الفصل السادس عشر (الجزء الاول)

2.6K 106 0
                                    

  البداية

المكان: قاهرة ام الدنيا، احد شوارع احيائها العريقة

نزلت حبيبة من التاكسي الذي رفض سائقه ان يدخل بها في زحام ذلك الشارع ، فانزلها علي ناصيته، حملت حقيبتها الكبيرة وبعض الاغراض و سارت عبر الشارع الطويل المزدحم بالمارة والسيارات، مازال هناك بعض الالوان في وجهها نتيجة الكدمات ، كانت حزينة لدرجة تخطت مرحلة البكاء، كانت تمشي كانها الة موجهة. لقد عادت من بلد الاحلام وقد تحولت كل احلامها الي كوابيس، هاهي عائدة مضروبة ، مطعونة و مهانة تجرجر اذيال الخيبة ..اضاعت كل ميراثها، ولم تستطع الحصول علي الاقامة ، ولم تتعلم اي شيء... قابلت حب حياتها هناك ولكنها افسدت الامر ، لم تكن واثقه بالضبط هل الذي ابعده عنها تصرفاتها في الحفل، ام تصريحها له بحبها ام الاثنين معا، ولكنه علي ايه حال تركها في المستشفي ولم تره بعدها، حتي يوم رحيلها لم يودعها، اخبرتها تيا انه كان يسأل عنها باستمرار .. اكثر من مرة في اليوم و انه بدا حزينا جدا يوم ان ذهبت لمنزله لتجمع اغراض حبيبة استعدادا لرحيلها. ولكنها افسدت الامر علي اي حال بشكل او باخر. تري كيف سيستقبلها عمها وعائلته بعد كل ما فعلت؟.. كيف ستعيش و تنسي انها في يوم ما قابلت محمد ، كيف تنساه ؟ كانت غارقة في افكارها فلم تنتبه لتلك الحفرة في الرصيف والتي نجحت حبيبة مصادفة من تفادي اخوتها الحفر الاخري التي تميز الرصيف القاهري ، فتعثرت قدمها و فقدت توازنها فطارت الي الامام مسافة لا باس بها ثم اخيرا هبطت وافترشت الارض علي وجهها وقد تناثت اغراضها في كل الاتجاهات ، وفي غمضة عين وجدت عشرات الايادي تعاونها علي النهوض ، و ايادي اخري تجمع لها متعلقاتها المتناثرة وقد سمعت اثناء ذلك اصوات تقول:" اسم الله عليكي يا بنتي!" و"حاسبي.. خلي بالك" ، وبعد ان قامت وجدت من يسألها ان كانت بخير و اقترح اخر ان تجلس قليلا فجذب لها كرسي من القهوة التي تبعد خطوتين ، واحد من اصحاب المحال اتاها بكوب ماء قذرا و الماء يتدلدق منه مزيدا من قذارته، تذكرت رد فعل المارة الامريكان اثناء قيام ذلك الجبان بضربها وطعنها، جلست علي الكرسي وشربت الماء من الكوب القذر واستعطمت طعمه الكلوري المميز لماء نيلنا العظيم ثم انفجرت في البكاء الشديد..

عندما طرقت باب بيت عمها، وفتح هو لها.. تعجب قليلا ثم داعاها للدخول، تصرفت كما يجب ان يتصرف اي شخص في موقفها السيء، بكت كثيرا و اعتذرت كثيرا و اعترفت انها اتبهدلت في الغربة، و حكت لهم (عمها و زوجته و بنات عمها) عن حادثة الطعن ، لكي تستميل قلوبهم،وبالطبع لم تذكر تماما موضوع الزواج الصوري . سألها عمها عن اموال الميراث ، فحكت له عن السرقة، ثم اكدت له انها ستبقي ضيفة عندهم بصفة مؤقتة الي ان تحصل علي وظيفة و تستقل بحياتها عنهم ، فتصرف عمها ايضا كما يجب ان يتصرف اي شخص في موقفه، عاتبها كثيرا ثم قال لهاعلي مضض اتقن اخفاءه ان بيت عمها مفتوح لها الي ان يأتي لها عدلها، ولكنه لم يستطع ان يمسك نفسه وقال:" وانتي فاكرة انك هتلاقي شغل بالسهولة و السرعة دي؟، انتي فاكرة نفسك في امريكا ولا ايه؟..انتي رجعتي مصر!"

***

مرت بضع ايام وهي مقيمة عند عمها ، تنام في الحجرة مع بنت عمها الصغيرة، تماما مثل ما كانت قبل ان تسافر و لكن هذه المرة كان هناك اختلاف، كانت تساعد زوجة عمها في اعمال المنزل ، تستيقظ باكرا و تبدأ في كل المهام الخاصة بالبيت و المطبخ وكأنها تحاول ان تلهي نفسها في عمل ما او ربما كنوع من الاشتياق الي ايام وجودها بمنزله.. لكم اشتاقت له.. اثار نشاطها الجديد عجب اسرة عمها، فذلك لم يكن من شيمها، الا ان زوجة عمها كانت سعيدة بيد المساعدة الاضافية و بداءت علاقتها بحبيبة تتوطد.

في احد المرات كانت مارة امام حجرة بنت عمها الكبيرة و هي فتاة في ثانوي لمحتها تجلس امام جهاز حاسوب ، فطرقت علي بابها و طلبت منها ان تسمح لها باستخدام الحاسوب لتدخل علي الانترنت لكي تفتح الايميل الخاص بها فهي لم تفتحه منذ ان كانت بالمستشفي في امريكا.. سمحت لها الفتاة بامتعاض و خرجت و تركتها في الحجرة.. فتحت حبيبة الرسائل لتجد رسالة من استاذتها في حصص فن الكتابة ونصها كالاتي:-

"عزيزتي حبيبة،
افتقدقك كثيرا و لكم المني ما حدث لك ، اتمني ان تكوني بخير الان في بلدك.
اريدك ان اخبرك بموضوع غاية في الاهمية ، لقد اشتركت بمجموعة قصصك القصيرة التي ارسلتها لي قبل الحادث في مسابقة لكتابة القصص القصيرة يتم تنظيمها علي مستوي كل الولايات ويشترك بها كل مراكز "دراسة الادب للكبار"، وقد حصل مركزنا التعليمي بمجموعتك علي المركز السادس، مبروك يا حبيبة الكل هنا فخور بك، ولكن ليس هذا هو الخبر المهم .. الذي يستحق المباركة فعلا هو ان احد ناشري الكتب كان بالمسابقة و قد اعجب بمجموعتك بشدة و طلب مني ان اعطيه بياناتك لكي يتصل بك ليقوم بنشر مجموعتك في كتاب. رجاء ارسلي لي بياناتك باقصي سرعة حتي اعطيها له قبل ان يغير رأيه.
استاذتك المحبة دايانا "

لم تكذب حبيبة خبرا، ارسلت لها علي الفور كل ما يخصها من بيانات وقد عاد لها الامل من جديد في ان تستقل بحياتها عن عمها في القريب العاجل، ان نشر كتاب لها لهو امر رائع معنويا و لكن الان ماديا هو الاهم، سيكسبها ذلك مبلغ محترم من الناشر، واذا كانت مبيعات الكتاب عالية ستصبح غنية، اخيرا طلعت منكوا بفايدة يا ولاد العم سام.

في ارض الحلم // للكاتبه منه فوزيحيث تعيش القصص. اكتشف الآن