صَحَتْ هيلدا تنبثق الرؤية تدريجياً لعيناها، يرشح منها العرق، مسحت جبينها لا يعقل أن يصل بها العرق إلى كل هذا البلل، أغمضت عيناها وهي تستشعر تونيا القاطنة خلفها، تتلمس يدها التي ما زالت تطوق خاصرتها فيشعل الدفء جسدها، حاولت الإلتفات لرؤية وجهها لكن منعها من ذلك مساحة السرير الممتلئة بها وبمارني أيضاً.
ظمأ النبيذ الشديد يغتال حلقها، تحتاج إلى التحرك بهذا الكم من البلل والشعور الكاسح بالعطش، أزاحت يد تونيا بغير رغبتها ونهضت ببطء، نظرت إليها أخيراً ولوهلة ظنّت أنها لن تجد شيئاً وسيكون الأمر كله مثل خدعة ساحر حاول إخراج المنديل من قبعته ولم يفلح، لكن تونيا كانت في سريرها حقاً تنام بعمق وإنعتاق كما لو أنها أنهت للتو مرحلة شاقة من عمرها.
سارت هيلدا نحو منعرج الغرفة وكادت تصل إلى الحمام لكنّها عادت خطوتين إلى الخلف ما إن لاحظت ضوء الحديقة المتوهج "هل نَسَت بايلي إطفاء الأضواء؟" حدثت نفسها وغيّرت مسار خطواتها نحو الفناء الخارجي، كادت تنزل مفاتيح الأضواء لكنها فزعت لوجود بيرنارد في الخارج جالساً على الأرجوحة الثابتة، بدا كأنه وحشاً طويل القامة.
"يا إلهي كِدت أن توقف قلبي" قالت وهي تتقدم نحوه تاركة الأضواء شاعلة "لما تجلس هنا؟"
"تظنين أنني فشلت؟" يقول ورأسهُ للأسفل
"أين إيف؟" جلست هيلدا كما لو أنها لم تسمع سؤاله قط وتابعت "هل تركت حبيبتك وحدها في الداخل وأتيت هنا"
"أنا..أنا لم أُفلح في أن أكون أباً" إختنق صوت بيرنارد، رفع رأسه ودلق النبيذ في حلقه دفعةً واحدة
أيقنت هيلدا جدية الموقف فهي علمت أن ما حدث مبكراً في الأمسية سيحفر داخله ذكرى أبيلا لكن كون إيف متواجدة ظنت أن الأمور ستكون على ما يرام، إقتربت منه وقطعت سكبه لكوباً آخر.
"بيرنارد أرجوك..أُنظر أنت أب مثالي ومشاكسة مارني لك كصديق أكبر دليل على ذلك، لديك إيف أيضاً الآن لا تُضِع هذه الأمور من يديك لأنك عشت ماضٍ صعب"
"لا أستطيع لا أستطيع أن أحب أحد حتى إيف أشعر أنني معها مثل هذا الحائط" إستعصي عليه البكاء، إلتقط دموعه أمام هيلدا التي فهمت وأعطته مساحته "لم أُرِد أن يحدث ذلك" يشهق "أن تموت"
"لا أحد أراد ذلك بيرنارد، لا أحد" غرقت نظراتها في الأفق، مدّت يدها إلى ظهر بيرنارد وأكملت بصوتٍ مكسور "على الأقل أنت لست سبباً في رحيلها"
إلتفت بيرنارد نحوها دون مبالاة للدموع الملتصقة بوجنته "لا هيلدا" قال بحزم "والدك بطلاً كان عليه أن يفعل ذلك ولو كنت مكانه لفعلت"
أنت تقرأ
غابَ نهارٌ آخر
Romanceفي ظل السماح بدخول الكاميرات لقاعة المحكمة في أواسط الثمانينيات من القرن الماضي لنقل وقائع المحاكمات، لا تزال هناك قضايا لها حساسيتها وخصوصيتها حيث لا يُسمح بدخول وسائل الإعلام ويعوض ذلك وجود فناني الاسكتشات، هيلدا فنانة رسم قاعة المحكمة يتم اختيا...