هناك مقولة دائما ما نسمعها «قل لي ما تقرأ أقل لك من أنت.» ويمكننا تحويرها وجعلها «قل لي ماذا كتبت أقل لك من أنت.»
يمكننا معرفة الكاتب والغوص في أعماقه بمجرد قراءة إحدى رواياته ومقالاته.
الرواية قد يخلقها الكاتب لمشكلة اجتماعية ما، أو بمجرد حلمه لحلم غريب ذات ليلة، أو قد تكون تسلية لا غير.
أسباب كثيرة ومتنوعة لكن هناك شيء واحد ثابت، بأنها ستحوي روح الكاتب، وتجعله عاريًا أمام القراء.
لا يستطيع الكاتب عزل نفسه عن الرواية أو أن يكون محايدًا، رغمًا عن نفسه سينثر صفاته في كل شخصية فيجعل نصفه الطيب بطلًا مغوارًا محبًا للخير ونصفه الخبيث الحقود يبتليه بشخصية شريرة قد تموت في النهاية، وجزئه الساذج قد يجعله شخصية ثانوية قد تتأذى من سذاجتها.
يحاول الكاتب الاندماج مع كل صفةٍ له على حدى وهو ما لا يمكنه فعله في الواقع.
لا يمكنه أن يكون البطل المغوار، ولا يمكنه قتل جزئه الشرير، ولا يمكنه تعليم سذاجته بأنها حُمق وهلاك.
ثم يتجه الكاتب للبيئة المحيطة به للأشخاص الذين ينتمون لحياته رغمًا عنه، هو يكره ابن خالته المثالي ولا طريقة للانتقام منه في الواقع فيلجأ للرواية بجعله العدو ويجعل من صفاته الطبيعية جزءًا سيئًا ويحتاج للعقاب، فيكرهه القارئ فيشعر بالرضا حتى لو هزمه مجازيًا، قد يضع حبيبته صعبة المنال، من المستحيل الاقتراب منها فهو مجرد شخصٍ عادي بملامح عادية جدًا وبمستوى معيشيّ سيء ولا يجيد الكلام أما هي فاتنة مغرورة طموحة وتحب شخصًا آخر وسيمًا، طموحًا، وغنيًّا، لا يمكنه فعل شيء في الواقع فيخترع عالمًا هو المتحكم الوحيد فيه، تبدأ البداية كالواقع تمامًا ثم يبدأ باللعب بالقدر.
قد ينقذ حبيبته الفاتنة من الموت، أو يتحول لشخص جديد وسيم وغني وطموح تمامًا كما تريده، أو يمكنه جعل حبيبها مجرم يحتال عليها لسلب أعضائها وبيعها في مزاد ما أو في مزاد للعذارى ويغوص في خياله لينقذها وتصبح حبيبته وتنتهي بإنجابه لفتاة تشبه أمها.
ستكون الكاتبة ج.ك.رولينج مثالًا لما أعنيه.
الكاتبة ج.ك.رولينج كاتبة سلسلة هاري بوتر، قد رمت بكل معاناتها وآلامها في السلسلة؛ فمثلًا البروفيسور غيلدروي لوكهارت يمثل طليقها، حاولت الانتقام منه وفضحه هنا، فشخصية لوكهارت إنسانٌ مغرور، لا يرى سوى نفسه والأهم من كل ذلك يسرق انجازات الآخرين، فبعد سنين من نجاح سلسلتها قدم طليقها دعوى قضائية يتهم بها رولينج بأنها سرقت السلسلة منه وهو كاتبها الرئيسي.
وحصلت هذه الدعوى بعد كتابتها لشخصية لوكهارت وأنهت شخصيته بمحوها لذاكرته وبقائه لسنين في مشفى يتساءل دائما من هو؟ وأظنها أفضل طريقة للانتقام من شخصية زوجها السابق، فهو معتاد على الكلام والغرور وسرقة إنجازات الآخرين والتفاخر، وقد سلبت كل ذلك منه وجعلت منه نكرة مزعجة تحوم في المشفى وتسأل من تكون؟
وكان لموت والدتها أكبر تأثير على السلسلة فماتت والدتها في أول بدايتها لكتب السلسلة، وكان هذا الفقد واضحًا في هاري، فقذفت بكل معاناتها من فقدان أمها بما عاناه هاري وتمنيه الشديد لرؤيتهما، وكان التعذيب الذي لاقاه هاري من عائلة خالته تعبير عن عنف زوجها السابق فكان سيئًا معها وقد صفعها وشد شعرها ذات مرة.
أما رون فاستوحت شخصيته من صديق لها وكذلك سلاذار سليذيرين الشرير من أهم الشخصيات ذات الأثر في السلسلة استوحته من الدكتاتور البرتغاليّ (أنطونيو سالازار) وهاجريد من راكب دراجة اعتادت رؤيته في بريطانيا، أما اسم عائلة بوتر فكان تكريمًا لصديقين ينتميان لهذه العائلة، الديمنتورز كان تعبيرها للاكتئاب الذي عانته بعد موت والدتها وطلاقها وفقرها.
وكانت شخصيتها واضحة جدًا في هيرموني، في صغرها كانت مثلها تمامًا دودة كتب وذكية، كانت هيرموني تمثل شخصيتها القديمة بينما هاري بوتر فكان يمثل ما أصبحت عليه من بؤس وعذاب ومعاناتها التي كان مضطرًا ليعانيها.
من خلال سلسلة استطعنا معرفة كل شيء عن الكاتبة، مهما حاول الكاتب التخفي فشخصيات الرواية والأحداث ستصيح «أنا هنا.»
وكم أشعر بالأسى أحيانًا على بنات أفكارنا، أطفالنا الذين خلقتهم مخيلتنا لأنهم مضطرون لتحمل محطات حياتنا وتقلباتنا النفسية المريضة، جنوننا الذي يدفعهم للهاوية وحناننا الذي يُسكنهم في سطورٍ دافئة.
فإن أردت معرفة نفسك جيدًا أعد قراءة روايتك مجددًا ودقق وستجد نفسك تلوح لك وتقول «أنا هنا!».
أتمنى لو أن المقال قد نال إعجابكم!
صديقتكم ياسمين.
أنت تقرأ
تمرّد مقالات
Randomتمرّدت أقلام أعضاء فريق النقد، وأعلن كل فرد ثورةً لأجل أن يكتب ما يُمليه عقله الناقد، من مقالاتٍ جدليّة فلسفية تناقش الأدباء بالمنطق والمعرفة. نقدم لكم هنا مجموعة مقالات متفرقة كل واحد منها يتناول موضوعًا شيقًا في مضمار الكتابة الأدبية.