الفصل الخامس

3.9K 125 0
                                    

اللقاء الثانى!

جاء اليوم الموعود ، وقد جهزت حبيبة المبلغ المطلوب منها وارتد ملابسها وانتظرت تيا لتنتهي من زينتها. لم تتانق حبيبة في ملابسها فهي لا تهتم ، ليست ذاهبة هي للقاء شاب في موعد غرامي ، نعم هو الرجل الذي ستتزوجه ولكنه زواج صوري...تحصيل حاصل ... اي كلام يعني... ذلك الرجل يريد اموال وهي ستعطيها له ، فهو سيتزوجها علي اي حال حتي وان كانت تشبه محمد سعد في دور "أطاطا".
وصلتا في الموعد كان دايفيد "الخاطبة" في اتتظارهم مرحبا بهم و كعادته لزج و خبيث، لم يكن العريس المنتظر قد وصل بعد، فاجلسهم دايفيد و جلس معهم ليتجاذبوا اطراف الحديث .
سألته حبيبة عن مهنة العريس ، فاجابها انه يعمل مديرا في مطعم ما لا يذكر اسمه الان، فسألته تيا عن اسمه فاجابها ان اسمه "محمد" وهنا بدأت تيا ان تشعر بشئ مألوف ، فعادت تسال باهتمام :" قل لي مرة اخري ، ماذا قلت انه فعل لشخص ما ليدفع ذلك التعويض؟؟"
فرد دايفد :" علي ما اذكر كانت العبارة (اضرار جسدية و نفسية)"
فابدت تيا اهتمام اكبر قائلة: " لا، اقصد ما هو نوع الضرر بالتحديد؟"
قلب دايفيد شفتيه قائلا انه لا يعلم او ربما لا يذكر وعلي كل حال فالعريس قادم الان ليحكي لهم بالتفصيل ان ارادوا...ثم شرع يحكي عن ذاكرته الضعيفة و مسؤلياته الرهبية ..الا ان تيا قاطعته بسؤال اخر:"اكان ذلك الضرر هو حرق من مشروب ساخن او شيء من هذا القبيل؟؟"
رد دايفيد بغير ثقة محاولا التذكر:" نعم ،اعتقد شيء من هذا القبيل... علي ما اذكر"
فقالت حبيبة بصوت خفيض لتيا وقد ادركت ما ترمي اليه باسئلتها:"اتظنين انه ذلك الشاب المصري من مطعم (بارنيز)"
فردت تيا صوت خفيض ايضا:" حسنا ..هو اسمه محمد ، يعمل مديرا بمطعم، وقد حدثت له تلك الحادثة..ماذا تعتقدين؟!"
لم يكن بحاجة الي التسأل اكثر من هذا فقد دخل محمد شخصيا الي مكتب بسرعة قائلا :" اسف علي التأخير"
نظر لحبيبة و تيا و تسمر قليلا ثم قال :" انت هي العروس؟!!يال العدالة الشعرية...انت التي تتسبين في كل هذا ثم انت التي تدفعين الثمن ...حرفيا " وضحك بشدة.
فردت حبيبة بحدة:" ماذا تقصد بتتسببين في كل هذا؟؟"
فرد مبتسما في برود و بمصرية سليمة :" انتي زقتيني ، فخبط الترابيزة فالقهوة وقعت علي الراجل الغلبان فرفع عليا قضية تعويض...وانتي برضه اللي عايزة تتجوزيني و هتدفعيلي فلوس التعويض للراجل" ثم ضحك بشدة مرة اخري.
لم ترد حبيبة بالعربي لم تعرف لماذا و لكنها لا تريده ان يعرف من لهجتها انها مصرية
انتفضت حبيبة من مقعدهاقائلة :" لو لم تغازلني و تفرض نفسك علي من البداية ، لما كنت دفعتك ..لذا هو خطأك انت!"
ثم نظرت الي دايفيد وهي متجهة للباب و قالت:"انا لن اتزوج ذلك الشخص! امثاله من الرجال هم سبب حاجتي للزواج هنا الان من اجل عدم العودة الي مصر"
ثم ادركت انها قالت بلسانها امامه انها من مصر، فعادت و نظرت له وقالت بالمصري هذه المرة :" كلكوا فاكرين انكوا تقدروا تعملوا اللي انتو عايزينه...تتحكموا في حياة اي واحدة لمجرد ان لها اي علاقة بيكوا...او تفرضوا نفسكو علي اي واحدة لمجرد انها دخلت مزاجكوا زي مانت كده حاولت تفرض نفسك عليا... مهما سافرتوا ولا رحتوا هتفضلوا زي مانتوا اولاد واحفاد (سي السيد)!"
في اثناء وصلة الردح هذه كان محمد صامتا، ليس رهبة منها اواهتماما بما تقوله تلك المجنونة الهاربة من فيلم (انا حرة) ، بل لانه شعر بتهديد شديد عندما قالت انها لا تريد الزواج منه، وبالتالي لن تدفع مما يؤدي الي فقدانه وظيفته ولربما حبسه. فقرر انه سيجعلها تتزوجه مهما كان الثمن، فتراجع بشدة عن موقفه العدائي وقال بهدوء :" بصي يا بنتي، انا ولا سي السيد ولا هعاكسك ولا ليا دعوة بيكي من اساسه، واظن دي اصلا شروطي اللي بعتها لدايفيد قبل ما اقابلك ولا اعرف انتي مين...انا مجرد عايز واحدة تدفعلي فلوس التعويض و ليها عليا تسكن في البيت معايا معززة مكرمة في اوضه زي الفل ، لكن تقوللي اصرف عليا ولا ادفعلي مش عارفة ايه ... انا مش لاقي ااكل نفسي "
وقفت حبيبة تستمع في اهتمام و تيا و دايفيد مثل الاطرش في الزفة .
اكمل محمد كلامه قائلا وقد استشعر انه بداء يؤثر في حبيبة ايجابيا :" وكمان اللي هتجوزها سواء انتي او غيرك يعني ... ولا تقولي رحت فين وجيت منين.. انا عن نفسي مش هسألها رايحة فين ولا جاية منين ... فتسألني هي بتاع ايه؟ دا اذا قابلنا بعض اساسا"
وهنا شعر انه لمس الوتر الحساس لديها فقد بان علي وجهها شبح ابتسامة رضا وعادت لمقعدها وجلست ولكنها لم تقل كلمة واحدة.
فاكمل مرة اخري :" هتكوني مجرد "زميلة سكن" زيك زي زين صحبي، دا حتي زين انا وهو ساعات بنخرج او نكلم مع بعض...انا بأه ولا عايز اكلمك ولا تكلميني... عندك تلفزيون في اوضتك والبيت فيه حمامين... قلتي ايه؟"
ثم اقترب منها وانحني قليلا حيث هي جالسه ليواجهها مباشرة وقال بهدوء وعلي وجهه ابتسامة ساحرة:" وافقي بأه؟"
لم تعرف حببية لم قالت انها لن تتزوجه و لم اخذتها الجلالة واتجهت للباب ثم القت خطبة الردح العصماء وهي تعرف جيدا انها ستتزوجه حيث انه اخر امل لديها، هي يجب ان تتزوج رجل امريكي الان وهو افضل ما هو موجود. ربما اسفزها اتهامه لها انها سبب مصيبته وهي رأيها ان مصيبته تكمن في شخصيته...ولكن مالها هي و مال شخصيته هو الان امها الوحيد...ثم ما قاله عن حريه كل منهم كلام يعجبها ، وكانهم "زملاء سكن" ... هي كان لديها اكثر من فرصة سابقا للحصول علي غرفة او شقة مريحة تشاركها مع شباب ولكنها فضلت الفتيات ، واختارت الشقة مع تيا لهذا الغرض. علي الرغم من انه شي طبيعي بالنسبة للمجتمع هنا ان يستاجر شباب وفتيات شقق مشتركة معا وبالفعل لا يلتقيا الا مرورا في الشقة... وانها ايضا تعلم ان مفيش حد بيضحك علي حد في امريكا ويسقيه حاجة اصفرة، فالشاب هنا لا يقدم علي خطوة تجاة الفتاة الا وهو متأكد من رغبة الفتاة فيه، ويحترم كذلك عدم رغبتها، وبالتالي كان لا يوجد ما تخشاه من الاقامة مع شاب، الا ان ذلك ليس ما تعودت عليه واّثرت الفتيات.
اما الان فهي مستعدة للاقامه مع فريق كرة قدم كامل بالاحتياطي والجهاز الفني كزملاء سكن ان كان ذلك سيبقيها هنا، بالاضافة الي ان في حالة زواجها من محمد سيصبح زميل السكن هو زوجها ، فتشعرت بارتياح اكثر للفكرة حيث بهذه الطريقة لا يوجد شائبة في اقامتها معه تحت سقف واحد.
ثم انها لوكانت لتتزوج عن قصة حب ملتهبة وطويلة لما طلب منها حبيبها الموافقة علي الزواج بتلك النظرة و الابتسامة الساحرتان المرسومتان علي وجهه الوسيم الجذاب...انه وسيم بحق!... انتزعتها حبيبة من هيامها في ابتسامة محمد قائلة :"حبيبة ! ما رايك؟ اتمني ان يكون قد اقنعك...لم افهم ما قلتاه الا اني اري في وجهك انك ستقبلين"
نفضت حبيبة من راسها ذلك الانجذاب اللحظي وقالت بجدية :" حسنا ..اوافق ولكن يجب ان نضع بعضا من الشروط و انتم الشهود " واشارت لتيا و دايفيد.
شعر محمد بالارتياح الشديد لنجاحه في خطته وعودتها للموافقة علي الزواج، وقد ايد ما قالته حبيبة حيث انه لديه بضع نقاط يريد الاتفاق عليها.فاقترح دايفيد ان ياخذ كل منهم ورقة ويكتب طلباته او شروطه ليقراءها الاخر ثم تكتب في اوراق الزواج لاحقا. وبالفعل اخذا الورق وكتب كل منهما لوائحه وقوانينه و شروطه في المعيشة.
كانت ورقة حبيبة تنص علي الاتي:-
1-عدم المطالبة بأي حقوق زوجية (جنسية) لان ذلك زواج صوري فقط
2-عدم طلب المزيد من الاموال بعد سداد مبلغ التعويض
3-عدم التدخل او السؤال عن كل ما يخصني
4-عدم الافصاح عن مسألة الزواج الا امام الاشخاص المتفق عليهم
5-الموافقة علي استضافة اصدقاء في المنزل
وورقة محمد نصت علي الاتي:-
1-دفع مبلغ التعويض كاملا
2-عدم المطالبة بأي مصاريف
3-عدم التخل في اي خصوصيات
4-عدم اخبار اي من صديقاتي بزواجنا الا بعد سؤالي اولا
5-عدم استضافة اي اصدقاء ذكور بالمنزل
تبادلا الورق وكانت الشروط كلها متوافقة الا شرط الاستضافة... محمد كان قد قرأ اسرع فوصل اولا للشرط الاخير فرفع عينه عن الورقة وقال مستفهما ومحاولا ان يخفي استنكاره :" اي نوع من الاصدقاء؟؟"
لم تفهم تيا وكانت حبيبة مازالت تقراء بتركيز، فسالته تيا :" ماذا تعني؟؟"
فقال :" تريد استضافة اصدقاء في المنزل! اي نوع من الاصدقاء؟؟؟"
وهنا كانت حبيبة وصلت لاخر شرط من شروطه فركبها عفريت الحرية مرة اخري وصاحت :"اتمزح؟ّّّّ!!!! لا تسمح لي باحضار شباب للمنزل؟!! اذا كان غير مسموح لي باحضار شباب ؛ فانت غير مسموح لك لم باحضار اي فتيات!"
رد محمد بعصبية :" انه منزلي ! احضر فيه من اشاء!"
حبيبة :" لن يكون كذلك بعد ان ادفع الاموال واصبح زوجتك، سيكون منزلي انا ايضا!!"
قاطعتهم تيا موجهة كلامها الي محمد :"محمد اي اصدقاء شباب تقصد ؟ اتعني مجرد الاصدقاء ام الذين تواعدهم؟ لان حبيبة لم تأت ابدا باي شاب الي المنزل قط و اي شباب دخلوا الي منزلنا فاما هم من اواعدهم او اصدقائي انا من ضمن مجموعة اصدقائي الكبيرة و قد كنت استضيفهم بالبيت لانهم اصدقائي انا الي ان اصبحوا بالتالي اصدقاء حبيبة هي الاخري.. وهم مجرد اصدقاء ! واذا كان لديك اعتراض علي اولائك فانت مريض!"
حبيبة مستنكرة :" تيا ! انها مسألة مبدأ ... ليس من حقه اصلا ان يمنع او يسمح! ... ثم من قال اني لن أتي بشاب الي المنزل؟!! ماذا اذا واعدت احدهم؟"
قال محمد وقد تراجع قليلا عن عصبيته :"انا لا امانع في مجموعة من الاصدقاء في المنزل ، علي شرط الحفاظ علي هدوء و نظافة المنزل...ولكن لن اسمح بلقاءات غرامية في بيتي!"
قالت تيا مبتسمة :" اؤكد لك ان ذلك لن يحدث..."
ردعليها حبيبة مذهولة :" تيا! لا اكاد اصدقك ! ماذا عساك تقولين الان ؟! اني لن اسطيع مواعدة شخص؟!!!"
اجابتها تيا مهدئة لها :" لا يا حبيبتي ، انا اقصد ليس هذا من شيمك ... انت لن تحضري شاب الي البيت... فانت اذا رغبت في امسية رومانسة لدعوته للعشاء في مطعم راق علي ضوء الشموع"
تيا كانت محقة فهي بعد قضاء بضعة شهور كزملاء سكن و اصدقاء اصبحت تعرف حبيبة جيدا وبداءت تفهم تفكيرها و تقاليدها، لربما هي مختلفة عنها وعن عاداتها الا انها مازالت تحترم كل تصرفاتها التي تنبع من ثاقافتها العربية و دينها الاسلامي. لم تصادق حبيبة ابدا شاب بمعني الكلمة ، ربما اعجبت بأحدهم اعجاب من طرف واحد ، واحيانا كان اعجابا متبادلا بدون اي علاقة مجرد نظرات و تحيات ، وربما خرجت مع واحد او اثنين حيث دعوها لتناول القهوة والتحدث..اوعلي العشاء في مطعم ما ... ولكنها كانت تمنع نفسها من الاستمرار , حيث انها تعلم جيدا انهم ليسوا مثلها فكرا، والاهم دينا، وان اي علاقة مع احدهم لن يكون نهايتها الزواج. لذا فقد كانت تمتع نفسها باجواء العشاء الرومانسي ، ثم تعود وحيدة الي تيا تحكي لها كيف تركت الشاب الرائع دامع العنين متأثرا بجراح قلبه المكسور بعد انهت علاقتها به في اول موعد...فتصيح تيا لماذا يا بلهاء؟ ، فتقول لها حبيبة ان ذلك هو الصواب ... وتطمئنها و تطمئن نفسها بأن امريكا مليئة بكل اديان و جنسيات العالم، اكيد يوما ستلتقي بامير احلامها، بمن هو ملائم لها دينا و تفكيرا وعاداتا وكل ما ترغب...وتكون قصة حبهم الملتهبة وزواجهم الابدي مصدر اللهام كل الشعرء...ثم تبكي قليلا علي الشاب الرائع الذي قذفت به من النافذة قبل قليل...ثم تنام وهي تحلم بكل الخيارات المفتوحة امامها في حياتها الجديدة السعيدة. لم تكن تعرف حبيبة المسقبل وان قصة الحب و الزواج التي سيكتب فيها الاشعار ... ستصبح مجرد زواج صوري من شخص لتو قابلته.
اقتربت تيا من حبيبة وتحدثت همسا:" حبيبة، اقبلي... شروطه جيدة جدا ، وحتي ذلك الشرط الخاص باستضافة شباب هوشرط معقول... انت لم تفعليها ابدا! حسنا و ان اردت فافعليها دون علمه.."
لم تكن حبيبة بحاجة لنصيحة تيا فهي ستوافق منذ البداية الا ان مجرد فرض ذلك المغرور شرطا عليها استفزها، وكل مع فعلته هو مجرد بعبعة فارغة.
واخيرا قالت انها موافقة ...كما اعلن محمد موافقته لكل شروطها ووقع كل منهم علي طلبات الاخر من ضمن توقيعات كثيرة علي اوراق كثيرة...وبالفعل بمساعدة دايفيد تم تسجيل الزواج رسميا فاصبح زواج مدني معترف به ، بسلاسة و يسرتمت الاجراءات ؛الزواج المدني ، طلب الاقامة كزوجة لمواطن امريكي، وسداد مبلغ التعويض لم يكن هناك اي عوائق سوي مشكلة صغيرة.
ادارة شئون المهاجرين، تلك الادارة التي احد مهامها متابعة صحة ودقة المعلومات المقدمة من طالبي الجرين كارد فتبحث و تفتش وراءهم للتأكد من عدم و جود ما يجهلم غير مؤهلين للحصول عليها ، او الكشف عن اي غش او كذب في المعلومات المقدمة.
لذلك سوف تتابع تلك الادارة عن طريق مفتشيها زواج حبيبة و محمد للتأكد من هذا الزواج حقيقي وليس زائف وهدفه فقط الحصول علي الاقامة للزوجة. علي الرغم من ان زواجهم حقيقي علي الورق و مسجل بالفعل في سجلاتهم وان حبيبة بالفعل ستنتقل لتعيش مع محمد ، الا ان موظفي تلك الادارة هم سخفاء بزيارتهم المتكررة و اسئلتهم الكثيرة و تفتييشهم المستمر عن ادق الاشياء و التي قد يستنجون منها ما يدل علي الخديعة. لذلك كانت نصيحة دايفيد للعروسين الجدد ان يكتب كل منهما ادق التفاصيل عن نفسه علي غرار ؛ العادات اليومية ،اللون المفضل ، عدد معالق السكر في القهوة، اسم الحيوان الاليف الذي رباه في طفولته... اشياء تدل علي وجود علاقة و عشرة فعلا، ثم يعطيها للاخر لكي يحفظها في حال ان وجه لهم احد الموظفين اي سؤال من ذلك النوع.

في ارض الحلم // للكاتبه منه فوزيحيث تعيش القصص. اكتشف الآن