الفصل الواحد و العشرون
دلفت عديلة إلى غرفة فتون فوجدتها جالسة على الارض فى احدي الزوايا تضم ركبتيها إلى صدرها و جسدها و شفتيها يرتجفان من كثرة البكاء فرفعت أحدي حاجبيها و أردفت بسخرية وتهكم
-جرا ايه يا بت اللى يشوفك يقول انك مش فى بيت ابوكى هو احنا خاطفينك و لا ايه
رفعت الصغيرة وجهها و هتفت بصوت خافت يكاد لا يسمع مرتجف
-أناا ع عايزه ماما
-كك مو يا شيخة من النهاردة مفيش زفت أمك دى تنسيها خالص من انهاردة فى ماما عديلة و بس أنتى سامعة يا بت
هتفت عديلة بتلك الكلمات و هى تقترب من الصغيرة فحركت فتون رأسها بنفي دلالة على رفضها بما تردفه صائحة
-لا انتى مش ماما انتى تيته و أنا مش بحبك انا بحب ماما و بس
-لا حوش يا بت انا اللي ميته فى دبديبك انا. مش عارفه مش عارفة طلعتى شبهها ليه ،ليه مطلعتيش شبهي انا ،يمكن ساعتها كنت حبيتك بس انتى طلعتى شبهها
-هى مين دى !!انتى قصدك ماما
-هو انتى يا بت هتحققى معايا اسمعى بقى يا ختى لو سمعتك بتقولى كلمة ماما دي هلسوعك بالنار فاهمه يعنى هشوهك يا بنت إيمان
ابتلعت الصغيره ريقها بخوف و اعين متسعة من صدمتها لما تهتف بها والده والداها فصرخ صوت من خلفها جعل عديلة تتسمر مكانها
-متخافيش يا فتون محدش هيقدر يعملك حاجه وانتى يا امى اطلعى بره
التفتت عديلة تنظر اليه بتوتر و تلعثم فمن الموكد انه استمع لحديثها و تهديدها لابنته فصاحت بنبرة متلعثمة بعض الشئ
-حسان انت مخرجتش و لا ايه مش كنت قايل انك هتخرج
-لا مخرجتش و كويس اوى انى مخرجتش و لو سمحتى مش عايز اشوفك بتحتكى مع بنتى خالص
هتف حسان بتلك الكلمات و هو يقترب من فتون حتى يمسد على شعرها و لكن ابتعدت عنه فتون عائده بظهرها لنهاية الفراش فهتفت عديلة
-شايف مقصوفة الرقبة بتعمل معاك ايه طبعا تلاقي امها مقوماها عليك و هى اللى مكرهاها فيك ما هى اصلها بنت
قاطعها حسان حتى لا تسب و تلعن بتلك الالفاظ البذيئة أمام صغيرته صاح بغضب نسبى
-مش هكررها تانى يا امى لو سمحتى اطلعى برة و مش عايز اسمع حرف زياده بعد إذنك
جزت عديلة على أسنانه بغضب مكتوم لحديثه معها بتلك الطريقة فالتفتت حتى تغادر و لكن نادي عليها قبل مغادرتها قائلا بصرامة و برود
-و ياريت متنميش لانى عايزك
-حاضر يا حسان باشا تأمرني بحاجه تانى ساعدتك
صاحت عديلة بتلك الكلمات بسخرية و استنكار لما يفعله معها فهتف حسان و هو يضيق عينيه بتفكير مصطنع
-اه وياريت تاخدى الباب فى ايدك و انتى خارجة
جزت عديلة على أسنانها للمرة الثانية و دفعت الباب خلفها مغلقة له
أما حسان فالتفتت الى صغيرته التي لا تزال تبكى و لكن بصمت و خوف من وجود والداها فهي تعلم كم سيغضب عليها الآن فتلك عادته و لكن ما فعله معها صدمها و جعلها تتوقف عن البكاء فحسان جذبها داخل احضانه بحنان و حب تراهم لأول مرة و رفع يديه يربت على ظهرها و هتف بهدوء
-ممكن اعرف انتى بتعيطى ليه دلوقتى
لزمت الصغيرة الصمت خائفة من رد فعله اذا اجابته على سؤاله ،فهم حسان ما يجول عقله فهتف بابتسامة محبة
-اتكلمى يا حبيبتى اتكلمى و متخافيش مش هتعصب عليكى
-توعدني
أردفت فتون بتلك الكلمة فاتسعت ابتسامة حسان هاتفا
-اوعدك قوليلي بقى مالك انتى زعلانه عشان انتى قاعدة مع بابا
أماءت له فتون براسها و هتفت
-أيوة انا عايزة ماما و عايزه اونكل عمار و جدو جمال و طنط عائشة و اونكل رأفت وزياد و زينب
اردف حسان بهدوء رغم تلك النيران التى اشتعلت بداخله من حب ابنته لتلك العائلة بل و تفضيلهم عليه
-ده انتى قولتى كل العيلة مش ناقص غير صفية مقولتيش اسمها ليه هى كمان بالمرة
حركت فتون راسها صائحة
-لا مش بحبها عاملة زي تيته عديلة و مش بتحبنى زيها و انا مش بحب اللي مش بيحبنى
تنهد حسان تنهيدة طويلة و هتف
-طيب اسمعى يا فتون ايه رائيك انا و انتى نبدأ صفحة جديدة انا عارف انى عمري ما اهتميت بيكى و يمكن كمان عمري ما عبرت لك عن حبى ليكى بس انتى بنتى و انا اكيد بحبك
-و انت بابا و غصب عنى لازم احبك عشان انت بابا و مهما عملت مش هزعل منك
اتسعت ابتسامة حسان و شعر بقلبه يرفرف من مكانه بسبب تلك الكلمات فهو كان صادق بكل كلمة هتف بها و سعد كثيرا بكلمات ابنته التى تدل على نضج عقلها رغم صغر سنها فهتف و هو يقبلها على جبينها
-ايه الكلام الجميل ده متتصوريش فرحتينى ازاي
-ده مش كلامى ده كلام ماما هى اللى دايما بتقولى انى لازم افضل احبك و مش ازعل منك مهما حصل و انا بحب ماما عشان كده بسمع كلامها
اختفت ابتسامة حسان تدريجيا و تنهد و هتف
-طب يلا يا حبيبتى نامى دلوقتى و قريب كل حاجه هتتصلح و ماما هترجع تعيش معانا
-طب و اونكل عمار هيعيش معانا برضو
حسان و هو يضغط على أسنانه
-لا يا حبيتى انا و انتو و ماما و بس
-بس ماما بتحب اونكل عمار
-بس بتحبك انتى اكتر و يلا نامى بقى
هتف حسان بتلك الكلمات و الغيره تتآكله و تنهش قلبه كلما تذكر بتغفيل إيمان له و زواجها من عمار متخيلا ما حدث بينهم
خرج من الغرفة و دلف غرفة والدته دون ان يطرق الباب فهتفت عديلة التى كانت تجلس على المقعد الذي يتوسط الغرفة
-حلوة اوعى الحركة دي كنت متوقعاها منك بس افرض كنت بغير و لا حاجه معقول معاشرتك لايمان تغيرك كده و تنسيك اللى علمتهولك و انت صغير
-بقولك ايه انا مش جاى اتكلم فى اتعلمت ايه و لا متعلمتش ايه انا عايز اعرف حاجه واحده بس انتى ليه بتكرهى إيمان و فتون معأن فتون تبقى حفيدتك و المفروض مش انا اللى اقولك تعمليها ازاى و بلاش تقوليلي حته انها بنت و انتى كان نفسك فى الواد اللى هيشيل اسم العيلة
عديلة و هى تزفر بضيق
-انت عايز ايه يا حسان دلوقتى
-عايز اعرف بتكرهى ايمان ليه !!
-انا مش بكرها و لا حاجه انا كل الحكاية انى اتخدعت فيها و كنت فكراها هتبقى كويسه و تفضل شايلة جميل اني خلصتها من أهلها و اللي هو كانوا بيعملوه فيها بس هى اتنمردت علينا و عضت الايد اللى اتمددت لها
-بلاش الكلام ده عشان مش داخل دماغى و متحسسنيش انك كنتى معيشاها في جنة ونعيم انتى مفرقتيش حاجه عن أهلها و عملتى معاها اكتر منهم
عديلة بغضب
-و لما انا وحشة اوي كده كنت سايبنى بعمل فيها كده ليه مكنتش بتدخل ليه ها ،ايه صعبت عليك دلوقتى،و لا حليت فى عينك لما خدها منك ابن المحمدي
أغمض حسان عينيه بغضب و ضغط على شفتاه بغل و هتف و هو يومأ برأسه
-انتى صح انتي صح
ثم خرج من الغرفه دافعا الباب من خلفه
_________________
