الفصل الواحد والعشرون (الجزء الاول)

2.8K 102 2
                                    

الخطة

انتشر خبر عدم قبول سالي لمحمد في سرية وسرعة بين العائلتين وكذلك اسبابه، كانت معرفة صلاح بموضوع عدم رغبة محمد في الرجوع الي امريكا نقطة في صالحه تضاف للرصيد الذي يحاول محمد و حبيبة تضخيمه لدي عمها.
كانت تعاسة طارق عند سماعة الخبر كبيرة ، لربما اكبر من تعاسته ان رفضته حبيبة ، فمحمد في نظره مثال لما يرغب ان يكون هو.."شاب امريكي"! وكان يرغب بشدة في مصادقته وربما المنظرة به امام اصدقائه ليعرفوا ان رفيقه ونسيب المستقبل خطيب اخته امريكاني.. لذا قرر ان رفض اخته له كزوج لا يمنع من ان يتخذه هو كصديق.. فالزواج قسمة و نصيب.. وبالتالي سيلتزم بالقصة الاصلية وهي ان سبب دعوة محمد في الاصل هي التعرف عليه وشكره علي مساعدته لحبيبة ، وكأن قصة سالي اخته لم تكن اساسا.. اما بالنسبة لعروس المستقبل حبيبة.. فبرغم انها كانت (خلبوصة ) قليلا ، الا ان ذلك لا يهمه فهو شاب (فري) متحرر العقل وبإمكانه تقبل ذلك.. "عادي.. كل الناس برة بيعملوا كده .. بلا تخلف!" هكذا قال لنفسه.. ليته فقط يعرف، علي سبيل المعرفة فقط، الي اي مدي وصلت مع احبائها العديدين؟؟.. مجرد معرفة لا اكثر.. هو لا يكترث لتلك التفاهات طبعا..
***
قامت النساء بالمساعدة في تحضير مائدة الطعام.. وكانت حبيبة تساعد زوجة عمها بالمطبخ وتعد شيئا ما في سرعة علي الموقد، ثم بعد الانتهاء من كل شيء قامت سامية بدعوة الجميع ليتفضلوا الي المائدة للتناول الطعام.
بالطبع جلس عمها علي رأس المائدة و الناحية الاخري جلس محمد كنوع من الاحتفال به، وفي احد الجانبين بقربه طبعا جلس طارق ثم امه و اخته ، و امامهم علي الجانب الاخر بقرب محمد ايضا جلست حبيبة وبعدها مي ثم سامية ، اما دينا الصغيرة جلست علي كرسي جانبي بجانب ابيها..
كاد محمد ان يضحك في مرارة و سخرية علي موقفه، هاهو يجلس بين زوجته و خطيبها الذي لا يكف عن التسبيل والابتسامات والقاء عبارات الغزل بصوت خفيض حتي لا يسمعه عمها و بالطبع لم يهتم ان سمعه هو.. هو زوجها! رأي يد حبيبة و هي تسحب السكين من جانبه برفق وتضعه بعيدا خوفا ان يستخدمه مع طارق.. ابتسم ، لقد صار الموقف سخيفا لدرجه الضحك..
كانت سامية تكشف الاغطية عن الطعام و تعلن عن كل صنف و تشجع الضيوف علي الاكل منه، ثم وصلت لطبق معين، واخبرتهم انه من صنع حبيبة و لا تدري ما هو، بل تعتقد انه دجاج..
قالت حبيبة وهي تلقي بعض النظرات الجانبية الي محمد:" دي فراخ بالطريقة المكسيكية..اتعلمتها في امريكا"
تذكر محمد ذلك اليوم، اول يوم شعر بشيء ناحيتها.. تذكرها في المطبخ.. ابتسم ابتسامته الساحرة ولم يرفع عينه من عليها وهي تحكي لهم عن الوصفة الغاية في السهولة، رغب بشدة يضمها الان وان يعلن لهم ولها انه يحبها ، يعشقها.. انها حبيبته .. وزوجته!
قام طارق و صار يغرف من ذلك الطبق بكميات كبيرة قائلا:"انا بموت في الاكل المكسيكي، وخصوصا طبعا لو انت يا بيبي اللي عاملاة" وجلس يأكل ما غرف بنهم..
نظر له محمد و قد شعر انه يأكل شيئا يخصه، شيئا ملكه، لقد قامت حبيبة باعداد الطبق له هو و ليس لاحد اخر.. فقام بدون تفكير بسحب الطبق منه .. نظر له طارق و بقية الناس في تعجب.. حتي حبيبة.. بدا تصرفه عجيبا غير مفسر.. فقال مفسرا بعدما ادرك ما فعل:" ده حراق جدا! انا خايف عليك... حبيبة لما كانت بتعملهولنا هناك ... كنا بنتبهدل من الفلفل الحار"
قام طارق و سحب منه الطبق قائلا وهو يثبت نظره علي حبيبة :" انا بموت في الحراق!"
فدفعه محمد ليجلس ثم امسك بالمعلقة و وملائها بالطعام من الطبق و دفع بها الي فم طارق في قائلا في غيظ ": والله؟! طب كل .. كل!"
كانت الدجاج حارة فعلا ، وكانت الكمية التي وضعها محمد دفعة واحدة في فمه كبيرة.. فحرقته حتي دمعت عيناه وظل يسعل وهو يضحك ظنا منه ان صديقه الامريكي يمزح معه علي الطريقة الامريكية..
والاهل يضحكون في تعجب قائلين عبارات..مثل " يخرب عقلكوا ياولاد"، "الله يجازي شيطانكوا"..
ابتسمت حبيبة في صمت ، كيف يستطيع ان يشعرها بحبه و بأنوثتها و اهميتها هكذا ، حتي بدون ان يوجه لها كلمة.. لربما الوضع ليس سيئا للدرجة فهي مازالت تستمتع بغيرته عليها ، وتعشق تصرفاته الصبيانية الغاضبة اذا غار عليها..
بعد انتهاء الغداء اقترح طارق ان ينزل الشباب الاصغر سنا لتناول الايس كريم، بالطبع اعترضت سالي و رفضت الذهاب في امتعاض، حاولت حبيبة و محمد التملص كل علي حدة الا ان اصرار طارق رهيبا، فهي فرصته في توطيد علاقته بمحمد صديقة الجديد و بالمرة يتفسح مع خطيبته علي راحته بدون وجود عمها .. ولا حاجة للقول ان مي ايضا اصرت نفس الاصرارالرهيب ان تذهب معهم..
وبالفعل وجدا محمد و حبيبة نفسيهما مع طارق في سيارته، عندما نزلا قبل ان يركبا كانت حبيبة بحكم العادة ستذهب لتركب في الامام ، فوجدت محمد يجذبها (من قفاها) لتركب هي في الخلف وركب هو في الامام بجوار طارق..
كعادته ادار طارق في كاسيت السيارة الفضائي (سي دي) لاحدث الاغاني الامريكية، وظل يتحدث عنها و عن نجوم الغناء في حوار ممل و تافه ، احيانا تشاركه فيه مي او تعترض علي ذوقه اوارائه.. اما محمد فقد كان في وادٍ اخر مع حبيبة، هو ينظر لوجهها في مراة السيارة الجانبية و هي تبادله النظرات بابتسامة جميلة .. كانا يستمتعان بالموسيقي، فبالرغم من سخافته الا ان طارق ذوقه جميل في الاغاني، يتبادلان النظرات متناسين طارق و ضجته و العالم كله..
عندما وقفوا بالسيارة لتناول الايس كريم، انتهز محمد الفرصة لكي يجعل طارق يعيد تفكيره في حبيبة كزوجته المصون.. فصار يفتح مواضيعا وذكرياتا وكأنها سرا بينه و بين حبيبة ثم يضحك دون ان يكمل العبارة علي غرار.. " فاكرة يا حبيبة يوم لما كنا بعض و رحنا...." ثم يضحك دون ان يكمل و هو يضرب كفه بكفها .. او "ولا المرة الجيتي البيت ، وبعدها.... " و يستمر الضحك..
لم تفهم حبيبة و لكنها كانت تضحك معه علي ضحكه، اما طارق فكان يضحك بالعدوي كالابله دون ان يفهم شيئا..الي ان قال ضاحكا:" طب ما تحكولي اي حاجة من المواقف دي، دي شكلها تفطس من الضحك"
اين الدم في عروقك يا رجل! حتي كلمة رجل صارت كثيرة عليك!!! كان طارق في نظر محمد لا ينطبق عليه تلك الكلمة.. كيف يكون رجلا و يتقبل كل هذا علي واحدة ستصير زوجته بهذا الصدر الرحب و بذلك الحماس؟؟!!
غمز له محمد وقال في اذنه:" بعدين، دي حجات متتحكيش قدام بنت اد مي"
فليفهم ما يفهم، ليت خياله يوصله الي ابعد حد.. ليتنا ننتهي من كل هذا الان!
صمت طارق قليلا بعد جملة محمد، بدا وكأنه مصدوما يفكر وسارحا، هل نجح؟ هل فعلا نقطين من الدماء كانتا لاتزالا في عروقه..
الا انه بعد خمس دقائق خرج من السيارة ليحي احد اصدقاءه الذي لاقاه مصادفة، و اتي به ليعرفه علي حبيبة قائلا" حبيبة خطيبتي.. انشاء الله قريب.. "
ثم علي محمد قائلا:" محمد، صديقها من امريكا.. و شكله هيبقي اقرب صاحب ليا.. مش كده يا مو!"
منع محمد بصقة كادت ان تخرج في وجهه بصعوبة و ابتسم تلك الابتسامة الصفراء التي صار يوزعها علي الرجال منذ ان عرف حبيبة..
اذن يبدوا ان ما فعله محمد اليوم مع طارق غير مؤثر، اكيد غير مؤثر.. اذا كان عرف محمدعلي صديقه علي انه صديق خطيبته.. ماذا يتوقع منه بعد ذلك.. انه يحتاج الي خطة اقوي...
بعد ان انتهي اليوم و قبل ان يرحل طارق ، تبادل هو و محمد ارقام الهواتف حتي يلتقيا بعد ان يوصل طارق امه و اخته، ويسهرا معا، بالفعل التقيا في مكان ما و ركب محمد مع طارق سيارته، وانطلق طارق لا يكاد يصدق نفسه ، ويتخيل ردود افعال بقية الشلة حين يدخل عليهم بصديقه الامريكاني..
فجأة قال محمد:" طارق، انا بحب حبيبة و انا اللي هتجوزها!"

في ارض الحلم // للكاتبه منه فوزيحيث تعيش القصص. اكتشف الآن