وقفت ما إن دخل القاضي الجلسة كما وقف الجميع، ترى ما يمكنها رؤيته في كل مرة كأنها خارج المكان وخارج نفسها، المحامين، المستشارين والقضاة المساعدين وآدم دون أي توانٍ مستعد للهجوم في أي لحظة بعيونه الفاحشة، لديها الجسارة الكاملة في الوقوف أمام كل هؤلاء، لا ينقص جسارتها قدراً كونها الآن متأكدة أنها دون نَسَبْ.
حتى لو سقط سقف القاعة فوقها لن تتراخي قوتها، ولو تقلصت الجدران القاسية على جسدها لن ترمش ضعفاً، قبل أن يجلس القاضي ويقر بدء الجلسة، فُتح الباب ببطء جاذباً أنظار الجميع بصوت مزلجاته الصدئة، تستأذن هيلدا القاضي بالدخول فيمرر لها الإذن.
حين رأتها قبل دقائق على سلالم المحكمة كانت مغادرة ولا فكرة لديها عمّا عادت تفعله خطواتها هنا، تراقبها وهي تتقدم وتجلس جانباً إلى ثلاثة أشخاص من الحاضرين، يجلس الجميع دون جلوسها وهي تنظر إتجاه هيلدا من خلف نظاراتها دون ملاحظة أحد أين بالفعل تتجه نظراتها، يخبرها المحامي آندرو بضرورة الجلوس فتطيع ذلك ببساطة، وحين تقوم بخلع نظارتُها تظهر عيناها حازمة وحادة المعنى، تشعر بنظرات هيلدا نحوها لكنها لا توجه نظرها بشكل مباشر إليها أبداً، تتذكر كل شيء عن تواجدها قبل ذلك في نفس القاعة، أول مرة قابلتها في قاعة محكمة برستل وسألتها ماذا ترسم؟ لقائهما بعد ذلك في تلة كليفتون وجسرها المعلق واللوحة التي نُشرت في الصحف صباح أحد الأيام، ووالدها الذي رحل، كل هذا إلى أن يُضي عَصَبُها وينبض حين تذكرقولها لها أُحبكِ.
محامي آدم يتقدم قاطعاً كل شيء، يقدم وثائق ويُوضّح كيف أن موكله السيد آدم فيدريك فوربس الأحق بأن يدير أموال أبيه الراحل، بينما محامي تونيا يدافع عن أحقيتها بفعل المثل، نظر القاضي في الملفات، أنزل القاضي نظارتُه الشفافة موجهاً الكلام نحو آندرو "هل لديك أي شيء يثبت أن السيدة تونيا هي فعلاً تونيا فيدريك فوربس؟"
يخطو المحامي ويقدم له ورقة تثبت وضع السيد فيدريك أملاكُه كلها تحت وصاية تونيا ويخبره أنه أعلن ذلك في أمسية تحت سمع ونظر الجميع، لكن القاضي يعترض
_أنت تعلم سيد آندرو أنه إن لم يكن هناك أي شيء يُثبت أنها إبنته الشرعية فهذه الوصاية باطلة وتذهب لإبنه الشرعي.
_لكن سيدي ما عليك معرفته أن آدم فوربس قد هددها في أكثر من مرة إنه لا يراعي أي قانون..
_أنا لستُ مهتم بهذا، هذه تداعيات أخرى، سؤالي كان واضحاً، هل هناك شيء رسمي يثبت أنها من ابنه شرعية بعد رحيل السيد فيدريك
"لا سيدي القاضي" يجيب آندرو قاطعاً إندفاعه بالحديث عن الأمور الأخرى
إتجه نظر القاضي نحو تونيا، وسأل مجدداً "هل لديك أي شيء يثبت نسبك لأحد آخر"
أنت تقرأ
غابَ نهارٌ آخر
Romanceفي ظل السماح بدخول الكاميرات لقاعة المحكمة في أواسط الثمانينيات من القرن الماضي لنقل وقائع المحاكمات، لا تزال هناك قضايا لها حساسيتها وخصوصيتها حيث لا يُسمح بدخول وسائل الإعلام ويعوض ذلك وجود فناني الاسكتشات، هيلدا فنانة رسم قاعة المحكمة يتم اختيا...