أحكام التقليد
(مسألة 1): تتضمن الشريعة الإسلامية المقدسة واجبات ومحرمات، يجب على كل مكلف أن يحرز سلامة موقفه منها وامتثاله لها، ولا يتحقق - في الغالب - إحراز ذلك ممن لم تتوفر فيه ملكة الاجتهاد إلا باعتماد أحد طريقين:
1- التقليد: وهو أن يعمل المكلف وفق فتاوى المجتهد المتأهل للتقليد.
2- الاحتياط: وهو أن يعمل على النحو الذي يتيقن معه ببراءة ذمته تجاه ما هو مطلوب منه في الواقع، فلو احتمل وجوب الإقامة في الصلاة - مثلاً - كان عليه أن يأتي بها، وعلى العكس لو احتمل تحريم التدخين - مثلاً - فاللازم عليه إذا أراد أن يحتاط أن يجتنبه.
وفي حالات أخرى قد يستدعي الاحتياط تكرار عمل واحد بصور مختلفة، كتكرار صلاة الظهر - مثلاً - مرة قصراً وأخرى تماماً في بعض حالات السفر.
وحيث إن معرفة الأسلوب الذي يتحقق معه الاحتياط يحتاج في العادة إلى خلفية فقهية واسعة، وهي غير متوفرة لأكثر شرائح المجتمع الإسلامي، بالإضافة إلى صعوبة الاحتياط في غالب الأحيان وتعذره في حالات أخرى، كل ذلك قد جعل (التقليد) هو الأسلوب العملي والأمثل لمعظم المكلفين للخروج عن عهدة الأحكام الشرعية المتوجهة إليهم.
(مسألة 2): سن التكليف في الأنثى يبدأ من حين إكمالها تسع سنوات هلالية، وفي الذكر من حين إكماله خمسة عشر سنة هلالية، ولكن لو نبت له الشعر الخشن في منطقة العانة، أو خرج منه السائل المنوي - بالاحتلام أو في حال اليقظة - قبل أن يكمل سن الخامسة عشرة اعتبر بالغاً شرعاً.
(مسألة 3): يتأهل المجتهد للتقليد إذا توفرت فيه الأمور التالية:
(1) البلوغ.
(2) العقل.
(3) الذكورة.
(4) طهارة المولد، بأن تكون ولادته قد تمت وفق الضوابط الشرعية أي من غير سفاح.
(5) الإيمان، بأن يكون من أتباع مذهب الإمامية الإثني عشرية.
(6) العدالة، ونعني بها الاستقامة على خط الإسلام وعدم الانحراف عنه، بأن يؤدي ما هو الواجب عليه في الشريعة ويتجنب ما هو المحرّم عليه فيها.
(7) الضبط، ونعني به أن لا تعرض عليه كثيراً حالات الخطأ والنسيان والغفلة فيما يمسّ اختصاصه الفقهي.
(مسألة 4): إذا تعدد المجتهدون الذين تتوفر فيهم الشروط المتقدمة واختلفت فتاواهم - كما هو الحاصل غالباً لأن الاجتهاد مثار الاختلاف - فهنا عدة صور أهمها ما يلي:
(الصورة الأولى): أن يثبت لدى المكلف أن أحدهم المعين أعلم من الباقين، ففي هذه الصورة يتعين عليه تقليده.
(الصورة الثانية): أن يثبت لدى المكلف أن اثنين - مثلاً - منهم أعلم من الباقين، مع تساوي الاثنين في العلم أو عدم ثبوت أعلمية أحدهما من الأخر، وفي هذه الصورة إن ثبت لدى المكلف أن أحدهما أورع من الآخر - أي أكثر تثبتاً واحتياطاً من الجهات الدخيلة في الإفتاء بكونه أكثر مثابرة على تتبع شؤون كل مسألة يمارس استنباط حكمها - وجب عليه تقليده، وإن لم يثبت لديه ذلك تخير في تطبيق أعماله مع فتاوى أيهما شاء، إلا في بعض الحالات الخاصة الموضحّة في رسالة (منهاج الصالحين).
(الصورة الثالثة): أن يثبت لدى المكلف أن أحدهم أعلم من الباقين، لكنه لم يستطع أن يتوصل إلى تعيينه بشخصه، وفي هذه الصورة يلزم المكلف رعاية الاحتياط بين فتاوى مجموعة المجتهدين الذين يتيقن أن ذلك الأعلم هو في ضمنهم. ولهذا الحكم استثناءات معينة تراجع بشأنها رسالة (منهاج الصالحين).
(مسألة 5): تثبت الأعلمية:
1- بشهادة شخص ثقة إذا كان من أصحاب الاختصاص في هذا المضمار كالمجتهدين الأكفاء أو من يدانيهم في العلم، شريطة أن لا تعارضها شهادة مثلها بالخلاف (معاكسة لها)، ومع التعارض يؤخذ بشهادة من كان أكثر خبرة وكفاية في هذا المجال.
2- بالعلم والاطمئنان الحاصل من مناشئ مقبولة ومتعارفة، كالشياع بين أهل العلم والفضل، وكالاختبار إذا كان الشخص متمكناً منه.
(مسألة 6): من اعتقد أعلمية أحد المجتهدين فقلده، ثم ظهرت له أعلمية غيره لزمه العدول إليه.
(مسألة 7): إذا مات مقلّد المكلف، فإن كان أعلم من جميع المجتهدين الأحياء وجب البقاء على تقليده، بلا فرق بين ما عمل به من فتاواه وما لم يعمل به، وبين ما تعلمه منها وما لم يتعلمه. وإذا صار الحي على مرور الزمن أعلم منه وجب التحول إليه كذلك، فإن التقليد يدور مع الأعلم كيفما دار وجوداً وعدماً.