نجومية الجنسوية

429 66 51
                                    


السؤال الذي يطرح نفسه غصبًا، هل الحديث عن مواضيع جنسية يجلب لك الشهرة؟ أم أن الشهرة تجعلك تميل إلى طرح مواضيع جنسية؟

لا بد أن الجنس هو إحدى أكثر المواضيع إثارةً للجدل عند مختلف شرائح المجتمع والفئات العمرية، مع اختلاف توجّهاتنا في التعامل مع هذه المسألة.

ولا أنكر حقيقةً أهمية دمجه في الأدب العربي المحلي والعالمي كانعكاس واضح للمجتمع وقضايا العصر الحالي، من ثوراتٍ «نسويّة» متعلقة فيه، أو حملات تشن ضد التحرش والاغتصاب وتسليط الضوء على هذه الحالات خصوصًا في بيئة عربية تلقي الذنب كاملًا على عاتق المرأة عادة وتنتهي حياتها عند تلك النقطة.

ومع تطور الحياة وبزوغ حركات جديدة، منها مناصرة لمثليي الجنسية أو معارضة، أو حتى توضيح عن متحولي الجنس من ناحية طبية علمية أو نفسية...  كلّها مواضيع تستحق أن نسلط الضوء عليها.

والسؤال الثاني والأهم في خضم هذا الحوار، كيف نسلط الضوء على هذه الجوانب بالصورة الصحيحة؟

لنبدأ بالحديث عن نموذج مبسط من هذا العالم البرتقالي، معظم القصص في الواتباد تحتوي محتوى جنسي للبالغين أو ممنوع من النشر حتى، ومما يصدمنا أكثر كنقّاد وقرّاء، أن معظم القصص المشهورة ذات عدد القراءات العالية تكون بالغالب هي الأخرى قصص ذات محتوى جنسي، لماذا برأيكم؟

ليس لأنها تستحق (ولو أن بعضها كذلك)، لا يوجد ترابط سردي مبهر ولا حتى مقدرة لغوية تلفت النظر ولا أحداث خارقة للطبيعة تجعلك تتمنى أن تكون كاتب القصة، بل إن هذه القصص لا ترقى غالبًا أن تسمى «قصصًا» أو «أدبًا» مجرد إفراغ للشهوة بطريقة مستفزة تجذب كل هذا الكم من القراء.

إذًا، افترض أن الكتابة في الواتباد في مضمار الجنس لم تأتِ لمعالجة قضية، بل أتت لجذب الانتباه، جذب القرّاء، زيادة عدد القراءات، إثارة الشهوات وتعبير واهٍ عن الكبت وعن القضايا التي علينا أن نناقشها بعقلانية.

هو مرض جديد أو متجدد، هو استغلال للأجساد، استغلال للتعري، وللغريزة، والفطرة، والفروقات الجندرية، هذه الكتابات هي مُتاجرة واضحة بالقضية تحت صفقة صريحة اسمها «اقرأ كتاباتي وتابعني وصوّت لأصير مشهورًا، وأعدك أن أبيع لك بالمقابل كل التفاصيل الجنسية التي ستوصلك للنشوة».

وهذا الأمر بحد ذاته هو قضية جنسية أخرى علينا أن ندرجها في كتابتنا الأدبية، «استغلال الجنس لغايات أخرى» فمن الناس من يستغله للوصول للمتعة، أو للإرضاء الذاتي النفسي، أو لكسب المال، أو حتى كما يفعل كتاب الواتباد لكسب النجومية والشهرة.

هي آفة أكبر تحتاج لمعالجة صريحة... لكنها مؤكد لا ترتقي لأن تكون كتبًا ورقية، ولست أقلل من أي مبدأ جندري أو كتابة تتخلل تفاصيل شهوانية، فأنا ناقدة شرهة، وقارئة شغوفة وكاتبة منجرفة، تؤمن أن الكتابة لا تعرف حدودًا سوى حدود المنطق.

وقد قرأت كتاب نجيب محفوظ «الطريق» وفيه من تفاصيل الجنس ما فيه، بطريقة يتقبلها الواقع تعالج القضية بعرض ذلك الفتى الذي ولد دون أن يعرف أباه ولم يعرف إلا أمه التي ربته وهي تحصل على مالها من الزنا، فكبر هذا الفتى وماتت من كانت تعينه من مال الحرام لينتج شاب هو الآخر نبتت فيه هذه البذرة الطالحة، ويخوض في رحلة البحث عن أبيه، فيزني ويقع بين شباك امرأة تلذذ شهوته وأخرى تداعب قلبه... وينجر وراء الشهوات لينتقل إلى القتل ظنًا أن هذا طريقه نحو الثراء! وتقتل أحلامه كلها حينها.

وقرأت كذلك، قصة «مملكة الفراشة» لواسيني الأعرج ولو أن القصة بعيدة كل البعد عن الجنس كموضوع أساسي فهي قصة تتحدث عن عواقب الحب الإلكتروني وعن سياسة الحرب والحب، وعن أن الفن هو علاج الروح في وسط هذه الفوضى العقيمة في حرب أهلية تقتل النفوس...

إلا أن القصة حوَت مقطع جنسي أو اثنين حسب ما اذكر، بصفحة واحدة فقط تتحدث عن ما يسمى «العادة السرية» التي تمارسها فتاة رغم كونها ملتزمة دينيًا كتعبير عن حاجتها الجنسية، كما أن الشتائم المستخدمة كنوع من انعكاس عن الصورة الحية في الشارع الجزائري كانت شتائم جنسية بحتة، ومع ذلك لم أشعر بالخزي من قراءة هذه القصص ولا بأنها مبالغة بالإباحية، بل كانت مواقف تحاكي الواقع لا تهدف لبيع القضية لكسب الشهرة فهم أصلا كتاب مشهورين من الأصل...

واسيني الأعرج، ونجيب محفوظ والكثير من الكتاب المشهورين أساسًا... كانوا يكتبون عن الجنس حتى بعد أن صاروا من المشاهير، فهم لا يستغلون القضية لأجل الشهرة بل على العكس تمامًا هم استغلوا شهرتهم لأجل عرض هذه القضية وإيصال الفكرة للناس وتوعيتهم بطريقة غير مباشرة! وهنا يكمن الفرق.

لا ترضَ أن يكون عملك إلا مميزًا، لا بأس بالكتابة عن الجنس بل هو شيء أساسي، أتمنى لو أجد قصصًا تتحدث عن رحلة متحول جنسي عربي عانى من نظرة المجتمع واضطراباته النفسية، ونظرة عائلته وأن يُظهر الكاتب المشاكل الطبية الصحية التي تعاني منها هذه الفئة وتجعل من الضرورة القصوى أن يحول جنسه ويغيره.

عن قصة فتاة متشددة في حركة نسوية تقف ضد المتحرشين، بعد أن كانت يومًا ضحية لأحد أقاربها مثلًا في مجتمع يكمم فاه الفتيات ويتهمها بكونها السبب.

عن مدمن مخدرات أوصله إدمانه لأن يقع في الزنا وما بعده ثم اختار التوبة، وواجه الصعوبات ليعود كما كان وإيمانه دفعه بالنهاية لأن يتغير ويغير حياة الكثيرين...

قصة مراهق وصل به الحال أن يفكر بالانتحار؛ بسبب مرض جنسي نفسي يجعل تلك الأفكار الدنيئة ملاصقة له لا تفارقه...

أو عن شاب مدمن للأفلام الإباحية كما هو حال ٩٠% من شباب هذه الأيام، وكيف استطاع أن ينقطع عن فعله هذا رغم صعوبة التوقف، ورغم انجراره وراء رغبته القاتلة...

هناك ملايين الأفكار التي تنتظرك لتكتبها، ومئات القضايا التي تحتاج لنتحدث عنها، اكتب بطريقة سلسة، أفكار جديدة، أحداث متسلسلة حية، سرد انسيابي، إحداثيات مكان واضحة وزمان يناسب القضية، كوّن تلك الشخصيات بعناية... لا تكتب بصورة مخزية لتصبح مشهورًا، لكن تمنى أن تصير مشهورًا لتكتب عن قضايا مهمة ويكون لك الفضل في نشر التوعية.

الفصل من كتابة القائدة عدن. ❤

تمرّد مقالاتحيث تعيش القصص. اكتشف الآن