المحفظة
في خلال يومين كان محمد قد اتم شفاه لاسيما بعض الكحة من اثار الدور، في خلال اليومين اظهرت حبيبة قدرات حتي هي لم تعهدها بنفسها قبل ذلك، اخذت اجازة من العمل وقد ظلت بالمنزل تعمل علي نظافته حتي تطهره من ميكروبات المرض ، تطهو الطعام ، وتغسل ما يجب غسله وتمسح ما يجب مسحه، وفوق كل ذلك كانت تعتني بمحمد عناية فائقة، تطعمه و تعطيه الدواء وتراقب حرارته، حتي انها حلقت له ذقنه بعد ان استمر اكثر من يومين لم يحلقها.. من اين اتت بكل تلك الطاقة؟ كيف عرفت ان تفعل كل ذلك؟.. فهي في بيت امها لم تأتي لنفسها ابدا بكوب ماء، كانت مدللة جدا وحتي ايضا في بيت عمها برغم كل ما فعله الا انها كانت مكرمة في بيته، لم تفعل اي شيء يخص اعمال المنزل، فهي لم تبداء في الاعتماد علي نفسها الا عندما اتت الي هنا.. وحتي ذلك ساعدتها فيه تيا بصورة كبيرة، الي ان بداءت تتمكن من اطعام نفسها دون دفع اموال باهظة في المطاعم وتدبير سائر امورها بنفسها.. ولكن كل ما فعلته في الفترة الاخيرة كان بالنسبة لها انجاز عظيم.
اما محمد فقد كان مبهورا بها ، كيف يتسني لواحدة ان تحتوي بداخلها علي كل هذا الحنان وتلك القدرة علي العطاء، لقد غيرت مفهومه تماما عن النساء.. كانت جميلة من الداخل و الخارج، ما يجذبه بها بشدة اشياء لا يراها بعينيه بل يشعر بها ، اشياء تجتاح قلبه وعقله كلما تحدثت هي او فعلت احدي تصرافتها الصغيرة .. لم يقابل ابدا ذلك الانجذاب في حياته. اصبح يترك لها زمام الامور ويستمتع بالتدليل و الرعاية، لكم افتقد ذلك الشعور. وجودها بجواره اصبح محبب اليه . امضي يومان يتمتع بوجودها ولكن للاسف يجب ان يعود لعمله فقد شفي الحمد لله، وهي ايضا يجب تعود لعملها وترتاح من كل تلك المهام التي اجهدتها و ارهقتها.
انه الاسبوع ذو الوردية المسائية..يال الحظ! كان محمد يذهب الي العمل مساء ، فيخرج قبل ان تعود، ثم بعد اكثر من منتصف الليل يعود ليجدها نائمة طبعا. تخرج هي صباحا و هو نائم وتعود فتجده قد خرج.. حاولت مرة ان تسهر لتنتظره الا انها نامت علي الاريكة في غرفة المعيشة بعد ان جلست عليها بنصف ساعة، فعاد متاخرا ليجدها نائمة، وقف يتأملها قليلا لانه اشتاق اليها، ثم احضر غطائها من غرفتها ماشيا علي اطراف اصبعه خشية ان يوقظها ووضعه عليها كي لا تبرد.، ثم دخل حجرته ونام.
كانت يوميا تصارع الوقت وتحاول ان تفعل ما في وسعها كي تعود قبل ان يخرج ، ولكن لم تستطع فالعمل يحتاج الي وجودها حتي اخر ثانية دوما. كتبت له علي النوته تسأله عن صحته فرد عليها يطمئنها انه اصبح بخير.. لكم فرح حين قراء الرسالة ، فكر ان يكتب لها انه مشتاق لها ولكن خشي ان يغضبها ذلك وتعتبره كالعادة يفرض نفسه عليها، فلم يفعل واحتفظ برسالتها في جيب قميصه الشمال بجوار قلبه. فكر ان يبتاع لها هاتف محمول هدية لكي يتمكن من الاتصال بها ولكنه خاف ايضا ان تحرجه وترفض قبوله.
كلاهما،كل علي حدة، كانا ينتظران ليلة عيد ميلاد زين بفارغ الصبر حيث يمكنهما قضاء وقت معا، هانت فالاسبوع قرب علي الانهاء و الحفل في يوم العطلة الاسبوعية.
كانت حبيبة تقضي امسياتها اما تنهي الاعمال المنزلية و التي اصبحت ايضا اختصاصها وصارت تجيدها ولا تأخذ منها وقتا كبيرا، او في الكتابة و في الدروس ، واحيانا مع تيا.
عاد محمد في ليلة ليجد نور حجرتها مضاء ، فرح لكونها مازالت صاحية .. دخل مصدرا شتي انواع الاصوات حتي تعرف انه عاد.. ظل ينظر الي باب حجرتها مترقبا، متشوقا لان تفتحه في اي لحظة ويري وجهها الجميل الذي اشتاق اليه، يبدوا انها لم تسمع فاقترب قليلا و تظاهر ان كحة بشعة اصابته...لا رد.. اقترب اكثر ووضع اذنه علي الباب.. اتكون نائمة و نسيت النور مضاء؟.. لو فتحت الان و هو علي هذا الوضع سيكون منظره سخيفا جدا.. فهم بالابتعاد الا انه سمع صوتها.. اهو بكاء؟ هل تبكي حقا؟ الصق اذنه اكثر ليتاكد.. دي كمان شحتفة! تري مالذي حدث لتبكي بكل هذه الحرقة.. احس ان دمه انسحب من جسده و وضخ كله الي قلبه.. طرق بابها وقال بقلق:" حبيبة هل انت بخير؟"
لم ترد في البداية مما زاد قلقه ولكنها قالت بصوت باكي:" ماذا تريد؟"
اتلك الحدة تدل علي انه سبب بكاءها؟.. "ماذا فعلت ايها الاحمق؟" هكذا قال في نفسه لنفسه..
وقال لها:" لماذا تبكين؟ هل فعلت شيئا ضايقك؟"
ردت بنفس الصوت:" لا لم تفعل.. فقط اتركني وشأني"
محمد وقد شعر بقلبه و هو يتحول الي اشلاء جراء سماع ذلك الصوت الباكي:" لماذا اتركك؟ اخبريني ما بك؟ انا حقا قلق.. هيا افتحي، بامكانك ان تحكي لي"
حبيبة :" ليس من شأنك، فقط اتركني"
محمد بالمصري وقد ادرك ان لا مفر من مسايسة رأسها الحديدي:" حبيبة ، لو سمحت افتحي، مش قادر استحمل عياطك ده، افتحي اشوفك بس اطمن عليكي ، و بلاش تحكيلي مالك؟"
يبدوا ان الرجل يعرف حقا ما يفعل.. فلقد انتظر برهة ثم وجد الباب يفتح.. ياله من بارع متمكن! ظهرت حبيبة بعينين بلون الدم، ووجه مبلل، وانف حمراء خنفاء، وبيدها بكرة من المناديل و اليد الاخري كبشة من المناديل المستعملة التي بللتها بدموعها وربما بمخاطها .. ولكن لنبق علي المشهد المؤثر فلنتناسي مسألة المخاط.
برغم من ان منظرها كان بشعا .. الا ان شعوره لدي رؤيتها هو انه يرغب في ضمها بشدة.. لاسباب شتي.. اشتياقه لها، قلقه عليها، منظرها وهي تبكي كطفلة تحتاج الي من يضمها.. ولكنه منع نفسه باعجوبة و قال:"ايه كل العياط ده؟! مين اللي عيطك كده وانا تروح ادمرهولك؟"
لم ترد ولكنها عادت لتبكي (وتتشحتف) مرة اخري.. اجلسها علي الكرسي الصغير امام مرأتها وجلس امامها علي الارض مستندا علي ركبته، نظر الي وجهها الباكي وقال:" مالك؟"
صمتت قليلا ثم قالت:" اتسرقت!" وانهارت بكاءا مرة اخري
كاد ان يلكمها في انفها الاحمر ليزيده احمرار.. اكل تلك الغاغة لانها سرقت؟! لقد ظن ان مصيبة كبيرة قد حدثت ، حسنا .. الحمدلله ان ذلك هو فقط سبب بكائها
فقال متصنعا الصدمة:" يا خبر؟! ازاي؟"
حبيبة:" تركت حقيبتي في فصل الكتابة وذهبت الي الحمام وعندما عدت لم اجد حافظة النقود التي كانت بداخلها"
محمد:" فداكي ياستي مليون محفظة، كان فيها كام يعني؟"
حبيبة:"اربعة الاف دولار!"
محمد مبهوتا:"كم؟! هل جننت؟؟ لم معك في حقيبتك كل ذاك المبلغ؟ يمكن ان تقتلي بسببه يا غبية؟"
حبيبة" انها المبلغ المتبقي لي من ميراثي بعد ان دفعت لك تعويض الرجل، انا امشي بها في حقيبتي دائما ، ليس لدي حساب بنكي لاودعهم ، وانا اصرف منهم دوما، لذلك ابقيهم معي"
محمد:" لا اصدق! وانا الذي ظننتك عاقلة وقلت انك لست بلهاء، وماذا فعلت هل ابلغت عن الحادثة؟"
حبيبة :" نعم ، قدمت شكوي للادارة والتي امرت رجال امن المكان بتفتيش المكان و الناس، واتصلت كذلك بالشرطة وذهبت معهم لكتابة المحضر وكذلك بيانات كل اوراقي الرسمية التي فقدت مع المحفظة.. لقد فقدت كل اوراقي المصرية" وفتحت في البكاء ثانية..
ربت علي عليها مواسيا وقال:" ثم ماذا ؟"
حبيبة:"لم يعثروا علي شيء ، اخبروني انهم سيتصلون بي ان جد جديد.. "
محمد:" وكيف عدت من قسم الشرطة؟"
انهمرت مرة اخري في البكاء حتي ان محمد بداء يفكر ثانية في لكمها ولكن في فمها هذه المرة كان بكائها يصيبه بالتوتر و يفعل بقلبه اشياء مؤذية بحق..
حبيبة:" لم يكن معي اي نقود لاركب اي وسيلة مواصلات، ولا حتي الحافلة.. لم استطيع ان اتصل باحد ليقلني .. لم يكن معي نقود للهاتف.. فاوقفت سيارة في الطريق وشرحت لقائدها اني سرقت وطلبت منه يوصلني، ففعل"
اغمض محمد عينيه ووضع يديه علي وجهه ثم اخذ نفسا عميقا مسموعا محاولا السيطرة علي عصبيته وقال بهدوء ضاغتا علي حروف كلماته وكأنه يمسك بها كيلا تنفجر في وجهها:" ركبتي (اوتوستوب)؟!"
فاومات براسها في براءة وهي تنظر له محاولة فهم ما يفعله..
فقال وقد بداءت عصبيته في الانفلات منه:" انتي بجد طعلتي غبية! ايه مبتشوفيش الاخبار؟! مبتقريش الحوادث.. مشوفتيش افلام؟ مامتك معلمتكيش ان محدش يركب العربية مع حد ميعرفوش؟!!!"
حاولت ان ترد الا ان عصبيته كانت قد وصلت لقمتها فاثرت الصمت وقد شعرت بالخوف منه..
محمد :" انا مش مصدق ؟! انتي مدركة الشخص الغريب اللي ركبتي جنبه ده كان ممكن يطلع مجنون ، قاتل ، مغتصب.. الناس دي بتستني الاغبية اللي ذيك! لا لا انا كنت فاكرك اذكي من كده"
حبيبة:" مانا اخترت العربية اللي استريحتلها.. وبعدين اعمل ايه كنت؟ اروح ماشية "
محمد:" استريحتلها؟!.. و يا تري كانت ايه مرسيدس و لا بي ام دبليو؟ "
حبيبة:"لا كانت فيها راجل كبير و مراته ومعاهم طفلين!.. طلعوا احفادهم"
حسنا.. لنا هنا وقفة!، لم تقل ذلك من البداية، فعلي الرغم من انها اخطأت بركوبها سيارة اغراب الا ان اختيارها للاغراب كان فيه لمحة ذكاء.. رغم خطورة ذلك الذي يسمي (بالاتوستوب) الا انه منتشر جدا هنا، ويستخدمه كثير من الشباب ..ولذلك جاء في تفكيرها ان تستخدمه هي الاخري.. ثم ماذا كانت لتفعل فعلا ؟.. هكذا فكر محمد ولكنه لم يخبرها..
محمد:" برضه غلط.. كان ممكن يطلعوا عصابة والاطفال دي طُعم "
حبيبة:"انت اصلا بتتكلم في ايه.. اللي حصل حصل وانا رجعت خلاص.. اعمل ايه في فلوسي اللي راحت اهااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااا"
وافتتحت وصلة بكاء جديدة..
أنت تقرأ
في ارض الحلم // للكاتبه منه فوزي
Romanceرواية خفيفة تدور في إطار رومانسي كوميدي عن فتاة لا ترغب في شيء من الدنيا سوي العيش علي أرض الحلم (أمريكا) في اعتقادها، و يدفعها ذلك لاخذ خطوة جريئة جدا في هذا الطريق ،و تستمر توابع تلك المجازفة في صورة احداث مشوقة جميع حقوق الملكيه للكاتبه // منه ف...