زوجتى ..
عادت حبيبة منهكة من الخارج، كان ضغط العمل اليوم اكثر من المعتاد، ارتمت علي الاريكة ذات الوسائد المريحة وخلعت حذائها ثم رفعت قدميها لتستمع باحساس الاستلقاء، كان يهون عليها الضغط طوال اليوم معرفتها بأن لديها فصل في دروس فن الكتابة مساء اليوم... كانت تستمتع جدا بتلك الدروس ... بكل كلمة تقال فيها كانت تحب ان يطلب منها مهام ككتابة موضوع فردي او مشترك، او بحث عن تاريخ كاتب معين في المراجع و الانترنت ، كانت تعود للبيت بعد الحصة منتشية وشاعرة بالرضا عن نفسها . لقد انهت احدي المهام المطلوبة منها لهذا الاسبوع ومتشوقة لتعرف تقييمها.نظرت علي اماكن البروايز التي بها صورهم معا لم تجدهم، يبدوا ان محمد اخفاهم في مكان ما خوفا من صديقاته.
دخل محمد بعدها بفترة قصير وجدها علي الكنبة فارتمي هو الاخر علي الكنبة المقابلة لها وايضا رفع قدميه ملقيا عليها التحية في صوت متقتع الانفاس..
حبيبة:"اكان يطاردك احدا؟ لم تلهث هكذا؟"
محمد:" كنت ...امارس... رياضة.. الجري"
حبيبة ساخرة:"يالك من رياضي!"
محمد:" تسخرين مني ، وانا لم ارك تفعلين اي شيء ذو اهمية غير مشاهدة التلفازعلي الاقل انا لدي ما يشغلني الرياضة...و لعلمك لقد قضيت امسيتي البارحة في الجيم"
حبيبة:" محمد انت لم تراني اصلا سوي يومين منذ ان انتقلت؛ امس و اول امس ، كيف تحكم علي شيء لم تراه"
محمد"الديك هواية اذن؟"
حبيبة:"اجل ..انا ادرس فن الكتابة...لدي فصل اليوم...كما اني احب ان اقراء"
كان ذلك بالنسبة لمحمد شيء عجيب ، فانطباعة الذي كونه عن المصريات جعله يتعجب من فتاة مصرية مهتمة بهواية غير فن الايقاع بعريس ولديها ثاقفة غير ثقافة صنية المكرونة بالبشاميل.
ان الاهتمام بشي هادف لهو امر رائع ولكن ان يقوم المرءبعمل الدراسات فيه ذلك اروع بكثير...ثم ان الكتابة بالذات لهي من اسمي الهويات خاصة لو الكاتب موهوب فهو كالرسام يرسم صورا خيالية وكالعازف يطرب الاذن بالكلمات المنسقة ذات الايقاع.
رغم ان محمد يبدو سطحيا ، محوره هو نفسه لا اهتمام له غير الفتيات... و اي نعم اخر صفتان قد تكونان صحيحتان الا انه ليس سطحيا...هو مثقف قراء عدد كبير جدا من الكتب منذ صغره ..كما عودته امه ...وله اراء في كل المجلات. فلذلك اثارت حبيبة اهتمامه ودهشته عندما اخبرته عن هوايتها. .. يعني حلوة وجدعة و كمان مثقفة؟!
فجأة احست حبيبة بغرابة الموقف بعد ان تسرب لها احساس محبب بالالفة نحو محمد وهم "مأنتخين " هكذا في غرفة المعيشة يتجاذابان اطراف الحديث...فقامت ولملمت خذائها ودخلت غرفتها... اما هو فقد اتاه اتصال من كارلا صديقته تدعوه للعشاء في منزلها ..فطلب منها ان تاتي هي فهو يفضل الا يخرج اليوم كما ان بيته خالي اليوم مساءاً.
****
حان موعد الفصل خرجت حبيبة متحمسة ماشية الي هناك تحمل في كتفها حقيبة اوراقها . وما ان خرجت من المنزل حتي اتت كارلا...كارلا كانت فاتنة! شقراء، جميلة، عودها فارع، تردتدي ما قل ودل. عندما رأت محمد صرخت كالاطفال في حماس:"موووووو" ثم امطرته بقبلاتها ...جلسا علي الكنبة واخبرته انها مشتاقة اليه...ثم ..ماحدث بعد ذلك مستنتج...
****
كان فصل الكتابة اليوم من امتع المرات التي حضرتها...لقد حصلت علي تقييم عالي...كما ان موضوع درس اليوم كان شيقا جدا بالنسبة لها...خرجت ككل فصل سعيدة منتشية...مشت علي مهلها الي البيت تستمتع بنسيم الليل البارد المنعش..ذكرها بمصر في الخريف قبل دخول الشتاء... .تذكرت امها، تذكرت جلستهم في تراس بيتهم الكبير(والذي باعه عمها سامحه لله) في تلك الامسيات تشربان الشاي المظبوط وتتحدثان في شتي المواضيع، كانت لتفخر بها جدا الان فهي رحمها الله كانت قارءة ممتازة ... كان ليعجبها ما تكتبه حبيبة، لكم اشتاقت لها... دمعت عيناها قليلا ولكنها مسحت الدموع وقررت.. احياءا لذكري امها ستشرب كوبا من الشاي المضبوط اياه في حديقة المنزل عندما تعود.
كانت ستائر المنزل مسدلة...عندما دخلت من باب الحديقة مما اضفي ظلام وكئابة علي الحديقة ، عجبت لذلك فهي اول مرة تراها هكذا. ما ان ما ان دلفت الي الداخل.. كادت تصرخ ذهولا...ولكنها وضعت يدها علي فمها وخرجت بسرعة بمنتهي الخفة مغلقة الباب خلفها برفق..."هل رأوني؟؟ لا اعتقد.. لم يبد عليهم انهم شعروا بشيء...لن ادخل الي هناك مرة اخري...اين اذهب الان؟...تيا ...سأوقظها... لا يهم، ولكنني لن اعود"...مشت في سرعة هذه المرة متجهة الي منزل تيا... حاولت اكثر من مرة طرد مشهد محمد و تلك الشقراء معا علي الكنبة ،لم تستطيع...كان تشعر بضيق شديد...
عندما طرقت باب تيا لم تصدق الاخري وهي تفتح الباب منزعجة وتنوي وهي شبه مغمضة ان تتعارك مع ذلك المزعج الذي يطرق بابها وهي نائمة... قفزت تيا فرحة وانقضت علي حبيبة لتحتضنها حضن قوي ثم ادخلتها متسائلة عن سبب الزيارة السعيدة في وقت كهذا... اخبرتها حبيبة ما رأت قائلة:"الا يعلم ذلك المستهتر اني سأعود؟...ماذا ظن؟ اني سأموت في الحصة؟!"
قالت لها تيا:"لربما لم يشعر بالوقت ... حسنا فلتنامي هنا الليلة ، فنحن لا نعلم كم سيستمر بقائها هناك"
حبيبة:" لكم كنت اتمني كوب الشاي في الحديقة..."
تيا :" اي كوب شاي؟!"
حبيبة ببؤس :" كنت سأصنع لنفسي كوب شاي لاشربه في الحديقة، كما كنت افعل مع امي قبل وفاتها"
تيا:" لدي الشاي ، ليس لدينا حديقة، انما الشباك يفي بالغرض...لنجد لكي ما ترتديه اولا يا فتاة.. لقد افتقدك حقا..هيا"
حبيبة:"وانا ايضا، ليس لي احد سواك ياتيا...انت الان بمثابة عائلتي"
ربتت تيا علي رأسها واحتضنتها.
كانت حنية تيا تفوق الوصف وخاصة مع حبيبة ، وبرغم من ان تيا اصغر من حبيبة بعام او اثنين الا ان تيا كانت تتصرف معها كامها... مما زاد تعلق حبيبة بها ومعزتها في قلبها
شربتا الشاي ، ثم سقطتا في النوما اثناء الحديث...
****
فجأة شعر محمد ان الوقت قد مر دون ان يشعر فدفع كارلا فجاءة قائلا في خضة :"حبيبة!"
ابتسمت كارلا وقالت"بل انت هو حبيبة"... لقد ظنت انه يقول لها "حبيبي" كما علمها بالمصري.
اوووف ...كان ذلك وشيكا لقد انقذه ظنها هذا من رد فعل عنيف جدا هو يعرفه واختبره قبل ذلك اكثر من مرة... فكارلا لا تفاهم لديها... مثال للمرأة الغيورة العصبية العنيفة كما قال الكتاب...
اقنعها انها يجب ان تنصرف لان صديق له سيأتي الان، ودعته وذهبت.
نظر الي الساعة وجدها الحادية عشر...اي فصل دراسي في الدنيا كان لينتهي الساعة التاسعة ... ثم ان حبيبة خرجت في السابعة تقريبا او قبلها قليلا...اي حصة تستمر كل هذا الوقت؟! تصور انها ربما تكون قد خرجت مع اي من اصدقائها .. فشعر بالخسارة لانه جعل كارلا تذهب من اجل عودة حبيبة و حبيبة لم تأت..لا كارا بقيت ولا حبيبة عادت...جلس في ملل يتابع فيلم في التلفاز. نظر في الساعة وجدها الثانية عشر وهي لم تعود، لم يكن من الطبيعي ان تستمر خروجتها مع اصداقئها اكثر من ذلك ، فلا يوجد اي مكان مفتوح الان سوي البارات، وايضا ليس من الطبيعي ان يذهب احد للتك البارات في وسط ايام الاسبوع... علي الاقل هو يعتقد انها ليست من طبيعة حبيبة...ثم انها تفضل النوم باكرا... لقد بداْ حقا يقلق عليها فهو يعلم انها تروح وتجيء مشيا علي الاقدام... ربما هاجمها احد افراد العصابات...او صدمتها سيارة، ولكن في هذه الحالة كان سيتلقي اتصالا من النجدة لان جواز سفرها وكل اوراقها الان مكتوب فيها انها زوجته...
سررت قشعريرة في جسده عنما رنت الكلمة في رأسه...زوجته!...لما هي زوجته لم تركها هكذا؟؟ لماذا لا يعلم اذن اين هي الي الان؟؟! لا يدري كيف يتصرف ...فزوجته قد تكون الان في مازق ما وهو جالس هنا لا يفعل شيئا...حسنا فليفكر...يتصل بتيا؟ لا.. تيا شخصية هستيرية وسيجن جنونها اذا كانت بالفعل لا تعرف مكانها... وستوتره و تصيبه بالجنون هو الاخر...سينتظر قليلا علها تاتي. الان الساعة الواحدة ولم تاتي! كان قد وصل قلقه الي درجة الجنون..رفع سماعة الهاتف واتصل بزين الذي كان نائما طبعا ..اخبره محمد ان حبيبة مفقودة كان يجب ان تعود منذ الساعة التاسعة ولكنها لم تظهر حتي الان...وهو لا يدري كيف يتصرف، صمت زين يفكر ثم قال:"انت مش إلتلا ما تجيب ايا (بوي فريند) تبعيتا عابيتك؟ اكيد هي راحتله وهتبيت عنده هونيك...يعني مافيها تكون بره بالشوارع كل هيدا الوقت اكيد باتية بشي مكان، واكيد هيدا المكان بيت صاحبها"
كاد محمد ان يصاب بذبحة صدرية وهو يستمع لكلام زين وانفجر فيه صارخا:"تبات عند مين يا ...... (لفظ بذيء)؟؟؟؟ مراتي انا..تبات عند واحد؟؟؟؟؟؟" واغلق الخط في وجه واضعا السماعة في عنف..وجلس علي الكرسي قلبة يدق بشدة...لم يدري ما هو الاحسن ان يعرف ان اصابها مكروها ام انها تمضي الليلة في بيت صاحبها... بحث عن رقم ما علي هاتفه المحمول واتصل به ظل يرن ويرن بلا اجابة ...اعاد المحاولة ثلاث مرات ..ثم فكر لمدة دقيقتان بعدهم خرج متوجها لمنزل تيا قائلا وهو يركب سيارته ، بصوت مسموع وكأنه فقد صوابة "يعني لازم ارحلك البيت.. ما تردي علي موبيلك انتي كمان!"
دلف بالسيارة الي موقف الانتظار اسفل العمارة التي تسكن بها تيا وصعد بالمصعد ثم وقف امام باب تيا تردد ولكنه طرقة ..ثم طرق ثانيا..لا رد فظل يطرق طويلا.. اخيرا فتحت تيا وهي في شبه غيبوبة وقالت بصوت مازال نائم وكأن محمد يزورها في الحلم:" هاي مو..اإنتهيت من الشقراء؟" تعجب كيف عرفت ثم وقرر سؤالها لاحقا...ما سأله كان:"هل لحبيبة صديق حميم؟"
ردت تيا من غيبوبتها :"لا..لمَ؟
محمد :"هي لم تعود منذ ان ذهبت لفصلها ، فظننت انها قد تكون لديها صديق وستمضي الليلة عنده...انا الان قلق جدا تري اين ذهبت؟؟"
ضحكت تيا بشدة كالسكاري مما استفز محمد وقالت :" الصديق الحميم الوحيد التي تمض هذه الليلة عنده هو انا ... و لمعلوماتك هي بالفعل عادت للمنزل ولكنك كنت مشغول جدا لتلاحظ عودتها، فقررت المبيت عندي الليلة "
محمد بلهفة:" اتعني انها بالداخل؟"
تيا : "اتريد ان تتأكد بنفسك؟!"
بداء يري محمد سخافة موقفه ... ويشعر بالاحراج الشديد قال لها في حرج شديد :" اشكرك يا تيا ..انا اسف حقا علي ازعاجك في مثل هذا الوقت...ولكني كنت قلق...اعني علي حبيبة...انا اسف بشدة...ساذهب انا الان...انا اسف مرة اخري..وداعا"
تيا وقد نامت غالبا وهو يتحدث :"الي اللقاء مو"
نزل في المصعد واتجه الي سيارته ناظرا في الارض من الاحراج ، رأي حذاءه، ود لو يخلعه ويضرب به نفسه...كان يشعر انه احمق.. كيف سمح لنفسه ان يذهب ليتا و يوقظها في تلك الساعة ليسألها ذلك السؤال السخيف؟؟ شعر انه اهبل واعبط حتي من طوني العبيط...لماذا لم يبداء مثلا بالاعتذار لها علي الازعاج ثم مجرد سؤالها ان كانت تعرف مكان حبيبة ...ولمَ اصلا يريد ان يعرف مكان حبيبة؟...الان تيا ستحكي لها وستلقي هي عليه مقالة من تسعة اعمدة عن حريتها الشخصية وتتطفله علي حياتها...ثم انه كيف ينسي نفسه مع كارلا كل هذا الوقت حتي تعود حبيبة وتراهم؟؟، تري ماذا رأت؟ اخفي وجهه بيده من كسفته من نفسه...ماذا ستظن به الان؟ نظر في الساعة وجد ان الوقت متـاخر جدا عن موعد نومه..ولديه عمل باكرا..كيف سيتيقظ؟ ... نظر حوله في ذلك الجراج الكبير، لايوجد احد غيره ،اسرع في خطاه نحو السيارة فقد يظهر له فرد من افراد العصابات الان ويسلبه كل ما يملك اذا لم يقتله. لم وضع نفسه في كل هذا العناء؟ حتي يطمأن عليها؟ وهي ولا علي بالها مخمودة في سابع نومة...
وصل المنزل في سلام.. ودخل فورا لينام...عادة بعد لقاءه باحدي صديقاته ..دائما يكمل اللقاء في الحلم...الا انه اليلة لم يحلم بكارلا بل كان حلمه بحبيبة، ولم يكن حلم من اياهم... بل رأها تقف تائهة في وسط حشد من الناس كبير جدا وهو يحاول الوصول اليها لينقذها... ينادي اسمها والناس تزداد من حولهم وتبعد المسافة بينهم ، يدفعهم ويحاول المرور من بينهم وكأنه يسبح عكس التيار... يقول لهم "ابتعدوا انها زوجتي!" والناس تزداد وتتكاثر وتضغط عليه ..وهو يقاوم ويقاوم الي ان وصل اليها امسكها...ضمها اليه ...لصقها في صدره حيث الامان .. باعدا عنها الناس... باعدا عنها كل ما يؤذيها ، وكل ما يخيفها..
أنت تقرأ
في ارض الحلم // للكاتبه منه فوزي
Romanceرواية خفيفة تدور في إطار رومانسي كوميدي عن فتاة لا ترغب في شيء من الدنيا سوي العيش علي أرض الحلم (أمريكا) في اعتقادها، و يدفعها ذلك لاخذ خطوة جريئة جدا في هذا الطريق ،و تستمر توابع تلك المجازفة في صورة احداث مشوقة جميع حقوق الملكيه للكاتبه // منه ف...