الفصل الثالث عشر

1.5K 49 0
                                    

الجزء الثالث

اليوم التالي صباحاً

كعادتها اليومية ترتب لمى اوراقها و تحضر دفتر المواعيد و هي تنظر للساعة بقلق لتأخر يحيى اليوم عن المعتاد .
دائما يصل قبل مواعيد العمل بربع ساعة اما اليوم فقد تخطت التاسعة بعشر دقائق .
اتجهت للكمبيوتر و فتحت موسيقي هادئة بصوت منخفض و استأنفت العمل بكتابة احد الاوراق الهامة .
و أثناء انشغالها وجدت من يقف امامها و يصدر صوت خفيف لتنبيهها فانتضفت واقفه ببلاهة تحدق ببجاد .
هل هو هنا حقا !! حتي امس كان بالغردقة و تأكدت من وصول بعض الاوراق له من السكرتيرة الخاصه به ، لماذا هو هنا ؟؟
يالله اجعلها زيارة سريعه ... سريعه جداً
فهي تشعر في وجوده من صغرها باضطراب و رهبة لا تعلم سببهم قد تكون نظرة عينه الحادة او عصبيته الزائدة خاصة إذا كان الامر يمس احد افراد عائلته .
أبداً لم تجيد التعامل معه لم يكن ببساطة اياد و لم يكن بتفهم يحيي كان دائماً يسخر منها و يتفنن في صناعه المقالب بها و بعدها يدعي ان اياد من خطط و نفذ .
لا تكرهه بالعكس شعورها نحوه هو الرهبة ممزوجة باحترام .
رهبة تكونت من فترة طفولتها لشاب يكبرها بثماني سنوات ، و احترام نتج عن تعامله معها كفتاه ناضجة بمراهقتها لا كطفلة صغيرة
و بالاونه الاخيرة تحولت مشاعرها لتقدير و امتنان له لا بل لهم جميعاً يحيي و بجاد و اياد تقدير لوقوفهم معها بمحنتها في موت اخيها
تقدير لمساندتها بعد طلاقها و الوقوف بوجهه غادة عندما ارادت حرمانها من اطفال عادل .

رفعت عينها له بوجهه مرتبك من نظرته المبهمه لها و قالت بصوت حاولت ان يكون هادئ و ثابت : مرحبا استاذ بجاد حمدالله على السلامه ، تفضل دقائق و يصل دكتور يحيي .
التقطت انفاسها سريعاً و قالت : هو معتاد ان يأتي مبكراً لكن اليوم تأخر قليلاً لا اعلم لماذا ؟
رفعت سماعة الهاتف و قالت : ماذا تشرب قهوة ام شاي ام اطلب لك افطار ؟؟
ضحك بجاد و هو يشير لها بيده ان تهدئ و تجلس و جلس امامها ببساطة و تأملها للحظات و قال : يا الهي لمى لم تتخلصي من تلك العادة بعد كل هذه السنوات ، عندما ترتبكي تتكلمي بدون توقف و الكلام يتسابق علي لسانك بسرعة الصوت .
وضعت يدها علي صدرها و ابتسمت بخجل من غباءها و تصرفاتها الحمقاء و قالت : لا .. اقصد احاول التخلص من هذه العادة و لكن معك انت و اياد اشعر انني مازلت لمي ذات العشر سنوات .
انت تعرف هي فقط المفاجأة لم اعلم بزيارتك لنا ، فارتبكت بعض الشئ .
اقترب منها و قال بمكر : ارجو ان تكون مفاجأه جيدة .
اومأت براسها وقالت : طبعاً جيدة ارجو ان تكون زيارة موفقه .
اشارت له و قالت تفضل استاذ بجاد .
ابتسم و قال : لم اعتاد منك علي قول استاذ اما بجاد او ابيه
تلون وجهها خجلا و قالت : هذا كان منذ عدة سنوات الان انت صاحب الشركة التي اعمل بها لا يجوز رفع الالقاب .
قال ببشاشة : إذن فيما بيننا انا بجاد و انتِ لمى و امام باقي الموظفين و العملاء استاذ بجاد و انسة لمى ما رأيك ؟؟
اومأت موافقه و قالت : هل ستكون زيارتك سريعة فأنا اعلم انك اعتدت علي الإقامة بالغردقة .
جلس ببساطة امامها و قال : لا لمى ليست زيارة بل إقامة طويلة لا أستطيع القول انها دائمة لكنها ستطول لعدة اشهر ، يحيى سيتولي إدارة مكتبنا بالغردقة
و نظر لها مراقب ردة فعلها و قال : و انا ساكون مكان يحيى هنا .
تهدل كتفيها و ظهر علي وجهها الحزن فقد اعتادت علي العمل مع يحيى و تفهمت طباعه اما بجاد فلا تعلم كيف تتعامل معه تشعر بوجود حاجز بينه و بينها برغم كونه الصديق المقرب لاخيها الا انها لم تعتاد عليه و لم تكن علاقتهم قوية مثل إياد الذي كان حقاً بمثابة اخ ثاني لها و مازال ، برغم من سفره و ابتعاده
قالت بصوت يلونه بعض الضيق : هل هناك مشاكل بمكتبنا هناك ؟
رد : لا مجرد تعقيدات إدارية ، غير انه يريد ان يأخذ فترة راحة بعيد عن صخب العمل هنا .
الغردقة و رغم العمل الغير منتهي الا ان نقاء الطبيعة يجعلكِ بحالة استرخاء تام بعيداً عن المشاكل و الخلافات
انغلق وجهها تماماً و قالت : فهمت .
بالتأكيد ان القرار كان قرار ناني كي تجعله يبعد عنها كأنها ملكة جمال الكون التي ستجعله ينظر لها من جمال عيونها و سحر نظراتها .
اي غبية هي ناني التي تشكك في حب زوجها لها و تغار منها !!! لا يوجد اي وجهه للمقارنة بينهما فهي الاجمل و الاكثر اناقة ، شعله من النشاط لا تثقلها الحمول و الاعباء مثلها .
كيف لها ان تشعر بالتهديد من وجود لمى بمحيط يحيي حقا غبية ؟؟
كان بجاد يراقب وجهها و حديثها مع نفسها و كانها توبخ أحدهم هل توبخ نفسها لحزنها لسفر يحيى او توبخ يحيى لسفره بدون علمها او ان هناك شئ اخر هو لا يفهمه .
قطع افكاره صوتها و هي تقول : اتمني ان تكون فرصة جيدة لنهاد كي تستعيد نشاطها فهي بالفترة الاخيرة عصبية بعض الشئ .
قام بجاد واقفا و قال : نهاد هنا لم تسافر معه
تسألت بانفعال : لماذا لم ترافقه اليست هي صاحبة الفكرة كي يبتعد عنا هنا ؟
نظر لها و ضيق عينه فتداركت نفسها و صححت : أقصد انها تحب الانطلاق و السفر فتوقعت انها صاحبة الاقتراح كي تستعيد نشاطها هناك
رد بهدوء و هو يحلل كلامها و قال : بضعة ايام و تلحق به بعد ان يرتب الوضع هناك .
اتجهه ناحية المكتب و قال : اي اوراق هامه او اتفاقيات و عقود للفترة القادمة اريد الاطلاع عليها بعد عشرة دقائق .
اغلق الباب خلفه و هي يفكر انها تعلم ان نهاد تريده ان يبتعد تعلم ، انها تشك بوجود شئ بينهم ، لهذا اعتقدت انها سبب السفر و هذا سبب تعاستها .. شك نهاد بها هو سبب حزنها لا سفر يحيى و الابتعاد عن هنا .
جلس علي المكتب و هو يدلك رأسه
هل حقاً ستقدم علي ما تفكر به يا بجاد ؟ هل تملك الشجاعه لفعل فعله كهذه ؟ الن تندم بعدها !!!
هل ستؤذيها في سبيل راحة و سعادة نهاد ؟
اراح راسه للخلف و قال لنفسه لا يوجد حل غير هذا يجب ان أتأكد من انها سترفض يحيى اذا عرض عليها الزواج ، حتي لو كان هذا معناه ان الفت نظرها لي .
لن اؤذيها لن اجعلها تحبني فقط اشغل تفكيرها ووقتها .. حتي لا أدع مجال لتفكيرها بعرض يحيى اذا عرضه عليها .

بعد عدة دقائق دخلت لمي و عرضت عليه الاوراق و بعد الانتهاء من الاوراق و التعديلات بالعقود استعدت لمغادرة المكتب و لكنه قال : اجلسي لمي ما هذه السرعة !!
جلست علي مضص قائله : اريد البدء سريعاً لتعديل الاوراق قبل فترة الاستراحة كي اطبعها و اقوم بتوزيعها .
رد : لن اعطلك فقط اريد الاطمئنان عليكِ و على علي و علا و خالتي .
ابتسمت تلقائياً لذكر اساميهم و قالت : بخير حال الحمد لله علي اصبح نسخة مصغرة من عادل رحمه الله اما علا فشكلا تشبهه غادة لكن طباعاً تشبهه امي الحمد لله .
ابتسم بود و قال : و خالتي زينب كيف حالها
تعكر وجهها بحزن و قالت : بخير و لكن .... العلاج نتائجه بطيئة جدا .
لا انكر اصبحت تحرك يدها و كلامها اصبح واضح جدا لكن قدمها لازالت علي حالها و هي تخاف من ترك الكرسي المتحرك و الاعتماد علي العصاه او المشاية كي لا تقع مرة اخرى و هذا ما لم ينصح به الطبيب .
انت تعلم بعد وقوعها و حدوث الكسر المضاعف منعها الطبيب من السير عليها لمدة شهرين مما أدي لتأخر الحالة و بدأنا جلسات العلاج الطبيعي من جديد .
بالبداية استعنت بأحد المعارف لتعتني بها اثناء عملي لكن الان الحمد لله تستطيع الاعتماد علي نفسها لكنها تهاب التجربة خوفاً من وقوعها مرة اخرى .
قال في محاولة لدعمها : لا داعي للقلق لمي ، لا تنسي ان الحالة النفسية تؤثر علي العلاج ، سازورها قريباً و احاول الكلام معها قد تقتنع بكلامي و تكون تكثر جرأة .
سأل : و خالد هل يحاول مضايقتك او الاقتراب منك ؟
ابتسمت بسخرية و قالت : لا يوجد سبب ليقترب مني هو او اي عاقل اخر .... من يقترب من فتاه تتحمل مسؤلية طفلين و ام مريضة !!
لكن صدقني انا هكذا اكثر راحة لا اريد تحمل عبئ جديد .
الرجل يعتقد انه حين يحب يمتلك حبيبته ، لتكون له هو فقط ، ليس من حقها بر والديها او رعاية ابناء اخ توفى ، يعتقد انه هبه من السماء ، تصلي كل يوم ركعتان شكر انه اختارها من بين الاف الفتيات لتكون زوجته ، فيجب عليها ان تجلس تحت اقدامه تنتظر اوامره .
و انا لن اكون بيوم ملك لرجل بنسبة مئة بالمئة أمي اولاً واولاد اخي ثانياً و هو ثالثاً
و لا يوجد رجل شرقي يوافق ان يكون رقم ثلاثة لحبيبته او زوجته ،
لهذا انا راضية بوضعي تمام الرضا .
هل فقد القدرة علي الكلام ؟ هل صدمته بكلامها و شعر كم هي كبيرة بنظره و كم هو صغير بتفكيره !!
لا لن ينكر انه يحترمها ، يحترم اخلاقها و تفكيرها و تحملها لمسؤلية رجال يرفضوا حملها .
يفكر بكلامها الصحيح جدا ، هو لا يرضي ان يكون رقم ثلاثة ، لا يريدها عند قدمه كما قالت لكن يريد ان يكون الاول بحياتها لذلك لا يستطيع لومها على تفكيرها و بنفس الوقت لا يستطيع سوي احترامها .
ليت اخته تفهم انها لا تفكر بالزواج بل لا تهتم و لا يشغل تفكيرها سوي والدتها و ابناء اخيها .
نظر لها و فوجئ بعدم وجودها ، اخذته افكاره بها فلم يلحظ غيابها .

بالخارج انهمكت بعملها ومر الوقت سريعاً بتعديل الاوراق امامها و انتهت منهم قبل استراحة الغداء بدقائق فأجلت طباعة الاوراق لحين عودتها .

يتبع .....

بريق نقائك يأسرنيحيث تعيش القصص. اكتشف الآن