الفصل الثاني والتسعون

44.8K 2.7K 1.2K
                                    


قراءة ممتعة مع الفصل ..

في انتظار تعليقاتكم الداعمة


الفصل الثاني والتسعون

بنفس القبضة القوية المحكمة حول عنقه، والغضب الذي لم يهدأ بعد، دفعه "تميم" دفعًا بخشونةٍ أمامه إلى خارج المنزل؛ وكأنه يُلقي بقمامةٍ مهملة، لا مكان لها هنا، ليضمن عدم عودته بعد مغادرة الجميع. حاول "فضل" المناص منه، فلم يقوَ على هذا، رغم كون الأخير في غير كامل قوته، ويستخدم ذراعًا واحدة، وبالكاد يسير باستقامة، أظهر فقط قدرًا مما يشحذه ضد سماجته المفرطة. لم يحرره، وصــاح كأنما يحادثه:

-عايزك في كلمة برا يا... راجل.

طريقة تلفظه بالكلمة الأخيرة عنت أنه أراد إهانته، وليس مدحه كما يظن البعض. أدار "تميم" رأسه للجانب، عل الحظ يبتسم له، ليحظى بفرصة أخرى لرؤية إشراقة حدقتيها، ذاك البريق الذي تلألأ فيهما بوضوحٍ، بعد أن أظهر جانبه الآخر المدافع عنها. وقد حدث ما رجاه، حيث كانت "فيروزة" في إثرهما لغلق الباب، تطلعت إليه بطريقة جعلت الروح تشتاق، والأحزان تذوي، شتته عنها قليلاً برطمة كتلة الغباء القابض عليه، أجلى صوته، وأمرها بإشارة مدعمة كذلك من عينيه:

-اقفلي يا أبلة عليكم.

علقت عليه بنعومةٍ، رافقتها ابتسامة ممتنة، زادت من لهيب الأشواق:

-حاضر يا معلم.

وقبل أن توارب الباب تابع بلهجته الجادة، وعيناه قد تحولتا لتحدج "فضل" بقتامةٍ أرعبته:

-زيادة أمان، عايز أسمع صوت الترباس.

استجابت لأمره، وأغلقت الباب ليسمع بوضوحٍ حركة القفل فيه، عند تلك اللحظة ارتخت قبضته عن مؤخرة رقبة "فضل"، ليس لتحريره، وإنما لدفعه بظهر ساعده من عنقه نحو الحائط، حاصره برأسي عكازيه الطبيين، وضغط على مجرى تنفسه، ليقطع الهواء عنه، ثم بيده الأخرى أشهر مطواته، وجعل بريق نصلها الحاد ينعكس في عينيه المذعورتين، أخفض يده قليلاً ليلصق النصل المدبدب في جلد صدغه، همس له من بين أسنانه المضغوطة:

-إنك تستقوى على الحريم مش مرجلة.

تلوى "فضل" بجسده محاولاً تحرير نفسه، والتقاط أنفاسه المقطوعة، على أمل الفرار من أمام شرارات غضبه الحارقة؛ لكنه كان عاجزًا تحت قبضتيه، مسلوب الإرادة والقوى. خفض "تميم" النصل للأسفل، ليغرزه طرفه الحاد عند بنطاله، وتابع تهديده الهامس له:

-عشان لو اتكررت تاني، هاشيلك الحتة اللي مخلياك تفكر نفسك كده!

نبرته الجوفاء، مع نظراته المظلمة، أكدت أنه لا يمزح مطلقًا في تنفيذ كلامه. استمر "تميم" في الضغط برأسي عكازيه على عنقه، حتى بات لون بشرته أزرقًا، حرره بعد أن سدد لكمة قاسية بركبته في أسفل معدته جعلته يسعل ويئن في ألم شديد، قبل أنه يكومه بجانب صندوق القمامة. نظر له باحتقارٍ مشمئز، ثم أمره مهددًا:

الطاووس الأبيض ©️ - الجزء الثالث - كامل ☑️حيث تعيش القصص. اكتشف الآن