توقف جسد هيلدا بغير توقعها فأدارت وجهها نحو تونيا مستفهمة لتجد نظراتها عازمة نحو شيء لم تفهمه، نقلت نظرها إلى الأسفل حيث ما تزال تونيا تَلُفُ أصابعها حول معصمها بنوعٍ من المطالبة ثم سمعتها تتحدث بصوتٍ ثقيل
_لما غادرتي هكذا؟
لم تعلم هيلدا ما تجيب، توقف اندفاعها المعاكس تجاه الباب واستقر جسدها استعداداً لاستقرارعقلها علّها تعثر على ذبذبات صوتها في ثنايا حلقها المتيبس، كان تنفسها سريع فهي غير قادرة على الاستيقاظ من دوامة المفاجأة إلى الأن
"كنتِ منشغلة" أجابت هيلدا بصوت بسيط جداً شعرت بارتداده في حنجرتها وغشاها عطش مستعر
_لماذا لم تظهري أمامي إذاً؟
_انتظرتُكِ في غرفتكِ لكنك..
"ما تَركتِه كان يجب أن تعطيني إياه أنتِ" قاطعتها تونيا وهي تشدّ لفظها للحروف ثم حلّت أصابع يدها عن معصمها مخرجةً من جانبها اللوحة التي وجدتها فوق المكتب لتفهم هيلدا أخيراً ما تقصد مُحسةً بالارتباك وتقول
_تركتها هكذا لأعبر لكِ عن امتناني وأشكركِ
_لِما غادرتي مبكراً ذلك اليوم أيضاً؟
غير متأكدة مما عساها أن تقول أخفضت هيلدا رأسها مطبقة شفتيها بقوة حتى شعرت بألم التصاقهم معاً..رفعت يدها اليسرى لتستقر فوق ساعدها الأيمن قرب مرفقها، كانت بذلك انتقلت للنظر إلى اللوحة التي حملتها تونيا في حجرها فوق ركبتيها بينما ما تزال تجلس على طرف السرير.
كانت اللوحة تسدل الستارعن جانبٍ واحدٍ رفيع من عنق تونيا تدلى عليه الحَلَق المنتهي بالوريقة الفضية لكن هيلدا استبدلته بزنبقة ينبت ساقها بانسياب من داخل خصلات شعرها كرمليّ اللون لينتهي بزنبقة رقيقة ليلكية عند شمحة أذنها.
الصورة التي علقت بذهنها تلك اللحظة في البيت الزراعي ولم تستطع مقاومة رغبتها في دفقها فوق الورق بعد عودتها.
وجدت هيلدا نفسها قريبة دون أن تعي كيف خَطَتْ تلك الخطوات لتتقلص المسافة بينهما والتي كانت قد سمحت لها ببعض التعقل في ما يجري الأن، فالدكتورة تونيا فوربس كما كُتب فوق عريضة المكتب الفاخر في مستشفى فوربس الخيري وسيدة القصر الجميلة التي قالت مارني أنها تريد أن تصبح مثلها تجلس في نفس المكان الذي حمل نفس الأمنية قبل يومٍ واحدٍ فقط.
خرج كل شيء عن المألوف وعن وجود قطرة استيعاب واحدة في بحرالواقع عندما أسندت تونيا مقدمة رأسها إلى خصر هيلدا وهي تقف إلى جانبها وهمست بإعياء
أنت تقرأ
غابَ نهارٌ آخر
Romanceفي ظل السماح بدخول الكاميرات لقاعة المحكمة في أواسط الثمانينيات من القرن الماضي لنقل وقائع المحاكمات، لا تزال هناك قضايا لها حساسيتها وخصوصيتها حيث لا يُسمح بدخول وسائل الإعلام ويعوض ذلك وجود فناني الاسكتشات، هيلدا فنانة رسم قاعة المحكمة يتم اختيا...