رائحة تتسلل صباحًا في ذروتها أكثر من أي فترة لباقي اليوم، وحتى لو كنت عابر سبيل يسير على غير هدى، مرّ قريبًا لحسن -أو سوء- حظه، فإنه سيخرّ مسحورًا بها.
هل من الطبيعي أن يكون للمرّ كل هذه الجاذبية؟
فقط إن كان قهوة! وهذا بالضبط ما وقعت في شباكه، مما حمل النسيم منه.هل يفترض بالسمكة التي تسبح عكس التيار وعكس سربها أن تصل يومًا للنقطة المنشودة؟
هذا إن تم اعتبارها سمكة، بدل مخلوق غريب يسير نقيض الغريزة الطبيعية، محكوم عليها بالإبادة متى ما تم لقفها.الختم على الأشياء الغريبة بختم اللا مرغوب، ولست أتحدث عن الجميع بل لنقل ما هو طاغٍ، ولأكون أكثر دقة... من سيختلف ويشذ عن الكلام أعلاه سيكون مع السمكة في تصنيف واحد بذاته
وسؤال لي قبلكم:
«هل تريد أن تكون معها؟»وقد أُجيب على سؤالي بسؤال.
لماذا هذه النقلة الفجائية من رائحة القهوة المبهرة، للسمك ورائحته المنفرة؟ربمّا لأنه في مكان ما من هذا العالم، هناك من سيقوم بترتيب الجملة السابقة بشكل معكوس، واصفًا الروائح حسب جاذبيتها عنده.
وذاك سيكون الشاذ جدًا.
ليس شرطًا أن تحب تغريد العصافير صباحًا، فالبعض يراها مصدر إزعاج وإفاقة مرغمة، كما لا شرط في أن تحب منظر غروب الشمس العاطفي، ذاك الذي يعكس تلألؤه على مياه البحر ناثرًا إياه كخرزات تحتاج أن تُجمع بعقد، البعض سيصاب بالاكتئاب كلما خطر له هذا المنظر الداكن.مللتم من المقدمة، لا؟
تعلمون –أو لا تعلمون- أن اختيار موضوع مقال ما من أحدنا ليكتب عنه يضاهي بتعبه الذهني إيجاد فكرة قصة، أو رواية لكتابتها!وبما أنني أكتب وكلي رغبة عارمة، ونوايا شفافة معطاءة لأن أفيدكم قدر الإمكان، خمنت أن علي قول ما يختلج مكنونات قلبي المتحجر هنا علّكم تفهمونني بشكل خاطئ، لأن الفهم الصحيح لن يروقكم.
حتى اللحظة... هل عرفتم من أنا؟
تأتينا الكثير من الطلبات للفريق من أجل نقدها، وتعلمون ما أجمل لحظة؟ تلقي الرد من الكاتب بعد أن نرسل له نقده. بالذات حين تكون ردود نقاشية وليس فقط «شكرًا لكم» أو ما شابه، بل شيء يخبرنا فعلًا أنه استفاد أو ربما لم يقتنع بفقرة قلناها ويريد مناقشتها.
لكن! ما هو انطباعكم بشكل جدي عن أعضاء فريق النقد؟
شيء يشبه المخلوقات المنحازة لنفسها، شخصيات لئيمة لم تختر الإنضمام للفريق بهدف المساعدة، بل لأجل إثبات السلبيات والإنتقاد اللاذع وإظهار كل عيب تقع عليه عيونها ثاقبة النظر.
إن أول وأهم شيء نتعلمه خلال تدريبنا هو: الابتعاد والابتعاد، فابتعاد وترك واعتزال للنقد الجارح اللاذع.
أحدهم - ليس أنا بالطبع - كان يظن الناقد شخصًا يستمتع بالتفرس، والتقاط أخطاء الآخرين الكتابية، لذا كنت أظن النصائح من هذه الفئة هي شيء لا يجب العمل به، لمَ؟ لأنها آتية من شخص غير موثوق النية.تفكير معاق، ألا تظنون؟ نحن على وشك الدخول لعام ألفين وتسعة عشر، وما يزال هناك من يفكر هكذا؟
الظريف بالأمر أنه «أجل» هناك من يفكر هكذا، وبالتحديد بعض من يرسل الطلبات لنا.
سؤال لكل من أرسل أو سيرسل، لماذا تفعل؟ ما الذي تنتظره من الفريق؟
هل سيكون غريبًا القول أن البعض ينتظر المديح فقط؟ بمقدار غرابته تكمن صحّته.
المشكلة تكمن بجملة واحدة أساسية تتم مخاطبة الناقد والكاتب بها معًا:
«النقد موجه للعمل المكتوب وليس للكاتب»
حين أقول أن الأسلوب الكتابي بائس جدًا «بطريقة لطيفة بالطبع» فأنا لا أتهم الكاتب بالبؤس! بل ما أقصده أنه يحتاج الكثير للتطور ولا يجب عليه أبدًا البقاء والتخمر في مستواه الحالي الذي هو «القاع» بذاته.هناك جملة تظهر لأعضاء الربيع العربي بين حين وآخر داخل تطبيق تواجدهم:
«نحن نفضل أن يدمرنا المديح على أن ينقذنا النقد».لماذا أكتب المقال الحالي؟ وما علاقته بالمقدمة القهوائية السمكية أعلاه؟
اختر السمكة! هذا كل ما أقوله!
أتعلم أنها تحوي زيوت أوميغا-3 المضادة للأكسدة والمانعة لتكون الخلايا السرطانية؟ أتعلم أنها تفوق القهوة بمئات الأضعاف بفوائدها الغذائية؟
أتعلم أن تقبّل الرائحة المزعجة خاصتها قبل النضج، تعني تمتعك بيوم مليء بالطاقة والتغذية الصحية؟
هل يبدو الربط الآن أوضح؟ وتعلم جيدًا عن أي سرطان أتحدث هنا فيما يخص موضوعنا!حين يحاول أحدنا أن يكتب، هناك فكرة وأسلوب لها. هناك الكثير من الطرق الصحيحة التي توصل لذات الهدف، هدف نضوح ما نريد من عقولنا للقارئ فيرى الأمر كما نراه ونتخيله قدر ما يمكن.
والجميع يتعلم من الجميع، بأن ما يُقرأ ويُنقَد يضيف للطرفين وقد يضيف لناقده أكثر من كاتبه بطريقة ما.
أنا لم أكتب هذا المقال لأحصل على تعليقات مثل «نحن نحب فريق النقد» أو «نتقبل نقدكم اللطيف» أو «لسنا ممن يفكر هكذا».
لم يُكتب المقال لأرى من سينفي انطباق المكتوب عليه، بل كتبته ليراجع من ينطبق عليه نفسه بأن عليه حقًا أن يغير ما بفكره.
إننا أصدقاء نطمح لأشياء متقاربة، أن تكون كاتبًا أفضل ولو بخطوة مما كنت عليه قبل حصولك على النقد، وأن نرى تزايد عدد الكتابات الجيدة التي في الواتباد، تعلمون بشأن شحتّها الكارثية صح؟ شكرًا لكم على هذا بالطبع!
وبما أنني لم أترك لكم أدلة كافية لمعرفتي، أختتم بالقول أن هذا المقال نبيل الهدف من كتابة «ستريغي» آملة أن تكون الفكرة قد وصلت رغم اختصاري لها.
الفصل من كتابة ستريغي. 🖤
أنت تقرأ
تمرّد مقالات
Randomتمرّدت أقلام أعضاء فريق النقد، وأعلن كل فرد ثورةً لأجل أن يكتب ما يُمليه عقله الناقد، من مقالاتٍ جدليّة فلسفية تناقش الأدباء بالمنطق والمعرفة. نقدم لكم هنا مجموعة مقالات متفرقة كل واحد منها يتناول موضوعًا شيقًا في مضمار الكتابة الأدبية.