهما قصة ثانية، اختلف فيها الناقلون، تبدأ بخروجه من الحي على سبيل النزهة راكبًا ناقته وعليه حلتان من الديباج والحرير، فأقبل على بعض الغدران، فوجد جماعة من البنات والنسوان، ليحييهن بالسلام، وتكلم معهن بأفصح الكلام، فأخذ يُقلب عينيه بينهن، حتى وقعت على ليلى عيناه، فأفتتن بها واندهش، وخفق فؤاده وارتعش، فقال لها: هل عندكن شيء من طعام؟ قالت لا يا ابن الكرام، ليقوم إلى ناقته فنحرها، وسألها: هل تأكلين الشواء؟ ردت بنعم، فوضع اللحم على النار وانشغل بتقليب الأخبار عليها، مما استجدَّ في الأدب من مضمار، فقالت بعد حين: انظر إلى اللحم هل استوى أم لا؟

فأدار يديه قاصدًا اللحم فأمسك بالجمر بكلتا يديه، ليسقط مغشيًا عليه، وقد أكل الجمر باطن راحتيه، فلما رأته بتلك الحالة مدت له ذراعها لينتصب قائمًا، وشدت يديه بهدب قناعها، لئلا يزيد ألم يديه، وعرفت أنه قد غرق في بحر هواها، فأحمر وجهها من الحياء، فأقام قيس معهن في ذلك اليوم الى المساء.

وهذه هي القصة المشهودة على لقائهما، ومهما كانت البداية فهي الأجمل دائمًا.

ومن مقتطفات الأحداث التي حشت جمال البداية أنه طلب منها في يومٍ أمرًا ليعرف هل له في قلبها كمثل ما لها في قلبه، فرفضته وردته لنفس مناه تمنعت، فاصفر وجهه وتغير، حتى كاد أن يتفطر، فأنشد قائلًا:

تمرّد مقالاتحيث تعيش القصص. اكتشف الآن