الفصل مائة وخمسة

42.6K 2.6K 1K
                                    


مساءكم زي الفل ..

يا رب تكونوا بخير، باعتذر لو الفصل قصير قليلاً، يومي كان مشحون حبتين، وكنت فعلاً مرهقة، ويدوب حاولت أكتب اللي كان ناقص من الفصل بدلاً من إرجائه ..

قراءة ممتعة


الفصل المائة وخمسة

صراعها معه لم يكن مجرد خصومة عادية، ينتهي النزاع فيها بجلسةٍ عرفية، أو بتدخل وساطة عائلية لعقد مصالحات وهمية؛ لكنها حربٌ ضروس بين شهادة الحق، ولسان الزور. دفعتها كل المشاعر المكبوتة بداخلها، والتي فاقت حد الاحتمال الطبيعي، للانتفاض مجددًا من قوقعتها، واستعادة إدراكها الحسي، ليبدأ وعيها في التيقظ والانتباه لما يحدث حولها. في البداية كانت الأصوات متداخلة، متزاحمة، غير مفهومة لها، تكاد تصيبها بالصمم، ومع القليل من التركيز تبينت أن ما خاضته ليس بكابوسٍ عابر، وإنما واقع أليم فُرض عليها القتال فيه لإثبات طهرها، وأن عفتها لم تدنس.

شرفها الذي ما زال كما هو، لم تمسه يد، ولم يره مخلوق، كيف يستبيح الخوض فيه هكذا بجراءة وفُحش؟ استعر الغضب في أحشائها، وغزا كامل عروقها، لتصبح كل خلية فيها كجمرة لم تغرب النار عنها. صوت "فيروزة" الجريح زأر مرة أخرى بحرقةٍ زادت من وهج النيران المشتعلة في صدره:

-هاقتلك، والله ما هاسيبك يا بغل.

تركزت كل الأنظار معها، وأسرعت "همسة" في احتضان توأمتها، محاولة دعمها بقولها غير المجدي:

-ربنا هينتقم منه، اهدي بس يا حبيبتي.

في غمرة انفعالها، دفعتها بقسوةٍ لتبعدها عن طريقها، وأصرت على الاقتصاص منه فصاحت بكل عنفوانها:

-هموته، ده الحل الوحيد.

ردت عليها "ونيسة" بغيظٍ:

-والله معاكي حق، اللي زيه يستاهل الموت بدل المرة عشرة.

ثم مصمصت شفتيها متابعة بانزعاجٍ:

-ده عرض ولايا اللي خاض فيه.

أضافت عليها "هاجر" بتوجسٍ:

-والناس مابتسبش حد في حاله، حتى لو متكلموش قصادنا بحاجة تجرح، هيلسنوا بكلام مش حقيقي.

نفس الكلمات تتردد، نفس العبارات المبطنة التي تودي بها إلى خيارٍ لا مناص منه، وإن لم تبح به الألسن بعد؛ لكنها لم ولن تلجأ إليه أبدًا مهما دفعتها الظروف، لن تسمح لأحدهم بالانتقاص منها، بسحقِ البقايا الصامدة فيها. ثارت ثائرتها من جديد بعصبيةٍ مضاعفة استغربها من حولها:

-والله لموته، مش هاسيبه يعيش.

وكأن بكلماتها العنيدة تستثير حمئته أكثر وأكثر، فلم يعد يطيق البقاء ساكنًا، فاندفع بعزم ما فيه للخارج قاصدًا تلك المرة نحر عنقه، وإن كان في هذا سجنه للأبد، لتحيا هي كريمة، حرة، مرفوعة الرأس، على أن يدعس حقير مثله طرفها! تجاهل "تميم" نداء جده وهو يَزْعق من خلفه:

الطاووس الأبيض ©️ - الجزء الثالث - كامل ☑️حيث تعيش القصص. اكتشف الآن