الفصل الخامس والسبعون

42K 2.3K 625
                                    


قراءة ممتعة مع الأحداث ..

في انتظار تفاعلكم الطيب


الفصل الخامس والسبعون

ساد لأقل من دقيقة سكون مشحون بمشاعر مختلفة في حدتها؛ لكن اشتركت جميعها في خوفها، لحظة بدت حاسمة، جعلت القلوب تقفز رعبًا، والأعين تشخص هلعًا، من المشهد المحمل بكل معاني الارتياع، امتلأت حلوقهم بأغبرة لا حصر لها، بعد أن تحول كل شيءٍ للإظلام فجأة، قبل أن تتضح الرؤية وسط ركام التصدعات التي طالت من المبنى. ظل المحاصرون بالداخل يسعلون بحشرجةٍ مؤلمة، ويتفلون ما التقطته أفواههم، هذه الأصوات المتحشرجة، أعطت بارقة أمل، بأنهم لا يزالون على قيد الحياة .. صوتًا صارمًا تخلل الجدران ذات الشقوق الكبيرة يأمر المتواجدين، بتحذير شديد اللهجة:

-كله يطلع من هنا، وحاسبوا النار يا جدعـــــــان.

بدت كريشة يتقاذفها الهواء العنيف، مع قوة الانفجار؛ لكن لحسن حظها تكومت على كتلٍ من اللحم البشري، كانت كالدرع لها، حيث دفعتها الأجساد المسرعة نحو طريق الخروج، والذي بدا بعيدًا للغاية، رغم الأمتار المعدودة التي تفصلها عن المدخل. لم تعرف "دعاء" أي يدٍ جذبتها لتنجدها؛ لكن سعادتها بنجاتها من هذا الجحيم المستعر فاقت خوفها الحقيقي، نظرة زائغة ألقتها على عمارتها المعبقة بالأدخنة والغبار، اتسعت عيناها على آخرهما، وقد رأت ألسنة اللهب تنطلق من نافذة منزل "سماح"، تأخيرها للحظات عن الصعود إليها، كان السبيل لإنقاذ حياتها من موتٍ محتوم. خارت قواها مع عظم المُصاب المفجع، أيادٍ أخرى تلقفتها، وأبعدتها عن محيط الخطر، تذكرت والدتها فجأة، كانت تتحدث إليها قبيل الانفجار المدوي، انخفضت أنظارها نحو يدها، هاتفها المحمول ليس بها، ربما سقط منها سهوًا خلال انشغالها باللحظات المميتة التي مرت بها، أصابها القلق الشديد، فوالدتها حتمًا ستموت فزعًا إن ظنت أنها لقيت حتفها، آملت أن تستطيع الوصول إليها لطمأنتها، عل أحد الجيران يتكفل بهذا.

.....................................................

تعاون أهالي المنطقة على إخراج السكان المحتجزين بالداخل، عائلة وراء الأخرى، لضمان سلامة الجميع، وبقيت فقط أسرة "خليل" المحتجزة داخل منزلهم، بسبب النيران المنبعثة منه. تجرأ أحدهم -ممن يملك سمات الشجاعة والإقدام- على اقتحام المنزل، قفز فوق كومة تحترق، ليقف في بقعة تخلو من الألسنة الجائعة، غطى فمه وأنفه بذراعه، ثم تلفت بعينين تحرقهما الحرارة العالية باحثًا عن ناجين، انتفض في صدمة، عندما تجمد بصره على الأريكة، حيث رأى مشهدًا تقشعر له الأبدان، وجعله يشعر بالغثيان، ورغبة عارمة في التقيؤ، عجز لدقيقة عن إبعاد أنظاره عن جسد "سماح" المتدلي عليها، تفحم معظم جلدها، وطُهي جزء آخر؛ وكأن جثتها كانت معلقة عل حاملٍ في حفلٍ للشواء، هلل مستغيثًا في ارتعابٍ:

الطاووس الأبيض ©️ - الجزء الثالث - كامل ☑️حيث تعيش القصص. اكتشف الآن