غاب آدم في نوبة سعال يشهق ويزفر النبيذ من أنفه وفمه ثم يحاول أن يتأكد من رؤيته للشخص الذي فعل ذلك، وبعد أن أعطاه أحد الرجال جانبه منديلاً ليساعدة في مسح وجهه، أكملت هيلدا دورانها حول الطاولة ووصلت إليه، شدته من ربطة عنقه فتدلى إلى الأمام مع صمت جميع من حوله حتى بدأت الطاولات الأخرى بملاحظة الأمر، هيلدا ثملة لكنها ثابتة كانت ثابتة في موجة الفعل والتفكير داخلها تجاه شيءٍ واحد وشخصٍ واحد فقط تونيا
"ماذا بحق الجحيم أنتِ فاعلة" تحدث آدم "أنا حتى لا أعرفك"
_ها أنت ستعرفني
وصل بيرنارد رفقة إيف إليهم بسبب الضجة، تراجعت إيف بينما أكمل بيرنارد تقدمه محاولاً إفلات آدم من بين يديها بينما هي تأبي، إلى أن إستحكم بيرنارد بقوته اليَقِظة عليها
وما إن قام بإبعاد هيلدا قدر الإمكان عن الطاولة خرج صوت آريسا التي قد وصلت بعد أن قفز الخبر من أفواه الجميع فوق الطاولات، إقتربت من آدم تتلمسه بإطمئنان "حبيبي من فعل ذلك بك" تنظر إلى هيلدا في إبتعادها وتكمل "سوف تدفعين ثمن ذلك فتاة رخيصة".
"ماذا تفعلين هيلدا، ماذا تفعلين..ماذا فعلتي" يصر بيرنارد على الكلمة كأن خلفها حقل ألغام سيتفجر
تأرجحت هيلدا من بين يديه، تبعهم جيري يركض مجنوناً بما حدث وأسند هيلدا من الطرف الآخر، أمعائها دخلت في إستثارة غاضبة تتجادل مع النبيذ الهادئ في جوفها، نزعت يد جيري من يدها وقالت بحنق "اتركني"
إبتعد جيري متوقفاً وبيرنارد يحاول مجاراة خطواتها السريعة "أُخرجي من ذلك هيلدا، أنتِ لا تعلمين بما أوقعتنا للتو، أأنتِ طفلة صغيرة؟ ماذا للجحيم تظنين أنكِ فاعلة"
فقدت هيلدا إتزانها بعد هذه الكلمات، خرجت دموعها أكثر تيبساً من صفائح حجارة الطريق المرصوف أمامها، شهقت أنفاسها بصوت أخاف بيرنارد وأخرجت كل ما في جوفها من نبيذ على قارعة الطريق، أغلق بيرنارد المسافة بينهما سريعاً، وحرّك يده الثابتة على ظهرها
"هييه تنفسي ببطء، أنا أسف، يا إلهي أنا أسف" يمسح على شعرها بيده الأُخرى
.......................................................
مضى أسبوعاً آخر، تجلس هيلدا في قاعة المحكمة تؤرخ ملامح أحد مسؤولين المدينة المتهم بالاختلاس، تقضي يومها بالإنتقال من قاعة لأُخرى، عيون إمرأة نادمة، ربطة عنق ملتوية لهذا المسؤول، وعيون مرتعبة لرجل تعدّى الأربعين عاماً دون قدرته عن الدفاع عن نفسه، تفاصيل كثيرة تحفرها في ذاكرتها وحين ينتهي يومها تقطع إلتواء منعطف طريق المحكمة نحو شقتها، طابق..طابقان..سلالم وباب خشبي، ينصهر ما في معدتها وينال الإرهاق من جسدها الملتف فوق السرير.
أنت تقرأ
غابَ نهارٌ آخر
Romanceفي ظل السماح بدخول الكاميرات لقاعة المحكمة في أواسط الثمانينيات من القرن الماضي لنقل وقائع المحاكمات، لا تزال هناك قضايا لها حساسيتها وخصوصيتها حيث لا يُسمح بدخول وسائل الإعلام ويعوض ذلك وجود فناني الاسكتشات، هيلدا فنانة رسم قاعة المحكمة يتم اختيا...