الفصل الأول

75K 731 34
                                    


فى كبرى المستشفيات الخاصة بالقاهرة

سجلت الشمس غيابها ،وتلبدت السماء بالغيوم والظلام ،تنذر الرياح بأمطار غزيرة على وشك الهبوط ،فى ذلك الوقت هبط الطبيب النفسي الشهير تميم الراوي درجات السُلم إلى القبو، تلك المنطقة الغامضة والمحظور دخولها على أحد غيره ،يتجول بمعطفه الأبيض بشرود ،قطعه صوت مصطنع قوي ،لكن بداخله ثنايا الألم والتعب وهو يقول:_

_ تعرف لو رجع بيا الزمن هقتله مرة واتنين وألف....أبوك كان يستاهل الحرق بالنار وهو حي

إستدار له ليحادثه من خلف القضبان ببرود ،يمسك فيه بصاعق كهربائى:_

_ لما تتكلم مع تميم الراوي ،تلزم حدودك...!

ليصرخ بإنتفاضة وذعر ،أثر الجرح ليرمق الطبيب حارس الزنزانة الشخصي بطرف عينيه ،إيذاناً منه بصفعة من الكرباج جديدة،تُحفر علامتها على ظهره ،ليقول بغيظ وتعمد لإثارة غضبه:_

_ أضرب كمان...لو الضرب بيرجع ال مات ...مش هصرخ ولا هأن ،ولا هريحك أو أنولك ال فى بالك

أومأ برأسه للحارس ليزيد جرعة العقاب والردع ،لذلك المٌقتحم لحصون الراوي ،عض على أسنانه ليكظم ألمه وإرهاقه، لا لن ينهار أمامه لن يضعف ولن يستسلم لذلك الوغد ،تركهم ومضى إلى حجرة بأخر الممر ،يجتاحها الهدوء منذ أعوام لا صوت بها إلا لنبض مُنتظم ،رتيب، لا حياة ولا روح ،تسري ولا جفن يرمٌش ،تجاوز العتبة بحزن عميق على حال والدته الماكثة فى الفراش منذ أعوام فى غيبوبة طويلة ،ليجلس على طرف الفراش:_

_ لغاية أمتى هتفضلي هربانة من العالم ده وسايباني لوحدي...؟،أنا عارف أنك رافضة العالم من بعد موته و شيفاه سواد ،بس أنا ذنبي إي فى يوم أرجع من درس ألاقيني متيتم الأب وكمان الأم،طب أنتي عارفة أن دخلت طب نفسي مخصوص عشانك،عشان تخفي،وتردي على وترجع ضحكتك تملأ عليا تاني

صمت،وهدوء، وسكينة ، مد كفه للكومود القابع بجوارها ،ليمنحها الدواء ،وبينما يفتح الغطاء ،جز على أسنانه من الضيق ،ليرمي به على المرآة الزجاجية بعصبية وإنفعال ،أصيبت فيها تناثر الزجاج يده :_

_ وهيفيد بأيه ....وأنتي مستسلمة ...الدواء....حابة إنهزامك...وراضية....سنين وأنا بداويكي.....وعندي أمل ...وأنتي .سايباني أعافر لوحدي .....

صمت لثوان قبل أن يستطرد بحدة والنيران تنطلق من عينيه،وقال قبل مغادرته وكفه ينزف دماً :_

_ أنا عارف أنك مش هتفوقي وتتصالحي مع الواقع غير لما حقك يرجع،وهيرجع....بوعدك.... وال شتت شملنا ،لازم أدفعه التمن غالي أوي

أخرج هاتفه الخلوي وهو يحادث رفيقه المٌقرب .....بغموض وإيجاز:_

_ لما تيجي هقولك

رواية البريئة والشيطان بقلم أميرة السمدونىحيث تعيش القصص. اكتشف الآن