وضعت نظاراتها الشمسية فوق عينيها تحجب هيئتها الشاحبة عن أولئك الأغراب ! لم يُخبرها بمدى علاقته بذاك القصر المنيف .. لم يقص عليها حرف واحد مما يحدث حولها ! أيعاملها معاملة الغرباء أم هكذا هُيئ لها !! مئات الأفكار و التساؤلات تجوب عقلها و قلبها منذ صباحه الجاف معها ! هى وحدها !! لقد أكمل طريقه يُمازح الصغار الذين اجتذبهم إليه بحلوى و بعض السكاكر المفضلة لديهم ! لوهلة رغبت أن تكن مثلهم ! طفلة ! لا تفقه شيئ من التعاملات و التواصل البشري المُدمر للشعور ! لا تفقه تلك المعاني القاسية !! لا تفقه ذاك العشق المروع لفؤادها ! لا تفقه بني البشر منذ اشتد عودها !
تنهدت بشرود و هى تراه يهبط من السيارة متجهاً إلى رجل يماثله بالعمر تقريباً يرحب به ترحيب حار و ذاك الرجل يصحب حورية معه يُحيط خصرها و كأنه يخاف فرارها ! هكذا يفعل زوجها أيضاً ! أو كان يفعل !! لقد تناسى تواجدها معه ! فرت دمعة ساخنة من عينيها و أرتعش فكها من فرط ما تشعر به من قهر لها الآن دون مبرر يُذكر !! رُباه ماذا فعلت لتنَل ذاك القسط الوفير من الخذلان !!
أسرعت أناملها تُزيح تلك القطرات الساخنة و هى تراقبه يتقدم منها رفعت رضيعها تقبل خصلاته الناعمة و تُعيد هندام ملابسه الصغيرة لتجِده يتشدق بصوته الرجولي المغلف بنبرة رسمية واضحة حين اقترب من النافذة :
- مش هتنزلي ؟
حدقت بملامحه المرهقة المغلفة بصرامة مبالغ بها معها هى فقط ! حيث ابتعد عن النافذة خلال اللحظة الثانية يفتح الباب الخلفي للصغار معاوناً إياهم بالهبوط !! لأول مرة لا يهتم لأمرها خاصة حين تحمل الصغير بأحضانها ! فرغت فاهها لفعلته أمام الجميع و اتسعت عينيها حين وجدت تلك الفاتنة تُقبل نحوها ! امتدت يد الجميلة إلى بابها ثم فتحته لها تمد ذراعيها نحو الصغير تقول بنبرتها الرقيقة و صوتها الناعم للغاية :
- هاتيه عشان تعرفي تنزلي ! غالباً اتشغلوا بدخول الشنط !!
أتبرر فعلته !! أغمضت عينيها و ابتسمت لها بألم ثم أودعتها الصغير و جمعت متعلقاتها تراقبها بطرف عينها بقلق أم واضح تبخر حين وجدتها تضم الصغير إلى صدرها بلطف و تقبل وجنته المكتنزة تنظر حيال ذاك الرجل الذي أقبل نحوها يحيط خصرها مرة أخرى و تهتف بحماس :
- ماشاء الله !! بص يافهد !! جميل أوي !!!
أغلقت باب السيارة تنظر إلى ذاك الرجل الذي يخشى فراق زوجته إلى تلك الدرجة تستمع إليه يهمس بلطف بأذن زوجته :
- فعلاً بس مش أجمل منك !
أخفت بسمتها حين تسربت كلماته إلى أذنيها خشية أن تُشعرها بالحرج حيث تلون وجهها و نظرت إلى ملامحها و كأنها تُخمن إن كانت استمعت إلى همسات زوجها أم لا !! ثم مدت "رنيم" يديها لتتناوله لكن أعلن الصغير عن ضحكات فرحة متتالية و مد أنامله يحاول القبض بلطف على خصلات تلك الجميلة لتهتف بلطف و هى تحاول استعادته :
أنت تقرأ
أصفاد مخملية الجزء الثاني من "حصونه المُهلكة" و "لهيب الهوى"
Randomأدركت أن حصونك أشد الحصون هلاكاً و لهيبك يُشعل قلبي و يسلب نبضاتي و كأن خفقان ذلك القلب يصرخ بك في كل لحظة أن لك الحصون و لك اللهيب و ليِ الأصفاد المُقيدة لروحك و قلبك ؛ لتعلم أن داخل تلك الحصون نيران روحي المشتعلة و نهايتها قيود .. بل أصفاد أفرضها...