هل تعلم الفرق بين النظرة الفيزِقية والميتافيزِقية ؟!
الأولى، هي أن تنظر للأمور كما هي بالطبيعة، نظرة مجردة، سطحية، أما الثانية هي ما وراء هذه الطبيعة، كينونتها، أصلها، عمقها ودواخلها.
يُقال أن الرواية النفسية غير منتشرة في العالم العربي، فهل توافقون ذلك؟
شخصيًا، أرى أن معظم التصنيفات المتاحة مظلومة في مجتمعنا، فالكل ينشغل بالرومانسية المقيتة على حساب مواضيع لا نهائية قد تكون أهم لنا كقراء.
إن الحد الذي يفصل بين الرواية الفلسفية وأختها النفسية، هو خطٌ رفيع، يكاد لا يُرى، لكنهما مع ذلك قد تتشابكان في مرحلة معينة لصنع عمل فلسفي نفسي.
دعونا أولًا نحدد تعريفًا واضحًا للرواية النفسية؛ هل هي رواية تناقش مرضًا نفسيًا؟ أو تتحدث عما يدور في داخل مصح نفسي؟ أو أنها مجرد رواية تدخل إلى جوف الأحداث لكشف ما وراء النفس البشرية؟
حقيقةً، لا يوجد إجابة واحدة ومحددة لهذا السؤال، فقد تكون الرواية النفسية متمحورة حول مرض نفسي أو مستشفى للأمراض العقلية مثلًا، أو قصة عادية مع تفاصيل نفسية دقيقة. لكن مهلاً... ألن تكشف القصة تفاصيل نفسية دقيقة حتى وهي تتحدث عن مريض نفسي؟ إذن قد نتفق على تعريف محدد، أو على الأقل تعريف حددته أنا بكل فخامتي😎
الرواية النفسية تُجرّدك تمامًا، تضع شخصيتك، أفكارك، مشاعرك أمام الملأ وتحت المجهر، تجعلك عاريًا تمامًا من دون خجل. هذه الرواية تقول ما تستحي أنت أن تقوله، ولا تكتفي أبدا بإظهار الأمور كما هي، بل تُرينا إياها من الداخل، رواية تولي التركيز الأكبر للشخصيات بكل صفاتهم على حساب الزمان والمكان وعلى حساب العقدة وترابط الحبكة، تكون النفس هي الأهم بكافة جوانبها.
تكون الرواية النفسية عادة مليئة بالتناقضات بين الشخصيات أو الشخصية ذاتها، رواية غامضة تحثّ القارئ على قراءتها، وتعرض الإنسان بصورة حديثة خارقة للعادة، تخيل أن تلك الشتيمة التي كنت تكبحها برأسك كي لا ترددها أمام ربّ العمل، قد تكون عاملاً مؤثرًا لسيرورة روايتك.
ترى أن الشخصيات في الروايات النفسية عادةً ما تتحدث بصورة فلسفية، يتم وصفهم بحذر شديد وبعناية فائقة، وهنا تمامًا تكمن صعوبة كتابة هذا النوع من الروايات.
قد تُذهل لو عرفت، أن هذه النصوص، تتلاعب أحيانًا بلا وعي القراء، فتستعطفهم للشخصيات ولو كانت شخصيات سيئة لو نظرنا لها دون التعمق إلا أن الحديث عنها وعن معاناتها أو أفكارها عن كثب، سيجعلك تخلق المبررات وتتجاوب مع القصة وحيثياتها بناء على ذلك.
بل إن الأمر قد يكون أخطر من ذلك، دعوني أُبسط الأمر، هل شعرتم يومًا بالحزن على فقدان شخصية روايتكم المفضلة؟ هل سعدتم بسعادة بالغة حين وصلتم لحدث مركزي كنتم تنتظروه بفارغ الصبر؟
أنت تقرأ
تمرّد مقالات
Randomتمرّدت أقلام أعضاء فريق النقد، وأعلن كل فرد ثورةً لأجل أن يكتب ما يُمليه عقله الناقد، من مقالاتٍ جدليّة فلسفية تناقش الأدباء بالمنطق والمعرفة. نقدم لكم هنا مجموعة مقالات متفرقة كل واحد منها يتناول موضوعًا شيقًا في مضمار الكتابة الأدبية.