الصفحة التاسعة

1.4K 92 39
                                    

اندمج ثقل حركة رقّاص الساعة بنبضها الذي صعد إلى حلقها، حاولت إخراج  صوتها لكن هذه الدقات حجزته في قاع حنجرتها، شعرت بالعرق يتصبب بين ثنايا شعرها ما إن رأته يسيل بغزارة على جانبي جبين الفتاة التي أنهت نظرتها الحادة نحوها حين أردات طلب الإسعاف لتلهث بعدها أنفاسها وتقف عن الكرسي.

بقيت ندى ثابتة في مكانها عالقة في نظرة الفتاة التي لم تدم أكثر من دقيقة لكنها نبشت في ذاكرتها نفس النظرات، نظرات الفتاة المعتمة في المرات التي أتت بها للصيدلية وأثناء توزيعها الإعلانات في المركز التجاري، كذلك حين قبض السيد عليّ على معصمها في مطعم الفندق، استشعرت أن هناك شيء لابد لها من فهمه خلف هذه الفتاة قبل أن تُقدِم على أي تصرف.

لمع في ذهنها أيضاً حين ساعدتها لتهدئة الصبي المفجوج رأسه، تذكرت ابتسامتها الهادئة لها في قاعة الزفاف، وأجل إنها متيقنة تماماً الآن أنها من أنقذت الطفلة الصغيرة أول يوم رأتها به. 

"توقفي!" حسمت ندى الصراع في ذاكرتها بينما تغادر الفتاة بخطواتٍ تشبه في ثقلها وبطئها خطوات طفل صغير يخطو لأول مرة.

 "سأضمد جروحك، وأوقف هذا.." نظرت لعضد يدها من الجانب كذلك خيط الدم على ساقها وأردفت بصعوبة "هذا النزف، إن لم تريدي أن نطلب الإسعاف!"

"لا داعي" قالت الفتاة وهي تختنق بالسعال، وصلت للباب وأدارت المقبض لتتجه ندى نحوها حاملةً بعضاً من الضمادات المطهرة "أنا أفعل هذا لأنه واجبي، على هذا الحال لن تتمكني من قطع خطوتين في الخارج ولن يكون مناسباً لكِ أن تسقطي منتصف الطريق في هذا الوقت من الليل"

أرخت الفتاة يدها عن مقبض الباب كما لو أنها اقتنعت بحديث ندى التي تحركت للخلف سحبت لها الكرسي ومجدداً بصوتٍ هادئ منتمي لشيءٍ ما بداخلها "ارتاحي هنا، يمكنك المغادرة بعد أن ترتاحي ويصحو الضوء"

سكنت الفتاة قليلاً لتتحرك هي بالشاش المطهر اللاذع على الجرح الغميق في يدها، لاحظتها ندى منطفئة حتى أنها لم تشعر بلسعة المطهر على شقّ الجرح، تعجبت ندى لكنها أكملت بتأنٍ، سارت فوق جميع الرضوض على جلدها المزرق، حين وصلت لتمسح الدماء عن ساقها أحست برجفتها التي ما لبثت أن تحولت لرد فعل قوي حيث دفعتها طالبةً استخدام المرحاض.

أشارت ندى لها للغرفة الداخلية في الصيدلية لتذهب بتعجل نحوها، بقيت ندى لثوانٍ في مكانها قرب الكرسي الفارغ تفكر أنها رأتها بوقتٍ مبكر أمام المركز التجاري مساء البارحة  حين جلست هي وأيمن في الحديقة المقابلة، كانت توزع الإعلانات بلباسٍ رسمي، ما الذي جعلها في ساعات قليلة بحالٍ يرثى له؟! 

نَدَى الليلحيث تعيش القصص. اكتشف الآن