الفصل العشرون (الجزء الثاني)

2.8K 114 3
                                    

اتي اليوم الموعود والساعة المحددة وصل محمد اولا ، كان يقصد ان يأتي قبل الموعد حتي ينتهز الفرصة للتحدث مع عمها .. تجمعت الاسرة كالعادة للتعرف عليه ، عندما جاء دور مي في التعارف، اومات برأسها و نظرت له ضاحكة .. هو بطلها، ليته يتزوج حبيبة بدلا من طارق ويصير بالفعل كما قال ابيها زوج اختها، اما دينا فقالت لحبيبة في اذنيها ببراءة" هو ده العريس الامور اللي جه قبل كده"
رحب به عمها وحاول التحدث معه الا ان زوجته لم تعطيه الفرصة ، كانت تتغزل في محاسن ومميزات سالي عروس المستقبل، ليته اخبرها قبل حضور محمد ما يدور بذهنه عن رغبته في معرفة (قراره وقرار ثروته) حتي تصمت، فكانت النتيجة ان طارق واسرته وصلوا قبل ان يستطيع محمد و عمها التحدث .
دخل طارق اولا مسبوقا برائحة عطره، سلم علي الجميع و لكنه اطال سلامه قليلا مع حبيبة ، قام عمها بالتعارف بين محمد والجميع، حياه طارق في حرارة وقال بالانجليزيه :" مرحبا بك في القاهرة، انا سعيد بلقائك جدا.. لقد سمعت عنك كثيرا من حبيبة.. كيف حال امريكا؟" ثم اطلق ضحكته السخيفة
محمد:" انا جاي مشتاق اسمع العربي، ارجوك متفكرنيش بالامريكاني"
كانت سالي تتفقد محمد شبر شبر،وحبيبة تتابعها.. اكيد لن تجد غلطة.. وخصوصا ان كانت لا يهمها غير شكله.. اكيد سيعجبها .. اكيد.. مازالت علي وجهها تلك الابتسامة الثابتة ، جميل ان يبتسم المرء دائما ولكن الا يؤلمها فمها؟!
خرج طارق الي الشرفة ونادي علي حبيبة ، اشارت حبيبة لمي ان تذهب معها، فتبعتها مي الي الشرفة، كانت تريد ان تعرف رد فعل سالي، وتستمع للحوارات الدائرة بينها و بين محمد.. ها قد عدنا من جديد ، مكتوب عليها ان تتواجد مع اشخاص لا تسمعهم و لا تراهم، لان حواسها مشغولة بشخص اخر في مكان اخر مع واحدة اخري.. ولكنها هذه المرة علي الاقل قلبها مطمئن فهي تعرف انه اينما كان او مع من كان، فهي معه في قلبه.. سرحت حبيبة في كل ما الاحداث التي مرت منذ ان قابلت محمد الي الان ، هاهي تجد نفسها تجلس في جمع عجيب ، اسرة عمها و طنط هدي و محمد وسالي و هي وطارق، كم صارت تلك القصة غريبة، يجب ان تنتهي.. كل تلك الاكاذيب و عدم الراحة.. اليوم هو الفرصة الاخيرة لاقناع عمها بمحمد ، هكذا قررت ، وان لم يقتنع اذن (كرسي في الكلوب) وليحدث ما يحدث، وليعلم الجميع ان هذا الشخص الذي يجلس بجوار اخري تحاول ان تعرض امامه مزاياها هو زوجها هي ويخصها هي..هي فقط!
اما محمد فقرر ان يكثف كل تركيزه مع عم حبيبة ، يجب ان يقنعه.. ويجب ان يقنعه بسرعة حتي تنتهي تلك السخافات، لقد سئم بشده رؤية حبيبة مع رجال اخرين وسئم من انه دائما في موقف لا يمكن له الاعتراض.. مثل الان وهو كل رغبته ان يدفع بطارق من سور الشرفة لانه ينادي حبيبة بـ "بيبي"، ولكنه سيتجاهل كل ذلك الان يجب ان يبيع نفسه لعمها وعمها يجب ان يشتريه..
ترك العروسة وقام جلس بجوار عمها وقال في تردد:" طبعا انت فاكرني يا انكل! انا اسف اني ظهرت المرة اللي فاتت بالصورة السخيفة دي.."
صلاح:" لا حصل خير ، اللي مايعرفك يجهلك"
محمد:" اصل انا يا انكل بعد لما جيت مصر، كنت مشغول جدا بتأسيس شركتي، فا ملحقتش اتعرف علي اي حد هنا، ولاني معرفش غير حبيبة فكرت فيها" ثم صمت وابدي حزنا مسرحيا..وعاد ليقول:" بس للاسف عرفت ان طارق سبقني" وصمت ..
صلاح:" وشركتك دي بتعمل ايه بالضبط؟"
هايل السنارة غمزت.. فانطلق محمد يحكي بصورة مبالغ فيها عن املاكه و ثروته ، حتي يزغلل عيون عمها.. قام من جانبه بعد ان انتهي من حديثه، لم يستشف شيئا من عمها، واضح انه رجل (مش سهل) لا يبدي اي رد فعل مفهوم..
ناداه طارق ودعاه لينضم اليهم ، كان هو وسالي وحبيبة ومي يتناولون الشاي في الشرفة، بالفعل انضم اليهم، جلس علي الكرسي الخالي الوحيد بين حبيبة و مي
اقتربت منه مي وقالت همسا:" متسيبك من سالي دي ، واتجوز حبيبة.. انا مستعدة ارزل علي طارق لحد مطفشهولك.. انت متعرفنيش في الرزالة.. مسميني في المدرسة (ميروسول) "
ضحك محمد وقد اعجبه الاسم.. يا ليت الامور قد تسير بتلك البساطة..
قال طارق لمي:" مي ماتبدلي مع سالي مكانك عشان تبقي القاعدة مظبوته" كان يقصد ان هكذا يصير محمد بجوار سالي وهو كما هو بجوار حبيبة..
نظرت له مي بغتاتها المشهورة:" مظبوته ازاي؟"
احرجه سؤالها، فغمز لها مشيرا الي سالي
مي:" انت ايه؟ بتعاكسني.. مش قديمة قوي حركة الغمز دي"
قالت سالي بنفاذ صبر:" قومي يا مي و قعديني مكانك"
قالت مي ببرود:"لأ!"
كانت حبيبة تحبس الضحك و هي تري مي تصيب طارق وسالي بالجنون..
فما كان من طارق الا ان قام الي الداخل (ورزع الاسفين المتين) في مي عند امها و خرج لهم مرة اخري.. فاتاهم صوت صيحة امها:" ميييييييييييييييي تعالي هنا عيزاكي!"
قامت مي تنفخ وتنظر لطارق متوعدة
اما سالي فقفزت مكان مي علي الكرسي قائلة:" سخيفة فعلا.. يا ساتر.. السن ده صعب اوي"
ثم وجهت كلامها الي محمد:" ها احكيلي بأه عن امريكا، مبتفكرش ترجع تاني؟"
محمد:" لأ، انا جيت استقر هنا"
سالي في احباط:" ولا حتي زيارة؟؟؟"
محمد باقتضاب:" لأ"
طارق:" انا والله مش مصدقكوا انتو الاتنين، حد يسيب امريكا و يرجع"
حبيبة:" انا كنت مضطرة، اقامتي انتهت"
محمد:" وانا كمان كنت مضطر، في ظروف قهرية رجعتني" ثم نظر لحبيبة .. وعاد ينظر لطارق وقال:" بس هنا والله مش سيء، كفاية انك تكون مع الناس اللي بتحبهم"
طارق بحماس:" يا راجل ناس ايه بس اللي بتحبهم، دانا لو عرفت استغل فرصة نجاح كتاب حبيبة هناك، هاخدها ونسافر ونعيش هناك" عندما ذكر اسمها وضع يده علي كتفها في حركة تلقائية كنوع من الاشارة لها..
توترت حبيبة لدرايتها بمحمد وانفعالاته السريعة، اما محمد فقد اتسعت عيناه لرؤية يده علي كتفها ولكنه اخذ نفسا عميقا و تماسك عندما رأي التوتر علي حبيبة.. لا يريد افساد رغبتها في الابقاء علي اسرة عمها.. المشكلة ان طارق لما وضع يده، لم يبعدها.. فاضطرت حبيبة ان تبعدها بنفسها فاستدار لها مبتسما في خبث وقال هامسا:" ايه يا بيبي؟ انتي بتتكسفي ولا ايه.. ؟"
حبيبة:" ايوة ، لو سمحت خلي الحركات دي بعد الجواز"
طارق متعجبا :" بعد الجواز؟؟؟! يعني مش حتي الخطوبة؟ عايزة تفهميني ان محدش مثلا مسك ايدك قبل كده؟"
حبيبة:" تاني؟ .. انت تاني؟ مش انت قلت ان الحجات دي متحبش تدخل فيها؟"
فاستدار طارق لمحمد وسالي ليشهدهم :" بتقولي امسك ايدي بعد الجواز؟ بالذمة ده كلام؟ هو انا بقولها ابوسك .. محسساني ان احنا في طلبة في ثانوي"
سالي ساخرة :" ايه يا حبيبة ده! طب خليها بعد الخطوبة.. انا مش متخيلة واحدة متفتحة زيك و كانت عايشة في امريكا لوحدها و بتفكر كده.. خليتي ايه لواحدة اد مي ؟!!"
ايه الناس دي؟ كيف يكون هو بهذه البجاحة و يفتح امام الناس حوار بمثل هذه الحساسية بينه وبين من مفترض بها ان تكون زوجته، وامام اخته الاصغر، وكيف هي تلك الاخت ابجح منه.. تتحدث هكذا..
اما محمد فساله سؤال محرج وقد تظاهر بالغباء:" وانت ليه عايز تمسك ايدها قبل الجواز؟"
صدمهم السؤال الذي يدل علي ان سائله (قفل) صديء من النوع الكبير و كان كفيلا بأن يجعل سالي تنهض الي الداخل، اما طارق فتتم في احراج باجابة غير واضحة..
دخلت حبيبة خلف سالي لربما تحصل منها علي اي كلمة رفض، انضمت اليهم امها هدي لتطمئن علي الاخبار ، بالفعل قالت سالي:" ايه ده؟ ده لايمكن يكون امريكاني، ده جاي من الكفر عدل.. حتي طريقته معايا في الكلام واقفة كده"
هدي:" يا بنتي يمكن محرج، اصبري عليه دا عريس لقطة .. غني و ممكن يسفرك امريكا، وعيالك هيطلعوا امريكان.. وشكله امور اوي"
حبيبة تصطاد (في المية العكرة):" لأ مش محرج، هو طبعه كده، جلنف"
زغرت لها هدي لتصمت وقالت:" معلش اعدي معاه تاني .. حاولي"
ثم اخذتها علي جنب بعيدا عن حبيبة وهمست لها:" خديه في حته لوحدكوا، يمكن محرج من وجود اخوكي.."
يتبع..
اثناء الحديث النسائي كان هناك حديث رجالي دائرا بين طارق و محمد
طارق:" صحيح يا محمد انت و حبيبة كنتوا اصحاب اوي في امريكا؟"
محمد:" كنا (بست فريندز)"
طارق:" اكيد بقي تعرف كل حاجة عنها و عن علاقتها العاطفية"
محمد وقد ادرك ما يرمي اليه طارق:" اه طبعا، كل اسرارها كانت معايا.. بقولك (بسسسست فريندززز!)"
طارق في خبث متلفتا حوله كالحرامية:" طب احكيلي.. اصل بيني و بينك مش عايز اسئلها (دايركت) لحسن تقول عليا رجعي و بتدخل في حياتها.. بس انا عايز اعرف.." ، ثم عاد وقال بفخر:" مش عشان حاجة يعني، انا راجل سبور و متفتح جدا، دا بس مجرد فضول.."
قال محمد في سره" هو انت منهم؟" اولائك المتصنعين (اللي بوشين) المتمنين ان يصيروا اجانب ويمثلون انهم يملكون صفاتهم (ومش عايشين عيشة اهاليهم ) برغم انهم مازالوا مصريين في داخلهم، دائما يشعرون بالنقص وملئي بالتناقض..
محمد:" اه انا فاهم طبعا ، باين عليك متربي تربية امريكاني خالص.. حتي واضح من طريقة كلامك.. كاني باكلم مع واحد من اصحابي اللي هناك بالظبط.. اكيد طبعا مش هتدايق لما تعرف عن (البوي فريندز) الكتير اللي حبيبة صاحبهم.. "
اجفل طارق قليلا وابتلع ريقه بصوت مسموع ثم قال:" كام واحد يعني؟"
محمد:" مش فاكر، بس هي ماكنتش بطول معاهم، اسبوع اسبوعين بالكتير اوي.. ويجي اللي بعده "
طارق:" يعني لو صاحبت واحد كل اسبوعين ، وهي قعدت سنة .. يبقوا..." ونظر الي الفراغ يحاول اتمام الحسبة في ذهول..
ثم عاد وقال:" امال ليه بتقولي ، ايدك.. وحاسب وبعد الجواز و الكلام ده ليه"
فسأل محمد ووجهه الي الشارع ناظرا الي طارق بجنب عينه وهو يعبث في ذقنه في عصبية محاولا ان يبدوا سؤاله عارضا او بلا اهمية :" هو.. انت بتمد ايدك كتير؟"
طارق:" العادي يعني.. المهم انت رأيك هي بتعمل كده ليه؟"
محمد:" العادي ازاي؟"
نظر له طارق مستغربا وقال:" انت مركز في الموضوع ده ليه.. مترد عليا، انت عارفها كويس.. تفتكر بتتصرف كده ليه؟"
محمد:" اكيد بتمثل عليك، عشان تفتكر انها بنت مؤدبة وتتجوزها"
لم يكن محمد يتخيل ابدا عمره انه سيقف هذا الموقف ، ويسيء الي سمعة زوجته بارادته، لقد وضعته حبيبة في اغرب المواقف منذ ان عرفها.. ليته ينجح في تطفيش طارق حتي ينتهي هذا الهراء.
***
اطلت عليهم هدي وطلبت من طارق ان يدخل معها لانها تريده في امر ما، وبعد ان دخل طارق ، جائت سالي و جلست بجوار محمد، ابتسمت له كانت تفكر في موضوع لتفتحه..
بعد فترة صمت غريب، قالت:" انت بتحب تسمع ايه؟ في المزيكا يعني"
محمد:" ام كلثوم!"
سالي :" مبتسمعش حاجة تانية، انت كنت في امريكا يعني اكيد بتسمع كل الاغاني الاجنبية "
محمد:" لأ كنت بسمع ام كلثوم"
صمتت سالي مرة اخري، كيف تحاور هذا السخيف..
اما هو فهو لا يصدق ان جاء عليه اليوم و فتاة رقيقة وملفتة مثل سالي تحاول ان تفتح معه حوارا بهذا الاصرار وهو يكون في قمة البرود ويصدها بتلك الطريقة.... لقد اصبح شخصا اخر، لايفكر الا بها.. حبيبة.. حبيبته .. الان يفكر فيها.. يريدها ان تأتي لتجلس بجواره لانه يفتقدها... ويريد ان يطمئن انها بعيدا عن ذلك الذي" يمد يده عادي"..
عادت سالي لتقول:" وانت في امريكا كان عندك (جيرل فريند)؟"
محمد:" لا"
سالي:" لا بأة متقنعنيش ان واحد ..يعني.. وسيم زيك.. ومفيش ولا واحدة حلوة حاولت تتقرب له، هم ايه مش بيشوفوا هناك؟!"
لقد صارت تغازله رسميا.. اسعده ان وجد شيئا لم يتغير في جاذبيته رغم تغيره الكامل ، هو يعلم هذا عن نفسه، تقله علي البنات بيجننهم و يخليهم يخرجوا عن شعورهم..
محمد:" لا .. انا اللي مليش فلكلام الفارغ ده.."
اه ه ه لو تعلم انه كان له و له و له ولكن جائت حبيبة لتجعله يعلن اعتزاله..
احست سالي بالاحراج، لقد قالت ما يجعلها تبدوا (مدلوقة) وبرغم ذلك لم يؤثر فيه شيئا، ومازال مصرا علي ان يكون سخيفا.. انه بالفعل كما قالت حبيبة جلنف! .. حسنا سوف تعطيه اخر فرصة..
سالي:" انت شايف ان الحب كلام فارغ؟"
محمد وقد اقتبس رده من احد المسلسلات المصرية التي قد رأها و هو طفل :" حب ايه ؟ الحب ده بيجي بعد الجواز ، بالعشرة.. "
سالي ضاحكة:" ايه ده الكلام القديم ده "
محمد:"انا جاي اتجوز واحدة تخدمني ، تكون ست بيت ، انا تعبت من العيشة لوحدي.. مش واحدة احبها ونعد نسبل لبعض و نصرف الفلوس اللي حيلتي علي الخروج و الهدايا زي المراهقين"
بهذا الرد المفحم، اضاع فرصته الاخيرة معها، يعني جلنف وسخيف وكمان شكله مش عايز يرجع امريكا تاني.. وفالاخر عايز ست بيت تخدمه؟؟!! .. يغور بفلوسه و شكله الحلو ده!
فعلا! الحلو ميكملش..
استأذنت منه وقامت لتدخل لامها لتعلن لها رفضها التام لذلك العريس السخيف
خلصنا من سالي.. يبقي طارق.. وانكل صلاح..

في ارض الحلم // للكاتبه منه فوزيحيث تعيش القصص. اكتشف الآن