دخل عابد الى الغرفة مناديا على آية لم يجدها..ولا حتى في الحمام همس في نفسه بخفوت:
(يا الهي لقد هربت)
يسرع مهرولا وهو يبحث عنها كالمجنون....يسأل عنها الجميع لا أحد يعرف مكانها ....امتلكه الخوف ليسرع الخطى الى الخارج لا يمكن ان تكون قد ابتعدت كثيرا ...سيلحق بها حتى لو ذهب لآخر العالم .... ليبصرها من بعيد في المطبخ بجانب امه تضحك بخفوت ودعاء جالسة بجانبها تشاركهما الضحك ...زفر نفسا حادا أراحه من وساوس رأسه ....ثم إتجه الى المطبخ .........
دخل وابتسامة تعتلي عينيه قبل وجهه....لمحتها آية بريبة تبادله بنظرات استغراب قائلة بخفوت :
(ما بك ؟هل أنت جائع)
أجابها ببطأ وهو يراقب ردة فعلها الطفولية :
(نعم وكثيرا كثيرا)
شهقت فيروز على كلامه قائلة بفجع:
(يا حبيب أمك دقائق ويكون عشائك جاهز )
همهم بعيدا على مسمع أمه قريبا من أذن آية :
(فلتسرعي لكي لا أبدأ في أكل لحوم البشر)
سمع زفيرها القوي و استغفاراتها طالبة الصبر ...ليبتسم بفرح ...فغضبها يشعره باللذة.. والإنتصار ..
..خطوات تقترب للمطبخ ليستدير يرى من الآتي فصادفه خالد بملامح غاضبة يمسك شعره بقوة ....
... نظرت اليه آية هامسة له باستغراب سائلة إياه:
(ما بك يا خالد هل كل شيء على مايرام ...لما أنت غاضب بهذا الشكل)
اندهش عابد من طريقة حديثها معه ليرد بغضب :
(مادخلك انتي اهتمي بشؤونك فقط يا طفلة)
استدارت اليه بنظرات شيطانية هامسة له من بين أسنانها :
(ولهذا لا تتدخل في شؤوني ومع من أتحدث...وانا لست طفلة ...انا زوجتك )
ثم ابتسمت له بخبث ....تنهد خالد ليمسك بوجهها دون وعي:
(لا تغضبي نفسك انه دائما مستفز هكذا ...عابد ولن يتغير ...انظري ...الكدمات في تحسن ارى انك تهتمين ببشرتك )
نظرت اليه عميقا ...نظرات لا تعرف معناها ...كما انه بادلها النظرات بأغرب منها ويداه لا زالت على وجنتها ...شاهد عابد الوضع المشحون ليتدخل مجفل جاذبا آية اليه قائلا بحدة:
(نعم المرطبات التي احضرتها لها تنفعها جدا وبلا شك )
قاطعتهما فيروز وهي تدخل وسطهم هاتفة :
(كم تريدون البقاء أكثر يا اولاد؟)
لتنطق آية ونظرها على خالد لا تشيح عينيها :
(كم تنوي البقاء خالد؟)
وقبل أن يجيبها سمعت عابد يرد محله:
(نحن ننوي الرحيل الليلة بعد العشاء للأسف لن نراك بعد الآن يا ابن العم العزيز)
صدم كل منهما لتقول آية بعد فترة من الصمت:
(ماذا !؟؟لا لانستطيع الذهاب احتاج الى إعادة تضميد جروحي ولن اترك ابنة خالي وحدها ..)
نظر اليها عابد باستغراب ليسمعا رد خالد المفاجئ:
(لا تقلقي سأزورك وساغير لك الضماد كل أسبوع ...لن تعيقنا المسافات يا سمراء)
ثم نظر بحدة في عيون عابد...يتحداه ....بينما كانت آية تبتسم له بعمق ...لا تعرف سر تلك الإبتسامة ....أجفل عابد بدهشة هامسا في نفسه :
(هل لقب زوجتي بالسمراء ؟؟...لا إنه يتجاوز حدوده)
وأثناء صمتهم سمع كل منهم صوت دعاء يقول بخفوت من وراءهم :
(تحدثت مع أيوب ..سيرجعني الى غرفتي في الجامعة بسبب حالتي النفسية سأبقى أيام هناك ثم سأعود مع زوجي الى بيتنا لذا لا تقلقي علي يا آية سأكون بخير تستطيعين الذهاب )
شتمت آية في نفسها بصمت على الغبية ابنة خالها كانت تريدها ان تكون سبب في بقائها لا تريد الاختلاء مع عابد ....لتومئ لها ثم قالت بحسرة :
(اذن سنذهب الليلة)
ابتسم كل من دعاء وعابد لها إلا خالد بقي يحدق فيها بنظرات حسرة واستغراب .......
دخلت عنبر مجفلة ...منادية اياهم لطاولة العشاء ...حيق جلس كل منهم على المائدة و هذه المرة كانت بجانب زوجها ومن الجانب الآخر عنبر و خالد ..زوج ....بجانب زوج ...وبعد لحظات همست آية لعنبر بخفوت سائلة إياها :
(لما لا تعرفيني على العائلة الكريمة)
ابتسمت لها عنبر على سؤالها اللطيف لتقول بتقديم :
(هذا امير اخو خالد الصغير واخته التوأم اميرة ....هذه امهم سمى...)
لترد آية محدقة بخالد:
(اذن هذه هي عائلتك المحبوبة ...مرحبا )
ابتسم كل من امير .. اميرة وسمى ليردون التحية بلطف
ثم التفتت عنبر مكملة كلامها:
(وهذه نهى و بلقيس أخوات خالد من أبوه و هذه سيهام زوجة أباه الثانية )
استغربت آية قائلة:
(هل كلهم متزوجون من اكثر من امرأة هل هي طقوس ام ماذا)
ضحكت عنبر بخفوت ثم سمعا عابد يقول متدخلا بينهما:
(اخي الكبير متزوج من ثلاث واعتبره قدوتي )
استدارت آية قائلة باستفزاز:
(لتسيطر على الأولى ولك الثاني الباقين )
وضع يده في حركة خاطفة على رجلها يقرصها برفق ..مع ابتسامة خبيثة تعتلي وجهه ..ارتكبت فجأة على حركته الغير المتوقعة لتتورد وجنتيها ...ثم أبعدت رجليها قائلة من بين اسنانها:
(إعقل !)
ابتسم لها ثم أشاح بنظره عنها ليواجهه أخاه ومن نظراته استنتج انه كان يراقبه منذ فترة ليست بالكبيرة ....احس عابد بالحرج من تصرفه ثم غمز له ...ينظر اليه بنظرات صادمة ...لتهزه أخته قائلة:
(راسب مابك ...؟)
أجفل راسب ثم ابعد يدها عنه بقسوة ليرد عليها:
(إهتمي...بشؤونك لكي لا أفتك بروحك)
شهقت صفاء لطالما كان إخوتها وأبوها شديد الصرامة معها....يعذبونها بكل أنواع العذاب...تتذكر مرة كان عمرها ثمان سنوات قادمة من مدرستها مع صديقاتها مرتدية جلبابها الوردي دخلت للبيت سلمت على أمها ثم اتجهت لتلعب في الحديقة حيث كان هناك اخوها راسب ذات خمس سنوات....واخوها عابد ذو الحادية عشر ...اما اخوها إياد فكان مع أبيها أحمد يساعده في اشغال الشركة كونه الأكبر بينهم...
.....تلعب بدماها الجميلة و راسب يلعب بطائرته الحمراء ....ليكسر راسب فجأة و عن طريق الخطأ إحدى أوعية الورود بواسطة طائرته لتسقط مهمشة على الارض أشلاءا من الزجاج اللماع ...أجفل كل من عابد وفيروز على صوت التكسير لينهضا متجهين الى الطفلين بهلع...
....سألت فيروز عن ماذا حدث ليجيبها راسب بتلعثم :
(كنت ألعب بجانب عابد حتى رأيت صفاء تكسر الوعاء بدميتها لقد كانت هي السبب)
دهشت صفاء بخوف لتقول مدافعة عن نفسها:
(يا كاااذب انت كسرتها لست الفاعلة انه هو يا أمي)
حنت فيروز عليهما قائلة بود:
(لا مشكلة أحبائي انه مجرد وعاء لكن لا تكذبون علي من منكم كسره )
فيقول راسب انها صفاء وتقول صفاء انه راسب...زفرت فيروز نفسا حارا لتنهض متجهة لمطبخها بعد تنظيفها الفوضى ومرت على عابد قائلة بخفوت:
( من فضلك حبيبي سوي الأمر بينهما لا اريد عراكات بينهما )
أومأ لها عابد بصمت ثم رد عليها بهدوء :
(لا تقلقي )
ثم اتجه اليهما هاتفا فيهما بحدة :
(فليجلس كل منكما وسأسألكما ومن يكذب جزاءه عسير هل فهمتم)
صمت كل من صفاء وراسب خوفا من اخوهما .... ثم بدأ عابد بسؤال أخته أولا ....فحكت له الأحداث مع ان راسب هو الفاعل ..ثم سأل راسب ليشرع في البكاء قائلا بإرتباك:
(انا لم افعل شيء انها تكرهني ..قالت لي من قبل اني ولدت خطأ لأنزل بلوة عليكم.... لقد كسرت هي الوعاء وقلبت فعلتها علي)
ثم انفجر في بكاء هستيري ....عبس عابد ليسأل صفاء مع نبرة تهديد:
(هل قلت له عن موضوع الخطأ ؟؟)
ردت صفاء بتوتر وقد بدأ جسمها بالإرتجاف :
(نعم لكن لكن....كان هذا منذ زمن ...كنت غاضبة منه...لانه كسر عطوري)
ظهرت ملامح الغضب على وجه عابد ليعتليها ضاربا اياها يمينا وشمالا مهشما جسمها الطفولي بمختلف انواع الضرب القاسي وهي تصرخ طالبة أمها تنجيها ثم سمعته يصرخ فوق رأسها :
(عرفنا من الكاذب)...........
.......على طاولة العشاء سمع الجميع تدمر راسب الذي لم ينتهي منذ المساء:
(أرجعني عند أمي أرجعني عند أمي لا اريد هذه العائلة ....ارجعني عند امي )
وبدأ في البكاء والصراخ .... بينما ظهرت دموع قاسية على عيون فيروز الخضراء لم تستطع كبحها ثم تحججت بنفاذ الأرز لتذهب الى المطبخ تبكي براحة..
.....عبس إياد بحزن سائلا أخاه :
(ما بك يا اخي انها امنا جميعا ولا تنسى انها امك الحقيقة ...تلك التي تبيت عندها لا تربطك اية صلة بها...مجرد زوجة أب ربتك لعدم قدرتها على الإنجاب ليس إلا... لا تنسى هذا الكلام )
إنفجر راسب في البكاء ثم قال بتلعثم:
(على الأقل تفضلني وتحبني وتصدقني ..ليست كأمكم انا لا أحبها ولن أحبها )
ثم ابتعد ذاهبا الى غرفته ....تهجم الأب ليصرخ في إياد:
(لماذا قلت له هذا الكلام أتريد ترفقته عن أمه)
رد إياد بقسوة وملامحه تشتد بحدة :
(أمه موجودة في المطبخ لا تفرقة ولا عنوان)
ظهرت ملامح الغضب على وجه أحمد ليصرخ في كليهما:
(لماذا كان الولد عابسا من مجيئنا أصلا ما الذي حدث قبل مجيئي )
وهنا فتح عابد فمه ينوي الكلام قائلا:
(تشاجر مع صفاء ...منهما من كسر وعاء الذهور فسألتهما امي من الفاعل ليرمي كل منهما التهمة على بعضهما ..فلم تصدقهما الإثنين ...ليعبس كل منهما )
إحمر وجه احمد من الغضب ليصرخ بهستيرية:
(رأس المصائب تلك البنت الناشبة ...)
ثم هدر بصوت عالي ينادي إبنته لتنزل وجهها تملؤه الكدمات الزرقاء والبنفسجية ...و مشيتها غير سليمة غير انها لا تستطيع المشي حتى خطوتين بثبات ....نظر إليها أحمد واياد باستغراب ليسأل إياد بريبة:
(ما بها من ضربها )
لينطق عابد بقرف:
(انا ضربتها فقد قالت سيدتنا لراسب انه جاء خطأ للدنيا وبلوة على رأسنا)
وهنا نهض أحمد ليخلع حزام بنطاله متجها اليها ضاربا اياها ثلاث ضربات قوية ....صرخت صفاء صرخة دوت في صدى الجدار الا ان إياد استطاع منع أباه من ضربة أخرى كانت على وشك قتلها.....
كما ان فيروز قد تدخلت لتحمل ابنتها الدامية الى اقرب مستشفى ....
بقيت صفاء اسبوع كاملا تتداوى من مختلف الضربات حتى قال الأطباء ان مشيتها لن تعود لسابق عهدها لتضرر عضام ساقها اليسرى ....
بكت صفاء وظلت تبكي مدة سنة ..كل يوم ..كل ساعة ...كل دقيقة
(ما بكي حبيبتي ؟)
استدارت صفاء مجفلة على صوت أمها الحنون الذي أخرجها من ذكريات الماضي المرير لتبتسم لها معانقة إياها امام الجميع قائلة:
(أنا فقط أريد الراحة )
التفت الجميع لمنظرهما باستغراب حتى قالت آية بخفوت :
(هنالك من نزع قناع القسوة عن وجهه أخيرا )
ردت فيروز على ابنتها بخوف ونظرات حنونة :
(هل آخذك لغرفتك ...صغيرتي )
ردت عليها صفاء هامسة بحزن :
(فقط إبقي معي )
جلست فيروز مستغربة من ردة فعل ابنتها الوحيدة وبادلتها العناق بحرارة راكزة رأسها على شعر ابنتها الجميل.....
سقطت دمعة خائنة من وجنتي آية متذكرة أمها زهرة لتسمع عابد يقول :
(يا الهي هل تملكين قلبا لتبكي )
استدارت آية داهشة...كانت نفس كلماتها عندما رأته يبكي على موت إبن عمه ثم ردت عليه دون وعي :
(اتراني حيوان لا املك احساس )
التفت الجميع على مسمعها بدهشة اما عابد فقد نظر في عينيها مدققا ليرد عليها بعد لحظات :
(ربما)
أجفلت آية بدهشة ثم ابتسمت ببرود لتقول:
(لا تقلق انا لست مثلك)
إنفجر الجميع ضاحكا بما فيهم فيروز وصفاء .....لم يستطيعوا كبح الضحكة ..الا عابد الذي إستدار ممسكا بشعرها دون لفت الانتباه قائلا بتهديد :
(لسانك هذا سأقطعه لكي ...سأعيد تربيتك)
وهنا أمسكت آية برجله تقرصه برفق كما فعل معها من قبل قائلة بصوت يبعث الرغبة فيه:
(لما لا تؤجل هذا الحديث يا حبيب زوجتك في غرفتنا ....أحسن وأفضل ...أليس كذلك )
ترك شعرها ببطئ ليقول مع ابتسامة خبيثة اعتلت وجهه:
(كذلك كذلك)
ثم استدار لعشائه ...يأكل ببطئ ....زفرت آية نفسا حادا من الوضع المشحون....لعلها تستطيع الهرب في غرفة أحلامها او ان استلزم الأمر ستبقى في الحمام طول النهار هربا منه ...ثم واصلت الأكل بدورها وفي قلبها الشعور بالخوف...
.....دخل عليهم رجل كبير في السن فشعره الأبيض أظهر الكثير ...حلته البهية و عيونه السوداء توحي برقيه وثراءه
...جلس بخيلاء حيث وقف الجميع مستقبلين إياه بترحيب..وإحترام
حتى ....نطق أحد الرجال الواقفين قائلا بخفوت :
(شرفت يا شيخ فرحات)
لتستنتج آية أخيرا أنها تقابل رئيس العائلة بأكملها وصاحب هذا القصر او فندق الأحلام ....
جلس فرحات بازدراء لتهم عليه الخادمات ينظفن الطاولة بسرعة والأخريات يحضرن الطعام مما يشتهي القلب ....نظر فرحات الى الأطباق أمامه بإعياء ...لا ينوي على قضم أحد منهم ...ليلمح فيروز آتية وفي يدها طبق صغير يملأه الفلفل الحار وعليه زيت الزيتون وضعته أمامه ليستدير إليها قائلا بمحبة :
(وحدك التي تفهميني يا رشاء )
إستغربت آية لتستدير الى عابد سائلة إياه:
(أليس إسم أمك فيروز من رشاء تلك؟ )
رد عليها بخفوت :
(عمتي ميتة ...انه ينادي امي يإسمها لشوقه لها ....كما انها تحمل مواصفات أمي تقريبا )
أومأت له آية ثم عادت لتنظر اليهما....شكرته فيروز ثم قالت له مع إبتسامتها الخلابة :
(بالصحة والعافية ...أتطلب شيئا آخر يا أبي)
فابتسم لها بمودة قائلا:
(إجلسي بجانبي يا ابنتي فشوقك هو ماأحتاجه)
حنت عليه فيروز لتجلس بجانبه ونظرات النساء تحدق فيها وتأكلها كألا ...ثم سمعت مريم تقول وهي تنظر إليهما بغضب غير ملموح :
(شرفتنا يا شيخ والله ليس للشوق مكان الا في قلبنا إليك ....يشتكي لي أحمد عن مدى شوقه
و حبه لأبيه صباحا وليلا يا ليتك تسكن معنا يا شيخ ليرتاح قلبنا من قلقلنا على غربتك ....ولتطمئن نفوسنا على رؤيتك )
إستدار اليها ليحدق فيها بنظرات حادة ثم قال لها مع نبرة إزدراء :
(أرى الشوق في عينيك اللهبتين و أحس باشتياق إبني الذي لم يسأل علي ولو مرة واحدة في غربتي)
صمتت مريم لتستدير الى زوجها الذي كان ينظر إلى الأرض بحرج بالغ ...ثم سمعت صوت فرحات مجددا يقول:
(إذ أردت البقاء في البلد فلي قصر و لي إبنة أجمل من الورد تتصل بي كل صباح ومساء تقلق علي حتى في بعدي عليها)
ظهرت ملامح الغضب على مريم لتقول والغيرة تنهش قلبها :
(هيا ارينا نصف وجهك التاني يا وجه الورود لنرى الجمال المخبئ)
ظهرت دموع محتبسة في عيون فيروز لمحها الجميع لتبتسم مريم قائلة بانتصار:
(أظن الإجابة قد وصلت )
ظهرت ملامح التهجم على الجميع ...حتى فرحات لم يقوى على الإجابة فتركها تستمع بانتصارها لكن فجأة
ردت آية بحدة مدافعة على فيروز:
(لا أظنك تريدين جمالها مكتملا ....لعلك ستصبحين مهمشة فوجهك كله لا يقارن حتى بنصفها الوحيد....أيا كان السبب في تغطيته ....لا تحاولي مقارنة نفسك بها )
عم الصمت القاعة لتلمح آية ابتسامة كل من عابد وصفاء حتى فرحات كان ينظر إلى مريم بانتصار ...
وبعد لحظات سمعت صوتا رجوليا يشتمها لتستدير ترى من المتحدث الذي يدافع عن تلك الأفعى ....
كان راسب ينظر إليها نظرات شيطانية قائلا من بين أسنانه :
(أرى أن أمي أجملهم وأحلاهم ...فبالنسبة للسيدة فيروز ...تغطي نصف وجهها لحرقه وليس جماله...اما أمي فوجهها صافي كالبدر ولو كانت السيدة فيروز جميلة كما تقولين لما تركها أبي في عز شبابها وحيدة )
صدم الجميع من مسمع كلامه حتى فيروز لم تسطيع كبح شهقاتها فنهضت لتخرج طالبة بعض نسيم الهواء ...لعله ينسيها ألام هاته الليلة ....ردت عليه آية بدهشة :
(هل تراك أخطأت الأم ...أم أنا مخطئة في المعلومات)
ثم استدارت الى عابد تسأله بخفوت:
(هل هو أخاك الحقيقي ام من أباك)
ليرد عابد بحسرة :
(الحقيقي للأسف)
ثم إلتفت يحدق في أخاه قائلا:
(خطأ ونزل بلوة على رؤوسنا )
شهقت صفاء بصوت عالي ....كانت نفس كلمات التي ودت بها بالجحيم.....
التفت الجميع لمرآها ....لتنطق دون وعي :
(لا لم تكن خطأ.....لو كنت خطأ لما تمسكت بك أمي بالرغم من بعدكما عن بعضكما ....أخذوك من أمي غصبا ...لرضاية هذه الأفعى ....انها لا تحبك بمقدار ذرة واحدة من حب امي لك ....لقد ربتك وقالت انك ابنها من لحمها ....كاذبة انتي ...زرعت في قلبه الكره اتجاهنا ....قلبته ضدنا وضد أمه الحقيقية ...انت لم تكن خطأ...انت جعلت نفسك خطأ ...كنت تقول انها تفضلك وتحبك على الجميع ...قبل العلاج ..لكن بعد العلاج أعجم أنك أصبحت جزءا ثانويا من حياتها ....تتحجج برؤية عابد وانت في الحقيقة تحب طعام أمي وحنتها عليك ...بالرغم من قسوتك واحتقارك الدائم عليها ..لكنها تحبك أكثر منا ...عار ان يكون لي أخ مثلك ...ولتضربوني كما ضربتوني دائما لأسكت عما تراه عيناي و عما تسمعه اذناي )
ثم نهضت تنوي اللحاق بأمها ودموعها تسقط دون توقف متجهة نحو الباب ليقاطعها أباها ينوي ضربها حيث رفع كفه ليحط بها على وجنتها ....لم تندهش صفاء ولو بمثقال ذرة بل كانت مستسلمة تنظر للأرض غارقة في دموعها فهذا هو أباها دائما لم ترى منه سوى القسوة والضرب الدائم ...لكن قبل أن تحط يده عليها...رمى احد على وجهه ...قطعة لحم مقدد ارتطم به كالكف الساخن ...ليتسخ وجهه بأكمله ...منعت تلك الرمية ضربة كادت ان توفك بصفاء الضعيفة.....
وفجأة إستدار أحمد يرى من تجرء على تلك الرمية ...التي ستكون السبب في نهايته ..فكانت الرامية هي آية الواقفة فوق الطاولة وفي يدها قطعة أخرى ثم قالت بحدة:
(أكمل ما انويت فعله لأجعلك طعاما للكلاب )
عمت الشهقات والدهشة المكان من شجاعتها حتى عابد لم يصدق ماذا يحدث للحظات لينهض ممسكا بها ينزلها عن الارض...توقعت ان يضربها ويسلخها على فعلتها مع أبوه ...بدأت بالتشهد فهذه نهايتها حتما .....لكن يده امتدت داخل خصره وكأنه يعانقها...كان كشبه عناق ففد كبلها على صدره يمنعها من الحركة ثم سمعته يقول:
(بالرغم من شجارك الدائم معها إلا انك حميتها ودافعت عنها ...الآن بت أصدق أنك إنسان )
اول عناق له معها ...صدمت آية بنفس صدمة الجميع لكنها ابتسمت له وشاركته العناق ....عابد ليس من النوع الذي يفشي بمشاعره أمام الجميع ...صارم مخيف ....حتى بنات عمه وعماته كلهم كانوا يدعون الله الا تتزوج إحداهما ابن أحمد الصارم ...
(أهكذا تدافع على أباك يا ولد ....على كبري تبدلني بطفلة تعرفها منذ يومين)
إستدار عابد على مسمع صوت أباه لينظر فيه بتهجم قائلا بصوت حاد:
(أبي الذي هجر أمي ...وابعد أخواي عنا ....وعنف أختي ...وفضل إمرأة وأولاد آخرين علينا ...لا أسميه أبا)
صدم أحمد من كلامه كانت هذه اول مرة يفصح عابد عن ما يشعره به إتجاه أبوه بقى صامتا كل منهم صامت ...حتى جدتهم منى لم تكن موجودة لأن أبوها يحتضر من حسن حظهم...
كانت مريم تنظر بقلق الى أولادها راوس وأمل ومهدي تحتضنهم بقوة أما راسب فبقى ينظر إليها من بعيد ربما كانت صفاء على حق أصبح جزءا ثانويا بعد مولد إخوته إذ ابتعدت عنه بشكل كبير وصارت تعنفه بعض الشيء وتحرض أباه عليه ....
شدت آية يد عابد تهمس له بترجي :
(لنذهب من هذا القصر أرجوك ...لا اريد البقاء أكثر )
لاحظ خالد حركاتهما وانسجاهما فتندلع نار الغضب فيه لينهض مكسرا طبقه بعصبية أجفلت له عنبر تصرخ بهلع .....التفت الجميع لهما ...لينطق خالد أخيرا بعصبية بالغة:
(ليكن في معلوماتكم....موت فرقان هو راحة له صدقا....انتم عائلة مليئة بالأكاذيب تعلوها الكآبة والمشاكل .....كل مرة نتجمع فيها في هذا القصر لا يبقى فرد إلا ويخرج محطما من هذا الباب ....كل العائلات تتوارث المال والتقاليد...اما نحن نتوارث القسوة..الحقد والصفات السيئة بالضبط ...بالنسبة لي سأحمل أمي اخواني زوجتي ...وسأذهب من هذا الباب دون رجعة ...إكتفيت منكم ...تبا...ومن يريد البقاء حيا بقلب سليم يأخذ بنصيحتي ...افلحوا الى منازلكم ...فكل طيب في هذا البيت يفترسوه مثالكم زوجة عمي ....)
علت الهمهمات على الطاولة لينهض الجمع دفعة واحدة ...وبعدها .....دوى صوت الشيخ فرحات في أرجاء القصر:
(وتتمردون على صلبكم أمام أعيني ...)
شتمت آية بصوت شبه مسموع وهي تتدمر بنفاذ صبر :
(كنا بخير ...كنا سنذهب ونتتهي من المهزلة لما لم تبقى صامتا يا عجوز الهم والذم )
استدار خالد إليها هامسا بغضب :
(جبان ..فقط جبان )
ثم ابتسم لها ليضع يده بجانب يدها قائلا بعفوية:
(لا تقلقي كلنا سنذهب ....)
أجفل عابد ليجذب آية نحوه يغير من مكانها ليكون بجانب خالد....عبس خالد ليدير بوجهه عنه ....اعتالت ملامح الغضب وجه عابد وظل يحدق فيه بتهديد ....
.....لاحظت آية تصرفاتهما لتهمس في نفسها:
(هل عابد يغار من خالد)
ثم ضحكت بصوت شبه عالي قائلة:
(لا لا يمكن )
رد عليها فرحات بصوت عالي :
(بل يمكن ايتها الفتاة ...قلبت العائلة رأسا على عقب منذ مجيئك ....مصيبة وهبطت على رؤوسنا )
استغربت آية كيف سمعها ...لم تكن تكلمه أصلا ...نطق كل من عنبر و خالد حتى عابد رد على جده بوقاحة قائلا:
(لا يحق لك الكلام ضد زوجتي هكذا...ليست هي السبب )
أما عنبر فقد ردت عليه بهدوء مع نبرة استحقار:
(ليس لها دخل يا جدي )
اما خالد فقد صرخ في جده بقسوة :
(حتى قبل مجيئها كانت هذه حالتها يرثى لها ...فلا تدخلها في الموضوع )
إبتسمت آية على الأقل هناك من يدافع عنها :
(جدي)
استدار الجميع نحو الصوت عند الباب كانت صفاء من جديد
فاستغفرت آية في نفسها تتنهد بثقل :
(ها قد بدأنا )
لتنطق صفاء بكل ثقة وأعين الجميع تحدق فيها :
(بكل أسف انا اليوم الى جانبها...لقد أخطأت في حقها كثيرا...وانا نادمة جدا ..)
ثم إستدارت الى عابد لتكمل كلامها:
(لم تضرب جدتنا منى ولم تشتمها ...شهدت مع مريم كذبا خبثا فيها لعلك تطلقها لكن لم ننجح )
تعالت الهمسات حولهم حتى أجفل عابد مندهشا من كلام أخته ليصرخ فيها:
(إذا ضربتها ظلما ....صدقت جدتي وأختي من لحمي ...صدقتكم وضربتها حتى أصبح وجهها ألوان مختلفة....لا أصدق مدى سوئكم ودناءتكم )
تحركت آية نحو صفاء قائلة بود وحزن متستر :
(شكرا على صراحتك يا صاحبة الشعر الأشعت ...في الواقع إنه شديد الجمال ...لكنه أشعت ....)
إبتسمت لها صفاء قائلة:
(كان يجب علي قول الصراحة منذ زمن يا صعلوقة ...في الواقع انت صعلوقة فعلا )
........................................................................
صور قديمة لأبنائها ....هنا إياد ولد كانت سعيدة مع زوجها..تعيش الخيال على الواقع ...ابنها بدر في جماله عيونه كعيونها ...فيروزية كإسمها ...حذرها الأطباء من الحمل والولادة بسبب الورم الموجود برحمها لكنها خاطرت بحياتها لسعادة زوجها ...فافتقاره لشعور الأبوة كان يطعنها كل لحظة بألم حاد في صدرها ...قررت الحمل ...قررت المواجهة....وقفت أمام زوجها ...إبتسم لها أحمد قائلا بود :
(هل تحتاجين شيئا خجلت من طلبه )
إحمر وجهها خجلا ...كم كان يعشق تفاصيل وجهها ...بيضاء البشرة يعتليها النمش البني نقاط أسفل عينيها تغطي وجنتيها ...تزيد من جمالها ...تفاصيل تلهمه تزيد من رغبته فيها ....عيونها الخضراء ...تلك العيون الساحرة ...الطيبة بجمالها ....يهواهما يقسم انه يهواهما ويذوب في عشقهما ....انفها المترفع المحمر وفمها الوردي المرتكز بجماله ...مرسوم بإبداع من الله ...جميلة بحق ....هي جميلة بحق ...ردت عليه بخفوت:
(ربما لكن أحتاج مناقشتك في أمر بالغ الأهمية ...انا ....انا ....أحمد انا اريد ان أحمل مهما كانت الصعوبات اريد ان اصبح أم حتى لو لم أتمكن من العيش لتربيته سيكون قطعة مني ومنك ...زرعناها في روح ابننا...)
ثم صمتت تبادله النظرات فتح فمه ينوي الحديث ليقول:
(لا أستطيع المخاطرة بك ....انا لا أريد أن تتأذي ...ولا اريد اطفالا ان لم تكوني موجودة معي )
نزلت دموع خائنة ....كانت دموع الفرحة من شدة حبها له وليس حزنا لاعتراضه ثم همست بخفوت :
(أعدك سأكون موجودة معك )
ثم إقتربت منه تقبله بشغف فاستقبلها بحنان متجها بها الى الفراش الناعم ....فهو ارض معركتهما دائما .....بعد شهر وفي بيتها تعد لزوجها الفطور على إشراق الصباح ...أحست فيروز بالإعياء يرفقه الإغماء لا تقدر على تمييز الأرض من السماء ...لمحها أحمد من بعيد تنوي السقوط فهرول إليها مسرعا حاملا إياها متجهين الى المشفى ....عاينها الطبيب .....
وبعد عدة ساعات و عدة فحوصات أبشرهم قائلا:
(مبروك سيد وسيدة مؤمن سترزقون بطفل عما قريب إن شاء الله)
عمت الصدمة والفرحة أجواء المكان إذ صرخت فيروز من شدة الفرح لم تظهر ملامح وجهها لكن استطاع تمييز سعادة عينيها تحت النقاب الأسود ......
إبتسمت في نفسها ثم ضحكت ضحكة خشنة تتذكر يوم ولادتها ...يوما مرعبا ....كم خافت ...كم ماتت شجاعتها ....لم تندم أبدا...طفلها سيولد ...وستكون قوية ...سيرى نور الحياة ....وسيكتب إبن أحمد وفيروز ....إبن ولِد عن عشق دام وسيدوم ...تركت العديد من الرسائل في كل مكان ....ليقرأها إن ماتت ...في بيوت مختلفة ....في أماكن مختلفة ....توجد رسالة مخبئة كتبتها بروحها وقلبها تحكي له عن سعادتها بجانبه وتوصيه على ابنها إن توفت ....أغمضت عينيها على السرير الطبي وقبل خروجه من غرفة طبية .....جاء أحمد وقبلها على جبينها دمعة نزلت على راسها وكم آلمتها ملامحه الحزينة ....قالت له بصوت يرتجف من الخوف :
(إن لم أخرج من هنا إعتني بإبني ولتعلم إني سأكون معك في كل مكان تغدو إليه )
لم تخبره عن الرسائل فضلت أن يجدها بنفسه لعل قلبه يرتاح عند قرائتها .......
حضنها بقوة قائلا لها بصوت خافت في نبراته ألم حاد يفتك بقلبها :
(ياليتك ما حملت ...تبا للأطفال لا أريد شيئا سواك )
....أخرجه الأطباء بقوة ....بدأت عمليتها...الكثير من الأطباء والمعدات....وعدد من الممرضات يطلبون منها الاسترخاء والتفس بثبات ...لم تعي على شيء ...فولادتها كانت قيصرية إذ نوموها...بقناع يحوي غازا منوم ...وضعوا لها القناع وبدأت بتنفسه مستجيبة لطلباتهم ...شهدت بالله ورسوله ...فإن لم تستيقظ بعدها...لتكن قد نامت مشهدة بإسلامها عابرة لقبرها براحة ......
..............صوت طفل يبكي ...أصوات متداخلة لم تميز بينها إلا صوت طفل يبكي ....فتحت عينيها بصعوبة تشعر بنعاس وتعب حاد ....نور حاد أعمى بصيرتها ....هل أنا في الجنة؟؟؟ ....إتضحت لها الرؤية شيئا فشيئا ....كان أحمد ...قبلها فجأة قبلة دامت ودامت ....تكافئ فيها مشاعرهما الجياشة ....إبتعد عنها أخيرا ....قائلا وابتسامة شوق تعتلي وجهه ليهمس لها بصوته الرجولي:
(لقد ولد...لقد ولد يا حبيبتي ...ولد إياد وهو بصحة جيدة ....إنظري إليه ما أجمله إنه يشبهك ....)
إنزاح أحمد تاركا فيروز تلمح الطفل النائم في السرير بجوارها .....ضحكت وظلت تضحك...حتى تحولت ضحكاتها الى دموع دموع تليها ابتسامات ....كانت دموع الفرحة ...
تجاوزت الصعوبات ...لقد أنجبته ...لم تمت ....ستربي طفلها مع عشق حياتها ثم نطقت بصوت مرتفع قليل محدقة بأحمد المبتسم بحنان:
(إبن ولدِ عشق دام وسيدوم)
ثم عانقت إبنها الصغير ....ليأتي أحمد معانقا إياها بدوره مرتكزة على كتفه ....زفرت نفسا حارا ..نفسا أخرج كل طاقة وفكرة سلبية كانت تغزو رأسها من قبل .........
نائمة كالملاك الصغير بجوار إبنها .....يحدق بهما بسعادة بالغة ...إنه أب ..إنه أسعد رجل عرفه التاريخ ....
.دخل الطبيب مبتسما....فبادله الإبتسامة أحمد جلس الطبيب بجانبه بهدوء لكي لا يستيقط أحد ....أعطى الطبيب عدة أوراق لأحمد قائلا له :
(مبارك لك ثانية...زوجتك تخلصت من الورم جراء الولادة)
بهتت ملامح أحمد وهو يحدق به باندهاش ليواصل الطبيب كلامه :
(انها تعد معجزة فعلا فقد ساهم تشكل إبنك الخلوي عند شهور الحمل في قتل العديد من خلايا الورم بالإضافة أن تخبطاته المتكررة ساهمت في جفاف السوائل الكيميائية التي كانت تساعد الورم بالتكاثر وبالتالي أدى هذا الى زواله لأيام متعدد.....معجزة ربانية ...شجاعة كبيرة من زوجتك خوض هذه الخطوة...لينتهي بها المطاف أما وبجسم سليم )
ومن شدة فرحة أحمد عانق الطبيب بحرارة قائلا له :
(لا أعرف كيف أشكرك ....فقط شكرا )
(هل أنتم أصدقاء؟!)
ليستديرو كل منهما مجفلين ثم إنفجروا ثلاثتهم في ضحك كتوم خوفا من استيقاظ إياد
.........................................................................
أنت تقرأ
صدفة قاسية 🔞
Randomوأغار من غريب يرى عينيك صدفة فيغرم بهما ...كيف لا وهو يهيم بعيون الرمل الذهبية ....شرقية اجتمعت فيك الثقافات..... ...... لتكون مثالية في عيوني فقط ......