غافلها النوم مجدداً كاسراً يدها المنتصبة على الطاولة الفاصلة بين خزائن الأدوية من خلفها وأضواء مركز التسوق المقابلة لها، تنعكس من خلال واجهة الباب الزجاجية، خفتت هذه الأضواء تدريجياً حتى بدا لها الشارع الآن كلوحةٍ صمّاء.
الشارع ميت، لم تعلم لماذا أصبحت الحياة سريعة الصخب والهدوء في أنٍ واحد، في أيامٍ باكرة كانت ترى شخص يركض في الشارع ويصرخ دون سبب، حبيبين مغامرين بالهروب من أعين الناس نهاراً، وحتى مجموعة من الأشخاص يتسامرون و يدخنون السجائر في الشتاء القارس.
أما الآن لا تكاد تلمح أيّا من تلك المشاهد البطيئة الممتلئة بالحياة، "ربما أنا من تغيّرت؟" سألت نفسها! تغيرت نظرتها لكل شيء وما زالت تطمع بعيش أيامٍ بعيداً عن حياتها الرتيبة، لكن ما هي تلك الحياة! لم تكن تعلم.
نفضت عنها هذه الأفكار المنومة الممتدة إلى اللاشيء، انتصبت بجسدها ومشت خطوات قليلة لتنشط ذاكرتها وتدربها على الاستيقاظ، ذهبت يميناً أكثر مع تركيز رؤيتها على لوحة الشارع التي بدأ إطارها بالإتساع، ظهرت لها سيارة متوقفة رغم خلو مفترق الإشارة من غيرها.
راقبت بدقة لحظة تغير الاشارة لترى ما إن كانت السيارة ستتحرك أم لا، لكن نزعها من ذلك سحب الباب الحديدي لمركز التسوق بعد أن أقفله صاحبه، السيارة نفسها ما زالت متوقفة وهذا المشهد المتكرر أمامها عشرات المرات أشعرها أن هناك شيء ناقص، لا روح في الأشياء، لا روح!
لم تمتد في سرد ما في اللوحة، خرجت ظلال الشارع القاتمة من قلبها و انصبّ تركيزها المتقطع على رنين الهاتف ~القلب يعشق كل جميل~ لم تتحدث الست إلا هذه الكلمات قبل أن تضغط زر استقبال المكالمة ليتكدر صوت أم كلثوم بصوت شقيقتها "ألن تصعدي؟"
لم ترد ندى في شرودها، لم تزل متأثرة بالهدوء المصاحب لعقلها وللمكان، بشكلٍ ما كانت تعتقد أن الهاتف مخبّأ في حلم ما زالت تحلمه
_سيطلع الضوء أريد أن أنام ارحمينا!
....._
*تأخرتِ كثيراً
"دقائق وأصعد" خرج صوتها كأنها تُنهي كلماتها لليوم بعد أن سمعت تَدَخّل والدتها الأخير، لم تعثر على كلمات أٌخرى، ولا صوتٍ آخر، تجردت من قميصها الأبيض وعلقته على الشماعة، سيصعد الصباح وما زال الدوار يحيط بها.
من بين كل علب الدواء فكّرت لماذا لا تلتقط واحدة وتبتلعها كلها، ربما يكون الأمر أسهل في التجاوز، تجاوز أي شيء، تجاهلت الفكرة وأطفات الأضواء تدريجياً، أضواء الرفوف الداخلية المعبئة بعلب الدواء، مشت في اتجاهٍ ثابت نحو معلقات الأطفال وأغراضهم، تنهدت إذ علمت أنها بحاجة إلى استيراد دفعة جديدة، هذا العالم مشغول في التكاثر والإنجاب.
أنت تقرأ
نَدَى الليل
Romanceلأن قلب الأنثى إذا ما إلتقى بمثيله في الحب فقد أنزل كل ما عليه من ثقل، أصبح خفيفاً يحمل الدم إليه كـندى الزهر. حكاية لربما تعبر عن شيء، أو أيّ شيء.