ظلت تحدق به شبه مصدومة وكأنها لم تسمع ماذا قاله منذ بحظات هل هو إعتراف أم فقط بدأ حبه بالتفتح لها ....يخفق قلبها بوهل وكأنها تعيش لحظات العشق لأول مرة ...رمشت بجفونها عدة مرات لتتنحنح ببطأ وقد فقدت توازنها في ثانية ثم رفعت عيونها بثقل وقالت بخفوت :
(ماذا تقصد أي مشاعر ؟)
رأت توتره وهو يضيق عيونها باستغراب كيف قال ما قاله هل أصابه الجنون ....انها نجلاء كأخت تربت معه كيف دهاه حتى سألها مثل هذا السؤال الغبي كل هذا بسبب الإعياء المحيط به من أمه إلى أخيه الى زوجته لم يفكر طويلا ليرفع رأسه مبتسما وقال :
(لا يهم ..إنسي ما قلته للتو..اريدك ان تذهبي للؤلؤة لدافع أساسي ومستعجل آسف ....فسوف ندعو أبي وانت تعرفين رد فعله تجاهك من يوم يومه لا يحب الخادمات وخصوصا بعد وجود آية )
بهتت ابتسامتها للحظة وزالت فرحتها التي زارتها للتو لم تزرها بل دقت بابها وهربت سريعا خوفا من الدخول وادخال البهجة لقلبها الميت ....سقطت يداها بعجز وكأنها تعرف هذه الملامح ....إنها ملامح التردد والندم على وجهه ..شكت للحظة على انه يكذب لكن سرعان مانبذت الفكرة يبقى عابد سيد الرجال لم يكذب عليها طول سنوات العشرة لأي سبب فهل سيكذب الآن ..لماذا التهرب لماذا لا يحاول سؤالها عن حالها عن تغيرها حتى رجلها المصابة لم يستبحث عنها ...قلبها بدأ بالموت تريد الاستسلام والبكاء أمامه كأنهاغير قادرة على الكلام اكثر فقط البكاء كفيل بالإخبار
هل ستبقين الى آخر العمر منتظرة إشارته.... نعم ودائما ...فهو هوائها وحياتها ومماتها وشفائها ....هو فقط رجلها ..... لذا أومأت ببرود وهي تقول دون مجادلة :
(حسنا بالطبع )
واستدارت بعد تلك الكلمتين لغرفتها تاركة اياه في برود وهو يحدق في ملمح غيابها بفراغ بينما عقله في عالم آخر تركه بالمطبخ ....تنهد ببطأ يبعد الوسوسات ليستغفر مكملا مساره هو الآخر لغرفته محتاجا للكثير من الراحة في الوقت الحالي ......
خرجت بخطوات متعثرة تحمل حقيبتها الأنيقة التي تحتوي على عدد من الملابس تكفيها لأسبوع من الراحة ...ضحكت فجأة بمرارة وهي تهمس بخفوت :
(الراحة ...وعند لؤلؤة فعلا ..مالذي اهذي به ..)
من يوم يومها تتذكر الشقاء والعمل بالمنزل لها وحدها تنظف وتطبخ وتقوم بأغلب الأعمال المنزلية كأم بعشرة اطفال وفي الواقع كانت طفلتها الوحيدة هي لؤلؤة.... صحيح ان لؤلؤة مصدر لقمة عيشهم و رزقهم بتلك الحياة المريرة لأن كرامتها لم تسمح لها بقبول الإعانة المادية من ايوب او عابد لتعتمد على عملها ودراستها العالية التي ساعدتها في بناء شخصية مهمة فأصبحت محامية من الدرجة الأولى ....بينما هي مجرد خياطة مبتدئة و خادمة لعائلة مؤمن ...تنهدت بأسى ...ترفع عيونها تتأمل البيت الحنون ...الذي لا طالما أوى مشاعرها منذ لحظة دخولها له ...وكأنه البارحة ...كانت لازالت تعاني من صدمات الخوف والفرحة معا ...لا تصدق أنها ستعيش مع عابد ...بطلها الأبدي...لوحدهم ...تطبخ له و تساعده ....ويضحكان سويا وأبدا ....لكن سرعان ماتبخرت معتقداتها من الاسبوع الأول ....فهو لا يبقى سوى ساعات معدودة بالبيت ومزاحه يقتصر على السطحية فقط....كان بارد برود الصقيع ....ولكن هذا البرود كان يزيد من عشقها له ...وكأنها رسائل غير مباشرة تساعدها في الصمود للأبد ......
تنحنحت ببطأ على ضوضاء بجانبها فشاهدتها وهي تتصنع ملامح الانقباض او بالأحرى تعاني من وجع ما ...وققت عدة لحظات تراقبها بوجه ميت لا يحمل الرأفة ...لتستدير للباب هامسة في نفسها :
(ليساعدها لسانها السليط الآن ....)
ثم ركبت السيارة بجانب الشيخ محتضنة حقيبتها البسيطة تسافر في الهواء ودموعها تأبى الخروج حتى الوصول على الأقل وستبكي طويلا ....
لذا اغمضت عيونها بتعب تحذف ذكريات الماضي المرير ...من عناء ...ووجع ..تفكر في ما سينالها من لؤلؤة عند الوصول ...ستتفنن في السخرية منها ...لا تعلم لما كل ذلك القدر من التعنت فهي تعلم ان لو كانت لؤلؤة محلها ستفعل نفس الشيء لكن بالنسبة لها وكأنها تحملها الذنب كله دون المعرفة تطردها لمصير مجهول فقط....
.....فتحت عيونها ببطئ على صوت الشيخ يناديها باجفال ...
على مايبدو انها غفت وهي تتذكر الآلام ....اعتدلت في جلستها ...تبتسم له بخجل بينما هو يبادلها الابتسام ببرود ...ثم نزلت بعد لحظات تراقب البناية العتيقة صاحبة أثرياء المدينة اللاذي لم يتقبلنها يوما بين جدرانها ...
تقدمت بخلياء تجر صديقتها الصغيرة حاليا ....ثم صعدت وقد بان الإرتجاف عليها ....فتح المصعد أبوابه ...لكنها لم تفسح لنظرها لحظة حتى اصدمت برجل طويل القامة عريض الأكتاف لتسقط صديقتها وقد تبعثرت محتوياتها ارضا ....رفعت نجلاء رأسها بغضب ...فصادفتها ملامح وكأنها تعرفها قبلا ...لكن سرعان ماهزت رأسها لتجثوا بعنفوان تلملم اغراضها بخجل متستر ....لاحظها الرجل وهي قابعة بالأرض تتمتم بكلمات غير مفهومة ....ابتسم فجأة ...وهو يتذكر فتاة يعرفها كانت تقوم بهذا التصرف في زمان بعيد ليتقدم ببطأ يحمل أغراضها معها بصمت ....انتبهت نجلاء لذلك الرجل الغريب فاستدارت باجفال ترمقه بازدراء على تصرفه الغريب ...تفاجئ الرجل من ملامحها الحادة التي قصفته للتو فتوقف صاغرا وهو يهمس بغضب :
(ليذهب الرقي للجحيم ...نساء اليوم ...)
فتحت عينيها تدريجيا بصدمة غلى همسته الوقحة لتنقبض أصابعها في حركة مفاجئة ترميه بأقرب شيء لمسته يداها فاررتطم بقوة في ساعده حتى صرخ من هول الضربة ...استدار ببطأ يحدق فيها بغضب يشاهدها وهي تبادله التحديق بغضب اكبر ...ظل ينظر لها باجفال ليعود مكملا طريقه شاتما بصوت مسموع ....لا يريد قتل أحد على الأقل بعد محادثته السمجة مع زوجته .......
نهضت نجلاء بعد فترة من الصدمة لتتجه الى الباب بملامح منكسرة حزينة للغاية منتظرة ان تقابلها لؤلؤة امام الباب وتزيد من حزنها الموجع ...لكن سرعان ما حلت الصدمة وهي ترى السيدة عنبر مؤمن تفتحه بتعابير متحسرة ....شهقت نجلاء بخوف حتى سقطت حقيبتها مجددا ...وعنبر تراقبها وقد حلت الصدمة لها هي الأخرى ...لتهمس بضياع :
(مالذي احضرك الى هنا نجلاء ؟ )
بقت نجلاء صامتة لا تقوى على الرد ....ماذا أفعل؟كيف أنجو بنفسي ....كيف أفسر لها انني أعيش ببيت اخوها منذ الأزل...وأنا العب دور الصديقة التي لم تعرفها يوما..يا خيبتي يا مصيبتي ....تلعثمت نجلاء فجأة وهي تقول :
(سيدة عنبر كنت كنت أود فع فعلا ان ان ...اقول لكي منذ منذ فت فترة لكن لكن لا .....)
ثم عادت لسكوتها لا تعرف كيف تفسر لتسمع السيدة عنبر تقول بقوة :
(لا تقول أنك صديقتها التي كانت تعيش معها ....لا لا!! فعلا انت هي كنت عمياء ام ماذا ... يا لكي من حقيرة و ممثلة ممتازة كنت تعيشين ببيتي ....وتقابلين وجهي بدم بارد ...أي حقيرة انت ...والآن !...الآن تسكنين ببيت ابن عمي ....هل تقاسمتم أبناء عائلتي أم ماذا ....)
لا زالت على صمتها حتى مع هجوم عنبر القوي بكلماتها الفذة ....لم يكن لها دخل ....كانت صغيرة على الرفض ...كانت تتبع اختها الكبيره فقط ...معمية العيون والضمير ...حتى القلب ....سقطت دموعها المحتبسة اخيرا .. وقد بان القهر عليها لتشرع في نوبة هستيرية مفاجئة تليها شهقات و نوبات مختنقة .....استغربت عنبر لحالتها المفاجئة فهرولت اليها تساعدها في الدخول متناسية لموقفهما وهي تهزها برفق قائلة بخفوت :
(هل أنت بخير فقط تنفسي بهدوء ..)
أجلستها بحنان على أقرب كرسي ....لتتسع عيناها على منظر لؤلؤة الشبيه بالمجانين تجري اليهما بخطوات متعثرة لطفل يتعلم المشي حديثا وملامح الخوف الشديد تعتلي ملامحها فقبضت بسرعة على وجه نجلاء قائلة بوهل :
(نجلاء انظري لي حبيبتي عدي حتى العشرة ...تنفسي ببطأ ...شهيق زفير ....ها أنا ذا انظري )
بالفعل توقفت نجلاء قليلا وهي تنظر للؤلؤة المبتسمة وعيونها الدامعة بحرقة ....استكانت للحظات تعانقها برفق ...وتبكي بهدوء هذه المرة ....مغمضة عيونها ...بإرهاق...لقد تعبت ..والله تعبت من هذه الحياة القاسية تريد الموت راحة لها ...تريد الموت فقط ....
ظلت عنبر تراقبهم بقلب موجوع لصداقتهما القوية وحبهما الخالص ....تنهدت بألم تتذكر الحوار الطويل مع خالد ...كان الحوار الأجمل على الإطلاق ....
(ماذا!!!)
بقت تحدق فيه بعجز تراقب انفعاله بعد ان قصت عليه كل ماجرى وراء خروجها من المنزل ....ليتنحنح ببطأ شاردا في تفاصيل اليوم ثم همس بخفوت :
(كل هذا وأين أنا ؟!)
ضحكت باستسلام على ردة فعله الطفولية وهي تقلده بسخرية كانه يستحم فعلا ....عبس خالد بغضب ليقبض عليها وسط صراخها الطفولي ...ثم عانقها بهدوء يفكر للبعيد الغريب قائلا بعدها :
(أي حرب ستخوضينها يا رائحة العنبر ...)
لم تخف ولم تبدي رأيا حتى فلقبها الجديد من فمه الحلو اذابها لثواني ....رائحة العنبر ....بسيط من كلمتين لكن معناه في قلبها ....كبير وجميل .....لانت ملامحها برفق تتأمله بحب ...وكأنه تغير في غمرة نهار ....
ثم همست ببطأ :
(على الأقل سأصبح عمة ..)
...ضحكت بمرارة ودموعها تنساب برقة على وجنتيها الناعمتين ...ظل يحدق فيها بألم ....لا يعرف كيف غفلت كل هذه التفاصيل عنه ...أيوب ...ذلك الملقب بنمر مؤمن المحبوب يقوم بهذه الافعال الشنيعة وسيصبح أب ....قبله !! ....يا الهي كم مر من الزمن ...هل هو عجوز لهذه الدرجة ...حتى الجميع سيبني العائلات بينما هو قابع لحاله في بيته البائس ....أغمض عيونه بتعب ارهق كيانه بالفعل ليتحسس أصابعها الرقيقة تحط بجانب وجنته المسننة ...ففتحهما يستجيب لحركتها الجميلة ...قابلته لوهلة عمته الصغيرة ...تلك الدمية التي كانت تجالسه وتلعب معه حتى ينام من الإجهاد.....ثم ابتسم بمرارة...ليهمس بخفوت:
(أنا معك هذا هو الأهم وسأبقى الى جانبك مهما يصير ...)
شهقت ببطأ على كلماته المشبعة بالحب لتبتسم . تعانقه لكن شيء ما أزعج تفكيرها فاستقامت فجأة متجنبة النظر إليه وقالت بتلعثم :
(نعم صحيح انت دائما في القلب ....)
ضيق عينيه باستغراب ليرد بخفوت خطير :
(في قلبك وامامك وللأبد ...)
استدارت بتوتر تحدق للبعيد ...بعيدا عنه على الأقل...ثم قالت بخوف :
(لا لا أظن ذلك ...لا تستطيع البقاء هنا ....خاصة في وجودها أنا آسفة تعر...)
قطع كلامها صرخته القوية وهو يتحول من كائن ودود الى شخص آخر غاضب بشدة يود افتراسها ....
(وأين سأبقى ثانية لا داع لاستفزازي عنبر )
اجفلت على صرخته القوية وهي تعض على شفتها بانفعال ...لا تعرف كيف تجعله يتقبل هذا القرار ...لذا وقفت بعجز متجاهلة ما أدلاه للتو لتقول بثقة :
(انا ليس لي كلام آخر ....آسفة خالد لكن كما انتظرتك طويلا جاء دورك لتنتظرني ....لكن الفرق انك تعرفني اين اكون دائما بينما انا دوما ما كان قلبي هو الضحية )
استغرب خالد لكلامها المفاجئ كالسهم يدوي الى هدفه مباشرة ...فتح عينيه باتساع ليقول بعد ثواني :
(هل تنتقمين مني ؟)
حانت لها نظرة ....تلك نظرة الأم الى إبنها الوحيد ...إنتقام ؟؟ ...لا وألف لا كيف تنتقم من وحيدتها الجميلة ...تحبه وتعشقه ...وعندما بدأ بالاستيجاب ...ستتركه ...هكذا بسهولة ....يا الهي ....ما اعظمه وجع ...لم تبق طويلا لتقول بخفوت :
(لا خالد أبدا ...لكني قلتها لك واعيدها...يجب ان ابقى معها ....الى ان ازوج اخي مهما حدث ....كل هذا نتيجة تهوري ....سنوات وهي تعيش بمنزلي ....تنام مع اخي في غرفتي ....بينما انا كنت انتظرك للتتكرم علي بالدخول الى المنزل ....اخي الكبير ....ماتبقى لي من عائلتي ...هو في خطر...لن ترحمه منى يوما ...لن ترحم ابن زوجها ....وما بالك حفيد غير شرعي ....من فضلك خالد ترفق بي ...لا أقوى على ألم اكبر من الذي اعانيه الآن ...)
سكت قليلا يحاول استيعاب كلامها...ليتنحنح ببطأ ...بدهشة بادية على ملامحه ....ليهمس بشرود :
(لا أعرف خطأي عنبر ...مالذي اقترفته في حقك )
وكأن قلبها توقف ثواني لكلماته البسيطة ....لكنها أبت الضعف في هذه اللحظات لذا ابتعدت بصمت تجر نفسها قصرا للمطبخ تروي جفاف جسدها القاسي ........
بعد فترة شاهدته متجها للباب بشرود ....ليلتفت لها المرة الأخيرة وكأنها الأخيرة فعلا ....فابتسمت له بثقة ثم قالت بوداعة :
(أراك قريبا ...)
لم يرد فقط بقى صامتا وكأنها تستفزه بكلامها وموقفها ....جراء بضع ضربات ....تهين رجولته ....كيف سيبقى وحده الآن ؟ ....دون زوجة ...فزوجته لها أعمال اكبر من التعامل معه ....شتم بخفوت ....ليستدير بغضب نحو الباب بسرعة ....ينوي الخروج وبأقرب فرصة ....
دخل الغرفة ولا زال رأسه يدور ....وأصوات تتداخل في تفكيره ...لصوت انثوي لا يعرف مالكه ....وكأن ذكريات تستأذنه لتفشى ويتذكر ما أنسوه من قبل.....استدار على صوت الباب...ففجائه منظرها السحري برادئها النومي البسيط ...منذ متى لم يرها بهته الثياب ....ابتسم فجأة ليتذكر انه منذ زمان ثم أجفل على الضوضاء التي أصدرتها وهي تجلس تراقب مرآتها ويداها تمتدان لذلك الستار الغامض ...جلس قليلا يتذكر الذكرى المأساوية لذلك اليوم لكن ذاكرته أبت التذكر ...فتنهد بعمق يواصل التحديق بها .....نزعت وشاحها تراقبه من المرآة ...فلمحت تفاجئه ....وكأنها أول مرة يراها ...وهو من حرقها ....استدارت ببطأ تبادله التحديق ....بينما هو ينظر بفراغ لتلك الإصابة ....لم تكن كبيرة ختى أنها تخطت عينها باعجوبة ...كخط مائل يرفض الإقتراب ....فقط يميل بنعومة على جانب خدها ...بعيد بعد الشعرة عن عينها اللامعة ....امتدت يده بفراغ لوجنتها المشوهة ...لم تكن مصابة لتلك الدرجة فقط لامس المنتصف واتجه لأذنها بسلاسة حتى وصل لشعرها ....نعم أخذ حقه من شعرها ...فهناك فراغ يتصف بالكبير لكنها اخفته بمهارة وشعرها الذهبي ...ينسدل بلمعان ....اغمضت عينيها فجأة على ملمس يداه الخشنة ....كأنها ترجع في الزمن لعشرات السنين ...ثم فتحتهم ثانية فقابلتها عيونه العاشقة ...تقسم انها عاشقة لها ....وحدها فقط... دون غيرها ....كيف غيروك يا أحمد ...يا حبيبي الوحيد وصغيري الأول ....
(لما دائما ما تغطيه ...انه ليس بهذا السوء ...)
صمتت للحظات وكأنها لم تسمع شيئا فقط لحظات قصيرة...لترد بخفوت :
(لا أريد رؤيته ابدا ولا أريد لأحد ان يراه ...فقط انا والليل حلفاء لمداواة ألمه الذي لم ينتهي بمرور السنين ...)
تضخم صدره فجأة ...حتى ان تنفسه توقف ...والذكرى تقترب ...تقترب بشدة ...هاهي !!! .....
امرأة بجمال البدر تحملة ابنة تماثلها جمالا ....ربما ابنتها ....بعيونهما الملونة ...وشعرهما الذهبي ...يبتسمان له حتى اقتربا فجأة ....يحاولان التمسك به ...لكنه بعيد ....يا الهي....هاهو يقوم لكنهما بدآ بالابتعاد فجأة حتى اختفيا ....هتف فجأة بانفعال :
(فيروز ....لا تذهبي ...لا لا....)
شهقت فيروز ببطأ وهي تنهض بخوف ....تمسك يده الذي امتدت اليها دون وعي ...رفع رأسه يراقبها وهي تحنو عليه بالرغم من قسوته معها ....اما يدها الناعمة فقد كانت بجانب قلبه ....بجانبها نعم ....
ابتسم لوهلة ثم همس بضياع :
(لا زلت تخافين علي ....ها أنا عجوز لا تخاف وقتي اقترب )
ضيقت عينيها بغضب ....هل يسخر منها ...عجوز ؟هل هكذا يسمي نفسه ...هته الكتلة من العضلات عجوز ....من لا يعرفه لا يظن انه من الخمسينات او ان له أربعة أولاد ..يظنه اخ ابنه لوسامته القاتله او ان له ثلاث من أخرى ....نعم أخرى غيرها ...جذبت يدها ببطأ لتتجه لجانبها متجنبة النظر إليه ثم قالت بخفوت حزين :
(ولك زوجة أخرى أيضا )
ثم اندست في جانبها تغمض عيونها بإرهاق أمام عيونه المستغربة ....نعم وزوجة أخرى ....يحاول في كل فرصة تفاديها ...نعم مل ...والله مل ...يريد الراحة ليوم واحد على الأقل ...
اتجه ببطأ يطفأ الضوء ليستلقي ينظر لظهرها المقوس بجمال ...ثم أغمض عيونه مستقبلا النوم المريح ......
(أنت تبدو جميلا ارتدي هذه القبعة لنرى ...)
ضحك بلطف على محاولاتها الفاشلة وهي تلبسه القبعة الوردية ....على كبره وأولاده سيرتدي قبعة وردية لجلالة اخته المبجلة ....لا ولها رسومات لأميرة هاربة ايضا ....سيصبح ملكة الفتيات الوردية ان بقى دقيقة اخرى معها ...لذا نهض ببطأ ينفذ بكرامته من تلك الأميرة البشوشة ....عبست فجأة وهي تراه تهرب لتنهض جاذبة عابد الصغير بقسوة غير متعمدة ....لا زالت تظن الصغار لعبة من لعبها ....فتح احمد عينيه باتساع على منظرها وهي تسحب عابد الذي يحاول أكل خشيبة خاصة بها ....ابتسم لدقيقة ....ليخرج يبحث عن زوجته الضائعة هي الأخرى .....
فتح الباب ببطأ دون ضجة ....ليراقبها من بعيد تتنقل برشاقة الغزلان وهي تنظف ببراعة ....فاقترب وهي منشغلة عنه ...ثم قبض عليها بقوة يقبلها بجوع طائش ....صرخت بدهشة على منظره ...لكنها سرعان ما ازدادت ضحكاتها على تصرفاته المتهورة ...ثم عانقته بحب ....تستمد منه كل طاقة ممكنة ....والشرفة المفتوحة تلفحهما بالنسيم النقي المعبئ برائحة الورود النزيهة .....
( متى سأشبع فقط اخبريني )
ضحكت بخجل لتقبض على ذقنه تقول بحب :
(لا ارى انك ستشبع أبدا وهذا مايزيد من سعادتي )
إبتسم بعشق ليستلقي وهي بحضنه على الأرض غير عابئ ببرودتها عليه ثم همس ببطأ:
(ذكرتيني بمبجلتنا الأميرة تسحب ضفدعها حتى كنست به الأرض )
اتسعت عيناها فجأة لتنفجر ضاحكة قائلة ما بين ضحكها الهستيري:
(على الأقل ليأخذ نصيبه بعد اياد المسكين )
صمت أحمد فجأة ليقول بخفوت :
(لم أظن يوما انك ستفكرين في الحمل ثانية بعد تجربة اياد)
رفعت وجهها بثقل لترد بحدة :
(وسأفكر دائما ...لن اخاف مهما حدث ...لأنه ابننا الصغير ...ولا يوجد مستحيل ....حتى اخاك أنجب ولدا كالبدر بعد سنوات من الحرمان ....وأخاك الآخر زوجته حامل ....فهل استصعب الأمل على زوجة أحمد....ام إياد )
ثم فردت يديها بجانب خصرها تراقبه بحذر .....ظل يحدق بشجاعتها المفاجئة ليهمس بضياع :
(أظنك أقوى مني يا أم اياد )
ثم ضرب رجلها برفق فسقطت عليه وهي تهتف بانفعال ....اما عنه فقد اغلق شفتيها كاتما كل اعتراض لئيم ...
خرج بعد فترة متدمرا لطرقاتها القوية وكانها ليست صاحبة التسع سنين ....فتح الباب بقوة يراقبها وهي تحمل عابد مقلوبا رأس على عقب ...تعانقه باختناق ...بينما هو لا يزال يحاول أكل الخشيبة ....اراد ان يعتب عليها لكن فيروز تدخلت في الدقيقة الأخيرة لتجذب عابد من بين ذراعيها الناعمتين وتناوله لأحمد وهو شبه مصدوم ثم قالت بقوة:
(هيا لتبقى اجمل الفتيات هنا وليذهب الأولاد لنا كثير من الأشغال )
اراد التذمر والصراخ لكن نظرتها المفترسة منعته لذا هز ذراعيه بلامبالاة ليقول بخفوت :
(لكي هذا )
وهبط السلالم وهي تراقبه بحب ....ابتسامة مشرقة تعتلي وجهها البشوش ...تراقبه بحب ...وكأنه الرجل الوحيد على سطح الأرض...واخته تمسك بثوبها الابيض....تحتمي بها وكأنها أمها بالفعل ...تودع عابد الباكي بين ذراعي أبوه .....
كانت النظرة الأخيرة ....والأجمل على الإطلاق ...ليسمع صرخة قوية ....بل صرخات ومنظر شيء يسقط من السماء حتى حطت أمام عينيه ....ودمائها انسكبت بسلاسة بينما هو لم يجد بدا من الصمت ...للحظات فقط ثم صرخ بقوة ....بصوت لم يخرج منذ سنين ..............
........انتفض بقوة من نومه وهذا الكابوس لا يترك نومه يمر أبدا أرجع رأسه للوراء ...ليتفاجئ للحظات ...بفيروز النائمه بهدوء ...صدرها يعلو ويهبط برزانة ...فاردة يدها الناعمة بجانب وجهها المختفي تحت شعرها الهمجي بعنفوان لطيف ...لقد نسى جميع التفاصيل ....فهذا الكابوس يسلب له عقله تماما وكأنه فاقد للذاكرة ...وقاتل للروح ....لان نظره للساعة اخيرا فكانت الرابعة الا ربع ...ليستلقي بتعب سنين ...ينظر للسقف يحاول النوم مجددا ......لكن شيءا ما ازعج نظره ....شيء موجود في السقف ...كانها ورقة مثبتة او شيء من هذا القبيل ...استقام قليلا وتناول هاتفه يشعل الاضاءة حتى لا تستيقظ ثم سلط الضوء على ذلك الشيء الغريب ...وإذا بها ورقة فعلا ...كيف وصلت الى هناك؟ وكيف سيخرجها ؟ ....هز رأسه ببطأ ليأتي على ملمحه كرسي لطاولة فيروز ....لكن هل سيغامر بجسمه المتهالك وان سقط ....همس فجأة بخفوت :
(لا انا لن اغامر ولتذهب للجحيم تبا ) .....
......يحاول التوازن حتى لا يسقط على عظامه الهشة ويده تمتد للورقة باعجاز ....حتى امسك طرفها الاخير فجرب جذبها ...ولحسن حظه سقطت بسلاسة وكأنها كانت تنتظره .... نزل بخفوت دون اصدار ضجة ثم تناولها ينظر لها باستغراب ...كان ظرف داخله رسالة على ما يبدو ...
اتجه للحمام يفتحها ولكن قبل فتحها تفاجئ بالعنوان الموجود عليها فقرأه بخفوت :
(الى زوجي العزيز -أحمد مؤمن -)
هل هذه لي ...استغرب في نفسه ليسرع في فتحها ...فقابلته رساله طويلة متهدلة وكانها كتبت منذ العصور الوسطى اطرافها متآكلة من كثرة من قبعت بذلك السقف ....تنهد ببطأ ليستند للجدار يقرأ كلماته ببطأ:
*الى زوجي وطفلي وحبيب قلبي الصغير ...صحيح انك اكبر مني بسنوات ....لكن لحظة ايداعي اني ساتزوج ذلك الوقور ابن مؤمن ....ابن عم أمي ....فرحت دون سبب ...دون حتى ان أعرفك ....بالرغم من انك اكبر مني بسبع سنوات ...لكني فرحت ...ملامحك ...حركاتك الهادئة ...كانت توحي لي أني سأعيش معك اجمل لحظات حياتي في المستقبل....وكانت هذه الحقيقة ....أتعلم ماذا أرى فيك ...ارى حبا لم أحمله لأحد غيرك ...ارى بطلي ...بل اجمل بطل في حياتي ...هذه الرسالة تمثل كلمات شكر ....وستقرأها ربما وأنا في جنات الله ان شاء الله....وانت ستكون بجانب ابننا الذي ستربيه انت...آسفة لأنك ستربيه وحدك ...وآسفة لأنني جبانة غير قادرة على قول تلك الكلمات ...انا خائفة يا احمد ....عكس شجاعتي الظاهرة فأنا خائفة من تركك ...لانني اعشقك اكثر من عشقي لنفسي ....واخاف حزنك اكثر من خوفي لموتي ....لذا اوصيك بابني هو رائحتي الباقية بعدي ....اعتني به ...ولا تنسى امرأة احبتك بجنون ...وابن ولد عن حب دام وسيدوم ..*
انتهى من تلك الكلمات ودمعة ساحت على خده الخشن ....هذه الرسالة كان سيقرأها يوما بعد موتها لولادة اياد بسبب الورم ...لكن شاء الله ان عاشت وقتلها هو ببطأ بدل المرض ...اغمض عينيه قليلا وقلبه ينهار بوجع ....حتى سمع ضوضاء يليه وجهها البشوش وهي تفركه ببطأ ....شبه مستيقظة ...حتى رأته تفاجأت للحظة ثم همست بتلعثم :
(حسبت انك ذهبت بعد نومي ...كما انني استيقظت للوضوء فأنا اصلي الفجر و ل..)
قاطع كلامها صوته البحوح يقول بخفوت :
(هل ستبررين لي استيقاظك للصلاة ...)
صمتت قليلا وهي تشعر بالغباء فجأة يتسرب في عروقها ...لما قالت ما قالته؟ ...لما لم تتجاهله فقط؟ تبا ! ...ثم أومأت بصمت لتستدير تنوي الخروج وجهها المحمر يكاد ينفجر من الخجل
....لكن يدا امتدت لخصرها تجذبها نحو صدره و انفاسه تلفح أذنها بعذاب ....أغمضت عينيها لوهلة وهي تشهق بعنف ...لتدور مقابلة اياه وعيونه تفضح ذلك العشق القديم ...
(م..ماذا تفعل أحمد؟)
ابتسمت عيناه قليلا يروي عطشهما منذ دهر مر ....وكأن قلبه تفتح فجأة....تفتح في تلك اللحظة ...ليقول بصوت يحوي الحب صوت متشوق للكلام معها ليس ذلك الصوت القاسي بل صوت يريد فقط الاكتفاء بها :
(ماذا هل تفاجئتي)
تنحنحت بتوتر لا تعرف ماذا تفعل ...لكن في غمرة حركتها الأخيرة كانت ضحية شفتيه الجائعتين بجوع سنين.....ليس عجوزا أبدا على تلك القبلات أو تلك الحركات ....تبا لأحمد مؤمن كم أنت ولازلت جيدا في التقبيل .....
....كانت همستها الأخيرة قبل ان تغيب لعالم بعيد .........
جالسة بالمطبخ منذ ما يقرب الربع ساعة تحدق في الجدار بفراغ ويدها على بطنها تدلكها ببطأ لعلها ترتاح قليلا ....أيام وهي تستفرغ في الخفاء وتتوجع في صمت وعندما بحثت في هاتفها وجدتها اعراض حمل ....حقا ...تفاجأت كثيرا ...فهمست في نفسها بهدوء :
(هل يمكن ان احمل بهذه السرعة ....لازلت صغيرة..صغيرة جدا.. )
ثم تنهدت بكبت لتعيد الهمس :
(ماذا كنتي تنتظرين وانت تتنعمين بأحضانه دون أقراص منع الحمل )
تسرب الغضب اليها وهي تقبض يقوة على بطنها وكانها تود خنق ابنها ان كان موجود ....كيف غفلت ....لم تحلم يوما بالأمومة ...مستقلةفي حياتها فقط ......تهوى وتلعب كأنها طفلة صغيرة ....حرة فقط حرة في هذا العالم الموحش ....كيف ستواصل دراستها. ...وبالأحرى لن تفكر فالإنفصال أبدا منذ هذه اللحظة...فلن يعيش ابنها دون أب مثل ما عاشت ....وإذ كانت على يقين بأن عابد لا يترك إبنه أبدا.....ابتسمت بمرارة فجأة لتقول ببخفوت :
(وكانني لولا الإبن سأستغني عنه )
شهران فقط شهران ....صارت تهيم به ....وكانه يجذبه بسحر ما ...عابد ذلك القاسي ...يحمل حنان العالم الجميل....يشبعها غراما ...ويملأ قلبها القاسي حبا ....بعد تجربتها المريرة مع حبيبها السابق....شردت قليلا في تفاصيله المسجلة بذاكرتها ....فأغمضت عينيها بهدوء ...تكاد تنام على الأرض من شدة تعبها ...
(لقد ذهبت .... )
أجفلت آية على صوته البحوح لتستدير ببطأ تحدق فيه بصمت ...وسعادة تسربت لقلبها ....ذهبت وأخيرا ...لقد انتصرت....كان متجهم الملامح يبادلها التحديق ببرود ..استقامت تحاول الوقوف حتى واجهت طوله المهيب بطولها المتوسط ...قريبة له تستطيع الوصول عكس الفتيات فدائما ما كانت آية هي الطويلة دائما بقامتها الخرافية ...تنحنحت قليلا لتقول بضياع :
(جيد ...هذا أفضل )
لم ينظر لها حتى ليرد بحدة :
(الحقيني لنجري الإختبارات )
استغربت قليلا في نفسها وهي تهمس
(اختبارات؟؟.. )
ثم رفعت عينيها بثقل لتقول بوجوم :
(كم من اختبار سأجريه ؟ )
توقف للحظة بعد كلامها ليرد عليها ببطأ :
(كل العلبة )
شهقت آية ببطأ لتهتف بغضب :
(لما كل العلبة ...اختبار واحد يكفي .. )
ظنت أنه لم يسمعها لوهل لكن ضربته المفاجئة على الجدار افزعتها لدرجة الصراخ لتبلع كلامها الباقي في حلقها ....ثم تجاوزته وملامح التحسر تعتلي وجهها الطفولي ....
دخلت الحمام يتبعها بخفوت ....لتستدير تواجهه وقلبها يعصف بعنفوان ثم قالت بتردد :
(أنا لا اعرف ماذا افعل لم احمل قبلا ... )
اي غباء جعلها تقول تلك الكلمات ...بالطبع لم تحمل قبلا ....تبا ! يالها من حمقاء ...والآن ستنتظر ضربتها القاضية ...ربما تبكي براحة عند إذ ...لم يطل تفكيرها حتى سمعته يهتف :
(فقط تبولي على ذلك الصحن وسأتدبر الأمور الباقية )
التفتت آية الى حيث يشير فوجدت صحن مستدير باهت ازرق اللون ينتظرها على ما تظن ....توجهت بخطوات بطيئة تراقبه ...لتتنهد بضجر ثم همست :
(حسنا استدر او انتظرني خارجا ريثما اكمل المهمة .. )
احمر وجهها بخجل شديد ...وهي تقرأ افكاره بكل خبث ...لتراه يتجه خارجا ...فزفرت براحة ....وهي تفكر للبعيد .....
...بعد لحظات دخل عابد وهو يملأ خمسة وعشرونة علبة بالسائل الذي خرج منها قبل فترة ...لكن عند وصوله للعلبة العاشرة تعثرت آية بثوبها فدست على الصحن ليحط على وجه عابد وملابسهزحتى أنه لامس شعره الجميل ...صرخت آية ببطأ وهي تقول بخوف شديد :
(آسفة والله آسفة خطأ لا اعرف كيف دست عليه )
لكن ملامحه الغاضبة ارعبتها فاستدارت هربا بنفسها متجهة للخارج....حتى شعرت به ورائها يمسكها بقوة مديرا إياها وهو يحدق فيها بشر ....لم تستطع آية تمالك نفسها او الحفاظ على قناع القسوة ...لتشرع في بكاء مرير ...بكاء وشهقات متتالية ...لا تعرف كيف خرجت منها ....وعيناها تنتحبان بمرارة ....ارتبك عابد فجأة من انفجارها الغير المتوقع ليهتف بخفوت :
(لا بأس لا بأس اهدئي. ...آية يا إلهي... )
لكنها واصلت اابكاء بصوت اكبر وانتحاب اكثر ...يكاد الوجع ينحر قلبها من شدة ما كتمته ...فجثت ارضا وعابد يخاول حملها ...لكن لا فائدة ليجثو معها ثم عانقها ببطأ ...تمسكت آية به وكأنه درعها الحالي ثم همست والشهقات تقطع كلماتها الخافتة :
(ها قد لحقتك واتسخت أنا الأخرى )
ثم اغمضت عيونها بتعب طويل ...حتى غفت ببطأ على ضدرة وقميصه المتسخ بسببها ....يكاد يخنقها ....
....بعد دقاىق فقط دقائق بدت لها ...فتحت اية عينيها لتستقيم تحدق به بحنان....كان نائما براحة مستندا لزجاج الحمام ....ابتسمت ببطأ على منظرهما المأساوي قد ناما في حضن بعضهما ثم استدارت قليلا لتقابلها الاختبارات المصطفة وبعضها مبعثرة ....جرها فضولها لتكتشف النتيجة لذا اقتربت بخوف حتى رأته لتتسع عيونها تدريجيا وهي تصرخ :
(عابد ....عابد استيقظ حبيبي .. )
استيقظ عابد بذعر لكن سرعان ما تبلدت ملامحه وهو يراها تستند الى ذراعها وهي تنظر للإختبارات بدهشة ....للحظات نسى كل ماجرى ....ليغمض عينيه يتذكر الاحداث الماضية ...وبالفعل تنحنح وعنقه يؤلمه بشدة ليعيد فتحهما ...و نبض قلبه يزداد بعنف ...اقترب قليلا حتى طالعه ذلك المنظر ....خطين ...خطين في كل اختبار ....تلك العشرة كانت تجمع خطوط حمراء متراصة تأكد وجود إبنه ....وتخبره انه سيصبح اب ..بل انه بالفعل اب ....ضحك بمرارة ليعانق آية بقوة ...وهي تبكي
بوجع ...ثم همست له بخفوت:
(سيكون لنا ابن ... )
رد عليها بصوت مقتضب :
(...بل أريدها ابنة )
ضحكت قليلا وهي تنزع له قميصه بعد ان جردت نفسها من ملابسها ثم قابلته وهي ترد بدلال :
(لك هذاا ... )
...........................................................
بوجع ...ثم همست له بخفوت:
(سيكون لنا ابن ... )
ليرد عليها بصوت مقتضب :
(...بل أريدها ابنة )
ضحكت قليلا وهي تنزع له قميصه بعد ان جردت نفسها من ملابسها ثم قابلته وهي ترد بدلال :
(لك هذاا ... )
...........................................................
نزلت بخلياء وهي ترتدي فستان مزخرج بفراشات متعددة الألوان يزيدها جمالا إضافة لعيونها الزرقاء بلون البحر وشعرها الذهبي بالوان الرمال مانت تبدو كلوحة فنية رسمت مجسدة الطبيعة ...ابتسمت وهي تقترب من المطبخ لتساعد أمها لكن الصدنة علتها فجأة وهي ترى أم سعد وحدها دون امها ...فاستغرب غي نفسها وهي تهمس بفتور:
(مالذي حدث ..امي لا تتأخر أبدا على وقت الفطور ...لماذا لم تنزل ..)
صمتت قليلا والخوف يربكها لتعيد الهمس :
(هل أصعد اليها ...لكن كيف اصعد وابي هناك ...يالهي مالذي جرى لامي يا مصيبتي ....)
بدأت ترتجف قليلا والتخيلات المرعبة لا تفارقها ..وباتت تهذي بصوت مرتفع :
(هل قتلها...هل سلخها ورماها ....ماذا فعل ...امي امي يا إلهي )
(من يقتل من ؟.. )
استدارت بهلع على الصوت من ورائها لتتفاجئ بسعد يحدق لها باستغراب ...عبست قليلا لتقول بنفاذ صبر :
(ألا عمل لك سوى التجسس علي ...من صغرك تحب إقحام أنفك الغبي في كل شيء )
رأت عيناه تتسع تدريجيا وملامح الغضب تزوره باستنكار لترجع خطوتين للوراء خوفا منه ...يا الهي هل تخاف من سعد ...ذبك الفتى التي تبرعت امها بمنحة دراسية ليدرس معها ويصبح سفير بأموالهم بينما هي مجرد خياطة ..لكم تدين له الحقد اضعافا على نجاحه المبهر ...وسفره الدائم ..بينما هي ماذا ...لا زالت قابعة بين جدران آل مؤمن ....
(مزاجك اليوم غير عادي هل تريدين ان ادخل مفك لعقلك الصغير و ارى العطل به ... )
التفتت بصدمة على كلماته الفذة لتشرع في صراخها وهي تضربه بهيجان :
(انت صاحب النصف عقل يا ابله ...يا سعد المجنون )
اراد امساك يديها الرقيقتين ليعرف ما بها عيون البحر لكن أمه تدخلت وهي تبعد بينهما هاتفة بخوف:
(انه فظ وقليل التربية لا تقلقي يا ابنتي انا من ستربيه )
تريثت صفاء بهدوء وشعرها المشعت...صحيح انها لا تخفي شعرها أمام سعد ...لأنه تربى معها منذ الصغر ...وكان يساندها دائما ...حتى في مصائبها يكون سعد موجود ليدافع عنها...فمن تكون لتخفي عنه خصلات ذهبية عاشت معهما ... لقد فشت قهرها وغضبها فيه ...وهو على غير دراية بما تعانيه ....جاء منذ يومين ...وتغير فعلا ...فيومه الأول تقدمت صفاء لإستقباله ...اشتاقت له كثيرا ...صديقها الوحيد وكيف لا ...
واقفة بالمطار وام سعد بجانبها ترتجف بخوف وهي تهتف كل دقيقة :
(هل يمكن ان ضاع الولد يا حبيبي له سنين لم يأتي )
تنهدت صفاء بملل لا ينقصها سوى ام سعد ونكدها ...لذا استدارت عنها ترفض الجواب الذي تتليه منذ ما يقرب الساعة ...جلست بالقرب من الجدار ...لتتفاجئ برجل تقسم أنها تعرفه ...اسمر جميل جذاب تظهر عليه مظاهر الغنى ولكن ليس هذا ما عرّفها به بل تلك عيون الصقر جعلتها تتعرف على سعد حتى لو من بين مئة رجل ...اقتربت منه على غير هدى ...وهي تراه يسرع خطواته ...حتى عانقته فجأة بقوة ودموع لا تعرف سببها تذرف بكثرة ...بينما هو همس لها بصوت رجولي غليظ:
(لا بأس يا عيون البحر أنا هنا )
....بقت شاردة للحظات على ذكريات اليومين لكن منظر ام سعد وهي حاملة الصندل لتضرب به ابنها على وجهه بقوة جعلها تضحك لثواني لتتقدم تحل المشكلة وهي سببها ....
شتم سعد بخفوت من الألم فسمعته صفاء لتضربه في معدته بقوة وظلت تضحك حتى سعلت ...بقى يراقب ضحكاتها الرزينة ...كانت مثال الجمال في كل شيء...غير غضبها ...تصبح كالحيوان المفترس همس فجأة بخفوت وهي تحدق فيه بنصر :
(هل ربحتي المعركة يا صفاء .. )
لانت ملامحها برفق ...وكأن جملته ضربت فرحتها في الصميم لتزول ببطأ ...ظلت تنظر اليه بشرود لترد قائلة:
(انا لست بخير إطلاقا ... )
ضيق عينيه وهو يراها محبطة بهذا الشكل لاول مرة ...ليستقيم ومعدته وضربات الصندل لا زالت تؤلمه ...اقترب منها قليلا ليقول بخفوت :
(تعرفين أنك تستطيعين البوح بما تريدين خصوصا لي ...انا سعد هل نسيت ؟ )
رفعت عيونها البحرية لعيونه السوداء الشبيهة بعيون الصقور....نعم لاطالما كان سعد صديقها ..في المدرسة والبيت وخارجا واين ماذهبت ....حتى سافر وتركها تعاني ...
(لكنك تغيرت وبت تسافر وتعمل ولك الأموال والشهرة وأنا ماذا فعلت ...لازلت هنا كما تركتني منذ سبع سنين )
زالت ثقته لثواني ...على كلماتها الحارة ..نعم قد تركها بعد معرفة حبها الهائم لابن عمها ....كان ذلك قبل اليوم الأخير ...ذلك اليوم الذي قرر فيه البوح بحبه لها والسفر معها لكل البلدان ....ابتسم بشرود على حلمه الغبي ليعود للواقع المرير وهو يقول :
(انت من اردت البقاء ياصفاء وليس وحدي من تغيرت لكن لو طلبت منك الذهاب معي المرة القادمة التي ستكون بعد شهرين ...هل توافقين الذهاب الى****).
اتسعت عيونها ببطأ على فكرته او بالأحرى المكان الذي ذكره ...وهي تتمنى منذ زمان الذهاب إليه ...لكن كيف عرف ...ماذا تخفي يا سعد ...
(ماذا تفعلان ؟ )
استدارا كل منهما على صوت راسب برعب وصفاء تتلون بجميع الوان الطبيعة خوفا من ان يفضحها راسب امام ابن خادمتهما لكنه امتثل الصمت وهو ينتظر الإجابة بنفاذ صبر ....ظل سعد يراقب راسب بتشفي ...ا
أنت تقرأ
صدفة قاسية 🔞
Randomوأغار من غريب يرى عينيك صدفة فيغرم بهما ...كيف لا وهو يهيم بعيون الرمل الذهبية ....شرقية اجتمعت فيك الثقافات..... ...... لتكون مثالية في عيوني فقط ......