الفصل مائة وأربعة عشر

44.9K 2.7K 783
                                    


مساءكم ورد
معلش اتأخرت عليكم ..


الفصل المائة وأربعة عشر

(شرُّ الدمعِ ما ليس يُراق)، ترددت تلك الكلمات في رأسها طوال الليل بعد أن قرأتها على إحدى المواقع الالكترونية المهتمة بنشر أبيات الشعر، شعرت "فيروزة" وكأن هذا البيت الشعري يوصف حالها بشكلٍ أو بآخر، فقلما بكى على ما أصابها أحدهم بصدق، نادرًا ما وجدت تعاطفًا حقيقيًا من قريبٍ يُدعمها، دومًا كانت بمفردها، تسعى بصلابة للظهور بمظهر القوة والثبات، إلى أن تصدعت روحها، وتآكلت تدريجيًا، فأصبحت عاجزة عن الصمود، أوشكت على الانهيار، وكادت تستسلم لظلامٍ استدعته، لولاهم!

المدهش في الأمر أن آخر من استبعدت مؤازرتهم كانوا في الصفوف الأولى في كافة المواقف التي احتاجت فيها لهذا! وقفوا إلى جوارها دون كللٍ أو ملل، دون مذلة أو إشفاق، أرادوها قوية الشكيمة، صلبة الإرادة، غير متخاذلة القوى، وسعوا بشتى الطرق إلى إعادتها لما كانت عليه، وها هي الآن تشحذ طاقتها للنهوض بعد عثراتها القاسية.

بسطت "فيروزة" كفها من جديد، لتبرز الميدالية الفضية المخبأة بداخلها، حملقت فيها بنظرات طويلة يتخللها الحيرة والتفكير، تنهدت متسائلة مع نفسها:

-ليه بتعمل معايا كده؟

قليله الصــادق مسَّ روحها حينما اعترف بنزقٍ أنه اشتاق لنبرتها، أغمضت عينيها، وأطبقت على راحتها محتضنة الميدالية من جديد، وهذا الصوت القوي يستاءل في عقلها:

-اشمعنى أنا؟

ومض في مخيلتها ذكرى اكتشافها لمشابك الرأس ومنديلها الضائع، اعتصرت ذهنها عصرًا محاولة تفسير كيفية اقتنائه لهم، والسؤال الأهم الذي تفتش عن إجابته لماذا يحتفظ بخاصتها في غرفته؟ تجددت مخاوفها من احتمالية ظن زوجته السوء بها آنذاك، ولذا كانت تهاجمها بجنونٍ لكونها تعلم بأن تلك أشيائها، فهناك دليل مادي ملموس يُدينها؛ لكن عاد عقلها ليبرر لها، لماذا تشك بها تحديدًا دونًا عن بقية النساء؟ أليست أشيائها عادية شائعة الانتشار في الأسواق المحلية؟ لما الخوف إذًا؟

توقفت "فيروزة" عن تفكيرها التحليلي حينما سمعت صرير الباب وهو يفتح بحذرٍ، لازمت الهدوء لتبدو مستغرقة في نومها الزائف، أحست بحركة أقدام خفيفة تدنو من فراشها، ثم شعرت بيدٍ تمسح بحنوٍ على صدغها، أرهفت السمع لصوت والدتها وهي تدعو لها بهمسها الدافئ:

-ربنا يبعد عنك أي شر، ويوقفلك ولاد الحلال.

انحنت عليها لتطبع قبلة صغيرة على جبينها، ثم انسحبت في هدوءٍ كما جاءت، بمجرد غلق الباب فتحت "فيروزة" عينيها، وأمنت على دعائها قائلة بصوتٍ خفيض للغاية:

الطاووس الأبيض ©️ - الجزء الثالث - كامل ☑️حيث تعيش القصص. اكتشف الآن