زوجي!
تمكن محمد رغم الحادثة الصغيرة التي اخرته في الصباح من اللحاق باصدقائة، فقد اتصل بهم يستبقيهم وقد نجح. وبالفعل ركب معهم اليخت الصغير الخاص بـ (ادي) صديقهم وااذي اعتاد دوما ان يذهب بهم في رحلات الصيد الممتعة. كان الجو يميل الي البرودة فهم علي ابواب الشتاء ، الا انه كان منعش ورائع ، كان محمد يري مدي متعة ان يمضي الشخص وقت مع اصدقائة من الذكور.. كان يتعجب كيف فاتته تلك الاوقات الرائعة ، فهو لطالما فضل ان يستغل اي وقت فراغ مع احدي صديقاته.. شعر بالنفور عندما تذكرهن، واثار ذلك عجبه، لم يعد يرغب في التفكير بهن.. تذكر فجاة حبيبة .. واتاه ذلك الشعور المحبب المختلط الذي يربكه دائما فهو لا يفهم ان كان سعادة ام توترام حزن..كان اكثر ما يثير دهشته هو انه منجذب لها برغم من انها مصرية و هو رأيه في المصريات انهن سطيحات اقصي اهتمام لهن هو (صنية المكرونة بالبشاميل الي هتعجب العريس) ولكنها هي مختلفة تماما.. تذكر ما حدث في الصباح.. لقد كانت الاحداث صباحا متوالية وسريعة فلم يتسن له للتفكير فيه.. تذكر كيف ايقظه صوت جرس الباب ثم سماعه صوت رجل يحادث حبيبة مما جعله يرهف سمعه ..لقد ظن لوهلة انه صديق لها.. ثم عندما احتدت نبرة حبيبة ادرك انه ضايقها فلم ينتظر ليفهم، لقد وجد نفسه مندفعا كالطور الهائج ليلقن ذلك الشاب درسا ، لقد كاد يفتك به عندما رأه علي وشك ان يمسها.. تذكر كيف كانت خائفة ترتعش وهي تحدث ذلك الشرطي، ود ساعتها ان يدخلها بداخل صدره ليطمئنها و يبعد عنها كل ما يخيفها.. تذكر كيف التصقت به كالطفلة التي تحتمي بابيها.. افاقه من شرود صوت زين:" الي اين ذهبت؟ اتفكر بها؟"
محمد:"بمن؟"
زين بطريقة مصتنعة:" كارلا طبعا، ايوجد غيرها.. هل صالحتها بعدما غضبت تلك اللليلة؟"
بالطبع كان زين لا يقصد بـ"بها" كارلا علي الاطلاق، ولكنه يريد ان يلاعب محمد، فهو يشعر به ويفهم ارتباك افكاره ومشاعره.
محمد بلامبلاة:" تصدق لأ.. ابقي فكرني لما نرجع اكلمها"
زين:" محمد حبيبي كيف افكرك لما نرجع؟! ، انت ناسي اني ماعدت اسكن ببيبتك، خلي حبيبة هي تذكرك.." وابتسم ابتسامة خبيثة...
جاء احد اصدقائهم قائلا لمحمد:" حتي وانت اخيرا معنا مازلت تأخد جنبا؟ ماذا؟ اشتقت لاحدي فاتناتك؟"
انضم الثلاثة الباقون ومنهم ادي الذي قال:" محمد لا مكان هنا للفتيات، ولا حتي داخل رأسك.. هنا منطقة حرة من الفتيات! وان كنت لا تستطيع اخراجهم من رأسك سنساعدك"
تكاثرو عليه محاولين حمله بما فيهم زين:" كان يصرخ ضاحكا:" لا فتيات ، لا يوجد فتيات برأسي... لا .. لا الجو بارد... يا مجانين!... الجو بارد!"
طشششششششششش
القوه في المياه الباردة وهم يصيحون و يتضاحكون وهو يصرخ فيهم ويلعنهم .. فالمياة باردة حقا.. سبح الي سلم اليخت و صعد مرة اخري مبتلا و ما ان صعد حتي انقض علي اول واحد منهم جاء امامه وحاول ان يوقعه ارضا قائلا:" سأجعلكم تجربون المياة واحد واحد يا انذال!" فتكاثروا عليه ثانيا وهددوا بالاقائه مرة اخري فتراجع، فتركوه ، دخل ليغير ثيابه فالجو ابرد من ان يستطيع تحمل الثياب المبللة علي جسده.. امضوا يوما رائعا من الصيد و الشواء و الضحك هذا طبعا غير الاكل.. كان هذا اليوم بالنسبة لمحمد فترة استرخاء تفصله عن كل ما يشغله.. العمل، الفتيات، حبيبة.. لا لم تشغله عن حبيبة كانت تأتي علي باله كثيرا.. ربما يكون نسي او تناسي كل ما يضايقه عنها .. ولكن لم ينساها هي نفسها.. وقد تكون ايضا وقفة مع النفس فقد بدأ يشعر بالضيق من نفسه و بعلاقته بكل تلك الفتيات.. والان قرار جديد!.. سيلغي كل الفتيات من حياته.. حسنا ليس كل.. سيبقي فقط علي كارلا فهي تحبه حقا، ومخلصة له كما انها صريحة معه.. لا تخفي عليه انها معه فقط من اجل المتعه و لا تتوقع للعلاقة مستقبل اكثر من ذلك.اما حبيبة، فسيظل علي الاتفاق لن يراها ابدا ..عله يقدر..
عاد مساء للبيت ليجد نور العتبة الامامية مضاء وظل شخصين واقفين يلوحان من بعيد، اوقف السيارة ومع اقترابه وجد الظلال تتضح اكثر ، ظل رجل و امراة .. اكيد حبيبة... بداء قلبه يدق تلك الدقات التي يعرفها و يخشاها .. يالك من قلب "خرع"! من يكون الظل الاخر؟.. عبر الحديقة في سرعة احس ان دهر قد مضي قبل ان يصل في ربع دقيقة ليجد طوني واقفا يتحدث معها في تلك الشرفة .. تصاعدت دقات قلبه... اهدأ ايها القلب الجبان .. اهدأ!
***
عندما رحل محمد الي رحلته المزعومة قررت حبيبة ان تستمتع بقضاء وقت لطيف في الحديقة لتستمتع بالجو الجميل وتهديء اعصابها.. كما انها مازالت جائعة.. فلتدعو بعض الاصدقاء ولتناول ما يسمي بالـ(برنش) وهو وجبة خفيفة ما بين الافطار و الغداء و وشرب القهوة في الهواء الطلق.. قامت ورتبت المنزل قليلا ، كما انها وجدت بعض الملابس تحتاج للغسيل ، دخلت غرفة محمد في ثقة لملمت ملابسه الوسخة ووضعتهم مع ملابسها فس غسالة الملابس.. اتصلت بتيا ودعتها لقضاء بعض الوقت نهارا علي ان تاتي لها ببعض الطعام حيث انه نفذ من عندها ،وهي لن تذهب ابدا الي السوبر ماركت.. فلذلك قصة طويلة سترويها لها عندما تأتي.. كذلك طلبت منها ان تري ان كان اي من اصدقائهن غير مشغول ليأتوا ايضا..
امضت حبيبة ايضا وقت لطيفا فقد اخرجت ملائة السرير ووضعتها علي الارض في الحديقة وعليها بعض الاطباق براد القهوة الكبير (لو كان ذلك حدث بمصر بالحي الراق التي كانت تعيش به؛ لاتهمها الجيران بانها فلاحة عديمة الاتيكيت.. لا ينقصها سوي حلة المحشي.. والفسيخ، واطفالا يرمحون حولها سائلة انوفهم ..غير مرتدين الجزء الاسفل من ملابسهم)
لذلك هي مبهورة بامريكا حيث ان كل شخص لديه الحرية لفعل ما يرغب دون التقيد بقواعد لا اساس لها من الصحة.. فاذا ارادت الاستمتاع بالحديقة فعلت ذلك بالشكل الذي تراه هي مناسبا لها.. وليس كما هي التقاليد اوحتي كما هي الموضة .
استمتعت بالجو مع اصدقائها حكت لهم عن الموقف المرعب الذي حدث لها صباحا و عن تصرف محمد البطولي.
قال احد الاصدقاء:" انه حقا شجاع ، كان الممكن ان يكون ذلك الشاب حاملا لاي سلاح فيؤذيه"
تيا:" انتم لو عاشرتم العرب مثل محمد و حبيبة وايضا زين لعرفتم مثلي ان مواقف الشجاعة هو التصرف الطبيعي بالنسبة اليهم.. لا يحسبونها بل فقط يتصرفون"
ضحكت حبيبة في سرها ساخرة في مرارة... "العرب!" اه لو عرف اولائك الامريكان مواقف العرب الحقيقة من خنوع و ضعف تجاه بلدهم العظيمة الولايات المتحدة الامريكية مليكة العالم..
ابتلعت افكارها المرة .. وتناستها كما يفعل جميع العرب... اندمجت في في حواراتهم وضحكاتهم وبالفعل مضي النهار لطيفا بصحبة اصدقائها ، كانت مشتاقة لان يعود بطلها، فرؤيته في الصباح بعد ان ظلت لا تراه بضع ايام، ذكرتها كم كانت تفتقد رؤيته..
رحل جميع الاصدقاء قبل ان يحل المساء وبداءت حبيبة تلملم اثار الجلسة اللطيفة جدا و التي استمتعت بها حقا.. كانت تامل ان يعود محمد الان.. و سمعت صوت سيارة تقترب االتفتت في لهفة .. الا انها وجدته طوني يركب سيارة زين. اوقف السيارة و لو ح لها بيده مرحبا ثم اتي اليها مبتسما..رغم الاحباط الذي شعرت به الا انها ردت له الابتسامة..
طوني:" حبيبة.. مرحبا، لقد افتقدتك فجئت لكي اراك"
ابتسمت حبيبة :" اهلا بك"
طوني:" الم تفتقديني؟"
حبيبة:" كنا لتونا معا منذ بضعة ايام، ولم سافتقدك"
طوني:" انا حقا اسف علي ذلك، فتلك المدة التي لم ارك فيها كنت حقا مشغول بعملي.. اتعلمين اني افتتح فرعا جديدا لمحل ادوات السباكة الذي املكه"
حبيبة بملل:" حقا؟.. جيد"
كانت تدور في الحديقة تجمع الاشياء من الارض و هو يلاحقها، ثم بعد ان جمعت بضعة اشياء وحملتها بين ذراعيها في جهد اتجهت لباب المنزل لتدخل، فتبعها طوني ليدخل معها ، فاستدارت له تستوقفه قائلة :" الي اين تظن تفسك ذاهبا؟!"
طوني:" الي الداخل؟ اهناك مشكلة؟"
حبيبة :" نعم.. لا يصح ان تدخل و انا وحدي"
طوني بغير فهم:" لم؟ لقد اتيت خصيصا لاني اعرف ان محمد قد ذهب مع زين في رحلة وانك وحدك.. "
حبيبة :" لماذا؟"
رد طوني و كان الموضوع بديهي و هي غبية:" حتي نصير وحدنا فاكون علي حريتي معك دون ان يعكر صفونا احد!!! هيا ادخليني لا تقلقي ساكون (جنتل مان) لا تخافي مني انا اريد فقط التحدث معك في هدوء"
حبيبة:" من حيث اتيت انا، لا يصح ان تدخل و انا وحدي.. وايضا من حيث اتيت انا (الجنتل مان) يحمل عن السيدة اي اغراض ثقيلة.. وانت حتي لم تلاحظ ان متقطعة النفس جراء ما احمل!"
ثم تركته في ذهوله ودخلت ثم عادت له بعد ثانية محذرة :" اياك ان تدخل ورائي!"
فاوماء برأسه قائلا:" سانتظرك هنا"
ابتسمت لما دخلت ، طوني هذا مضحكا جدا، كانت تعلم انها تبالغ في عدم ادخاله ، فهي تعرف تمام المعرفة قدرتها علي ابقاء اي شخص اي كان عند حدوده التي تسمح هي بها .. سواء بالذوق واللطافة او ان تمسح بكرامة اللي خلفوه الارض.. الاانها فعلت ذلك من اجل محمد، لم ترغب في ان تضايقه او تخلف اتفاقهم، برغم ان طوني ليس صديقها الحميم الا انها تعرف ان وجوده وحده معها بالبيت سيضايقه. وضعت الاشياء التي كانت تحملها و خرجت مرة اخري لطوني.
حبيبة:" حسنا اخبرني ماذا اتيت لتقول لي؟"
طوني:" لا شيء فقط اردت رؤيتك.. كما اريد ان اتأكد انك ستأتين للحفل"
حبيبة:" اي حفل؟"
طوني:" الم يخبرك محمد بعد؟ لقد اكد لي انه سيخبر ثلاثتكم!"
حبيبة:" لا لم يخبرني.. ومن ثلاثتنا؟"
طوني:" حسنا.. انا وهو سنقيم حفل لعيد ميلاد زين فوق سطح بنايتنا الاسبوع القادم ، بالطبع مفاجأة لزين، وقد طلبت من محمد ان يقوم بدعوتك انت و تيا و كارلا"
حبيبة:" وكارلا ايضا؟"
طوني :" اكيد.. من اجل محمد بالطبع، فمن غير الزوق الا ندعوا حبيبته"
اصابت حبيبة (كرشة نفس) .. سالها طوني ان كانت بخير ثم وضع يده علي كتفها ليربت عليه كنوع من المؤازرة..
ثم فجأة نزل عليهم الرعد متمثلا في صوت محمد "طوني ماذا تفعل هنا؟"
اجفل الاثنان من الصوت ونظرا ناحية محمد الذي رسم علي وجهه ابتسامة تشبه الموزة لصفارها الشديد..كان يحاول ان يكون لطيفا...
لسبب ما شعر طوني بالتوتر والارتباك لما نظر الي عيني محمد فقال و هو يرحل:" جئت لاري حبيبة.. وداعا الان.. اركم لاحقا" ومشي مسرعا في خطوته.
اما حبيبة فرؤية محمد بطلها المغوار اسعدتها جدا فبادلت ابتسامته الصفراء بواحدة كبيرة تشع سرورا.. نظرت له تتأمل عيناه..لم هم بغاية الاحمرار هكذا؟ دققت في ملامحه الجميلة .. افتقدتها بشدة..لم لا يبدوا علي ما يرام.. ايكون مريضا..
محمد بحدة بعد رأي طوني قد رحل:" اخبريني ماذا كان يفعل هنا؟"
محيت ابتسامتها الواسعة في لحظة و ظهر مكانها الوجه الحانق المعتاد كرد فعل لحدته.
وقالت بحدة هي الاخري" وما شأنك انت؟ ايه اللي جاي من برة يتخانق ده؟!" وتركته و دخلت ، دخل ورائها و قد استفزه جدا ردها قال ومازال حادا و هجوميا:" لا مش هينفع معايا فيلم قضية حرية المرأة بتاعك اللي ماشية تسمعيه.. انا عايز اعرف زفت ده كان بيعمل ايه هنا و انا قلت مفيش اي كلب صاحبك يجي البيت؟!"
ذلك الاسلوب وتلك النبرة اشعرت حبيبة بالرهبة قليلا ولكنها صمدت و صدرت له رأسها العنيد والاقوي من الحديد.. قالت ببرود غرضه استفزازه:" اولا هو مدخلش البيت اصلا ، متخفش اوي علي بيتك الطاهر الشريف.." ثم عادت لتقول بالانجليزة بنبرة حازمة:" ثانيا غير مقبول تماما ذلك الاسلوب في الحوار و تلك الالفاظ.. ايه اي كلب صاحبك دي؟ "
تجاهل محمد كل ما قالته و خص تركيزه في جملة واحدة وقال:" يعني ازاي مدخلش؟"
حبيبة:" يعني مدخلش!.. طلب يدخل و انا رفضت عشان اتفاقنا انا وانت .."
محمد وهو ممسكا رأسه و يغمض عينيه في اعياء:" وهو كان جاي ليه؟"
حبيبة:" انت هتصاحبني وتكلم معايا ..شيء ميخصكش هو كان جاي ليه.. لو سمحت زي مانا التزمت باتفاقنا ياريت انت كمان تلتزم بيه .. ياريت تبعد عن خصوصياتي و ياريت كمان منتقابلش كتير!"
كادت تلطم نفسها لطمة قوية لقولها ذلك. كم هي عنيدة ، لقد كانت منذ قليل تتمني رؤيته ، والان تخبره ذلك الكلام الذي هو عكس ما تريد تماما.. يال راسك العنيد الغبي يا حبيبة.. سوف تندمين!
اما هو فلم يرد عليها بقي صامتا لحظة ثم انهار فجأة و سقط علي الارض..
كاد قلبها ان يتوقف..مات؟!! انحت لتتفحصه .. يالهول جسده يكاد يغلي .. انه ساخن جدا.. حسنا.. انه يتنفس بسهولة.. ولكنه يرتعش بشدة.. الهاتف.. اين الهاتف؟..
اتصلت بالنجدة التي وصلت مع الاسعاف في اقل من 10 دقائق.. عمار يا امريكا..
لم يحتاج المسعفون الي نقله للمستشفي ،فقط بعد الكشف عليه اعطاه المسعف حقنة، ونقلوه الي سريره.. اخبر الطبيب المسعف حبيبة ان ذلك ردة فعل جسده نتيجة لارتفاع حرارته ، فيبدوا ان محمد لديه تلك الحساسية النادرة من ارتفاع درجة حرارة جسمه ويصاب بنوع من الاغماء ..
حبيبة:" اذن فهو بخير؟ و لماذا ارتفعت حرارة جسمه ؟"
الطبيب:" ببساطة لقد تعرض للبرد.. و بالتالي ارتفعت حرارته فاصيب بالاغماء نتيجة الحساسية النادرة التي لديه.."
ثم عاد ليسألها:" هل انت اخته؟"
حبيبة:" لا .. انا لا اقرب.. اعني .. انا زوجته"
الطبيب:" اذن فدورك هو العنصر الاساسي في الشفاء .. حتي لا يصاب بالاغماء مرة اخري.. يجب تعملي علي ان تظل حرارته منخفضة.. الي ان ينتهي دور البرد.."
حبيبة في فزع :" انا؟؟ و كيف؟ اعني كيف افعل ذلك؟؟"
الطبيب:" مابك يا سيدتي؟ الموضوع بسيط جدا.. سيتناول خافض الحرارة و عليك ان تظلي بجواره بالكمادات و السوائل ليشربها.. فقط قومي بقياس الحرارة كثيرا حتي تتأكدي انها في نطاق الطبيعي"
حبيبة مصدومة:" اشكرك علي كل هذه المجهودات.."
ذهب الطبيب تاركا ايها بجوار محمد النائم في سريره.. كانت الحقنة قد افاقته من الاغماء الا انه مازال غير واعي ويبدوا عليه التعب الشديد.. نظرت له .. ما هذه المسئولية الرهيبة التي رماها الطبيب علي عاتقا.. كانت خائفة جدا... وضعت يدها علي رأسه وجدته مازالت حرارته مرتفة ..اذن فالدواء الخافض اما لم يؤثر.. او لم يعمل بعد، انه دورها الان كما قال الطبيب.. احضرت الماء البارد في طبق و قطع صغيرة من القماش و جلست بجواره.. تضع قطعة ثم تضع التي تليها و هكذا.. وكل فترة قليلة تقيس حرارته.. كان صاحيا و لكن بغير وعي كان احيانا يفتح عينيه فيرها يبتسم لها في حنان ثم يغمض عينيه ويتوه مرة اخري.. كان يهزي ببعض الكلمات غير المفسرة و احينا كانت تفسرها.. بعضها سباب و الفاظ بذيئة.. لقد ذكر اسمها بضع مرات و ذكر ايضا اسم طوني كثيرا.. بداءت تهداء قليلا و تشعر انها تمكنت من الموقف .. فكما قال الطبيب بالفعل الموضوع بسيط.. كانت فعلا حرارته تنخفض.. شعرت ان تلك الكمادات الباردة هي مهمة سهلة جدا .. سجلت موعد المضاد الحيوي علي المنبه الموجود في هاتفه المحمول حتي لا تنساه.. لما اطمأنت ان حرارته انخفضت .. تركته و راحت تنظم البيت، قامت باعداد شوربة للمريض حتي يشربها حين يصحوا.. هكذا تعلمت. وقامت بالاتصال بتيا لاخبارها عن مرض محمد والتي اتصلت بزين بدورها، اخبروها الاثنان انهم اتون ليطمئنوا عليه غدا.
عادت لتجده نائما و مازال التعب يبدو علي وجهه.. اشفقت عليه بشدة تذكرت كيف هوي قلبها معه حين سقط امامها علي الارض.. لقد اخافها كثيرا.. جلست بجواره وضعت يدها علي جبينه لتحسس حرارته.. لم تملك نفسها وهي تنزل بيديها علي وجهه.. فتح عينيه فجأة فسحبت يدها في سرعة.. نظر لها و ابتسم ثم قال بصوت واهن:"انا سخنت ولا ايه؟"
اجابته حبيبة بحنان:" عندك دور برد.."
محمد:"اسف.. نسيت اقولك اني عندي حساسية من الحرارة"
حبيبة مبتسمة تداعبه:" انا افتكرتك مت"
محمد:" وزعلتي؟"
لم ترد بل تحسست جبينه مرة اخري لتتاكد من حرارته.. فامسك بيدها واغمض عينه، فحاولت سحب يدها قائلة:" ايه انت حرارتك عليت ولا ايه؟! ..سيب ايدي؟"
محمد وهو مازال مغمضا عينيه بصوته الواهن ": امي الله يرحمها ، لما كان بيجلي برد ويحصلي كده ، كانت بتفضل ماسكة ايدي طول الليل.." ويبدوا انه راح في النوم ثانية حيث ان اخر كلمة لم تكن واضحة.
لم تعرف لم مستها تلك الجملة بشدة .. حتي انها دمعت عيناها.. احست بما يقول .. فهي ايضا بعد وفاة امها كانت تفتقدها بشدة خصوصا اثناء مرضها.. وتفتقد لمساتها الحانية.. منك لله يا شيخ نكدت عليا.. مسحت دموعها باحدي يديها.. فيدها الاخري تركتها في يده...
فتحت حبيبة عيناها فجاة لتجد نفسها جالسة بجوار محمد في سريره و يدها مازالت في يده...انه الصباح .. وضعت يدها الاخري علي جبينه .. احست ان حرارته طبيعية، ابتسمت عندما فكرت ان لو كان اقسم لها مائة شخص يوم اتموا ذلك الزواج المدني انها سيأتي عليها يوما تستيقظ فيه لتجد نفسها بجوار محمد في سريره لما صدقت. قامت واتصلت بنانسي تطلب منها ان تحل محلها اليوم حيث ان محمد مريض ويجب ان ترعاه..قالت لها نانسي مازحة "ها قد بدأ الزواج الحقيقي"
بقيت معظم الوقت بجواره ، تتاكد من حرارته و تضع الكمادات عند اللزوم وتعطيه الدواء.
عندما استيقظ اطعمته الحساء الذي اعدته، ثم مسحت له وجهه بالمناديل المبللة، فهو لم يستطع القيام بعد، كما انها فتحت النافذة حتي تدخل الشمس و الهواء لينقي جو الغرفة. في منتصف النهار اراد دخول الحمام ساعدته علي النهوض واوصلته (للتواليت نفسه) مستندا عليها حيث ان توازنه لم يكن مضبوطا ثم انتظرته في الخارج وعادت لتسانده الي السرير مرة اخري.. بهرته قدرتها و جدعنتها فكم بنت قد تفعل كل ذلك مع شخص لا يقرب لها. كانت تفعل كل ذلك بدون تذمر بابتسامة و عبارات التشجيع والدعاء بالشفاء.. ذكرته بامه ..
***
اتت من خارج الغرفة و قفزت بجواره علي السرير ثم اتت بميزان الحرارة ووضعته بفمه ثم قالت بمرح:" هل اعجبك حسائي؟"
اومأ برأسه، فقالت:" حسنا اذا كنت تستطيع الاكل اليوم، لقد صنعت اكلة مصري.. ارجو ان تعجبك"
كانت تنظر له و هي منجذبة لكل سم بوجهه.. حتي و هو مريض وسيم، اخذت ميزان الحرارة والقت نظرة عليه ثم بدي علي وجهها الجدية و قالت:" حسنا لقد بدأت ترتفع ثانيا..هيا نم ..نم سأحضر المياة الباردة..استلق.. هيا لا نريد اغماءات اخري.. استلق"
بسرعة اتت بطبق المياة.. وصعدت بجواره مرة اخري ولكن ببطء كي لا تسكب المياة .. وفي توتر ظلت تضع قطعة مبللة تلو الاخري.. كان هو بداء يشعر بالتعب ثانية.. قال في هدوء :" حبيبة اريد ان اشكرك.. لم يفعل معي احد ذلك منذ وفاة امي"
اغروقت عيناها بالدموع للمرة الثانية وقالت بالمصري:" يادي النكد يا ربي.. بلاش السيرة دي... ورحمة امك بلاش السيرة دي"
صمت واغمض عينيه.. استسلم لها .. كان متأكد انها ستعتني به.
فتح عينيه ثانية و قال :" ما الاكلة المصري التي اعددتها؟"
ردت ودموعها تسيل كالنهر في صمت:" مكرونة بالبشاميل"
****
فوجئت حبيبة بنانسي رفيقتها بالعمل تدق الباب حاملة اغراض كثيرة ادخلتها و قد تذكرت كذبتها علي محمد الخاصة بحجم ووزن نانسي.. ستنكشف الان ويصبح شكلها مش ولابد ، ولكن محمد نائم بالداخل لن يراها.. حسنا فلتحاول تبقي الوضع بهذا الشكل
حبيبة:" نانسي ، مالذي اتك بك عزيزتي؟ وما تلك الاغراض؟"
نانسي:"لقد كنت مارة من هنا و تذكرت مشكلتك مع السوبر ماركت، فتوقعت انك تحتاجين بعض الاغراض لتمريض زوجك فجئتك بها"
حبيبة:"نانسي! لا اصدق كم انت طيبة و كريمة ..اشكرك "
نانسي:" ولكني ساخذ ثمنها بالطبع، لقد اديت لكي خدمة التوصيل فقط.. وعليك دفع ثمن الطلب، فماذا املك انا لكي انفقه عليكي انت و زوجك؟!"
حبيبة ضاحكة :" حسنا ، حسنا، ساعطيكي النقود و لكن كفي عن قول( زوجك)هو ليس زوجي"
نانسي:" احقا؟ اخبرني اذن اين امضيت ليلتك؟"
حبيبة :" المثير للسخرية اني امضيتها في سريره بالفعل.. ولكن كنت جالسة امرضه.. هيا كفي عن الهراء .. و قولي لي كم دفعت؟"
"حبيبة اريد الدخول للحمام ارجووووكي بسرعة"
كان هذا صوت محمد من الداخل ، فتركت حبيبة نانسي وجرت الي داخل وجدت محمد واقفا مستندا الي الدولاب و يبدوا انه غير متوازن بالمرة اقبلت عليه و اسندت زارعه الي كتفها و ساعدته علي المشي.
محمد:" انا اسف .. حاولت النهوض وحدي كي لا ازعجك، ولكن يبدو ان الحقنة تصيبني بالدوار الشديد"
حبيبة:" لا عليك.. لا عليك.. "
بعد ان دخل الحمام وخرج كادا ان يقعا معا وهم في طريقهم للسرير ولكن محمد تمالك نفسه وتفادي الوقوع.
"اكل شئ علي مايرام؟ اتريدان المساعدة؟" كادت حبيبة ان تلطم عندما ادركت ان نانسي و اقفة علي باب الحجرة تطمئن عليهم ، ساعدت محمد ان يصعد علي السرير واستدارت لها ، لا تعرف ماذا تقول.. ونظر لها محمد متعبا من ذلك المشوار الي الحمام و لكنه تسائل في ضعف:" من تلك الجميلة؟"
لم ترد حبيبة ، بل ابتلعت ريقها بصوت مسموع وودت لو ابتلعتها الارض الان
ردت نانسي في حماس:" انا نانسي زميلة حبيبة في العمل.. اتمني ان تتماثل للشفاء سريعا.. اسفة لتطفلي ولكني سمعت ضوضاء فظننتكم بحاجة للمساعدة.."
محمد وكانه تحت تأثير مخدر من كثرة التعب :" نانسي؟! يا لهول لقد نقص وزنك بشدة!؟"
لم تفهم نانسي وظهر علي وجهها الغباء وقالت :" حقا؟ ... اشكرك.."
دفعتها حبيبة خارج الحجرة ونانسي تحاول ان تسأل متي رئاها محمد قبل الان ليعرف انها فقد الوزن ثم اي وزن الذي فقدته فوزنها لم يتغير منذ شهور.. اجابتها حبيبة ان محمد يهزي من اثر الحقنة المضادة للحساسية وكذلك الحرارة و الدواء كل هذا جعله يخرف. شكرت نانسي علي ذوقها وكرمها وتنفست الصعداء فور خروجها.اوووف ... قررت انه اذا حدث و تذكر محمد رؤية نانسي ستقنعه هو ايضا انه كان يتخيل .
بعدها بقليل اتت تيا مع زين بعد العمل للاطمئنان علي محمد.. كان قد تحسن قليلا وقد اعدت له حبيبة بعض الحساء و جلست بجوارة تطعمه في سعادة.. لم تعرف لمَ كانت ابتسامتها تصل ما بين اذنيها فالمفروض ان الموقف غير مناسب ، هي تمرض شخص مريض و يصاب بحالات اغماء و متألم من دور البرد.. لا يوجد اي مناسبة لتلك السعادة.. ولكن قربها الشديد من محمد و العناية به وباغراضه جعلها في حالة مزاجية رائعة لا تتناسب مع الموقف تماما.
ولكن لكل ابتسامة نهاية ..
رن جرس الهاتف فرد زين ، كانت المتصلة كارلا و بالطبع اخبرها زين بمرض محمد فاخبرته انها قادمة فورا لتعتني به..
وقد نقل زين المكالمة حرفيا لمحمد و حبيبة، شعر محمد ان مجيء كارلا سيتسبب في تدمير حالة الانسجام الموجودة في بالبيت بينه و بين حبيبة، الا انه كان متعب جدا ليعترض فسلم امره الي الله وتمني ان تكون زيارة كارلا خفيفة علي حبيبة. اما حبيبة فكادت تطعن زين بالسكين الذي تقشر به البرتقال لمحمد. وبالطبع تحولت ابتسامة الاذنين الي البوز المترين.
أنت تقرأ
في ارض الحلم // للكاتبه منه فوزي
عاطفيةرواية خفيفة تدور في إطار رومانسي كوميدي عن فتاة لا ترغب في شيء من الدنيا سوي العيش علي أرض الحلم (أمريكا) في اعتقادها، و يدفعها ذلك لاخذ خطوة جريئة جدا في هذا الطريق ،و تستمر توابع تلك المجازفة في صورة احداث مشوقة جميع حقوق الملكيه للكاتبه // منه ف...