الجزء 30

1.9K 24 20
                                    

فُتح الباب ببطأ فتحنحت إبتهال بتوتر خجلا من الفاتح وقد كان رجلا وسيما يبتسم بإشراق
.....بادلته ابتهال الابتسام بارتجاف بينما كانت ملامح راسب لا تبشر بالخير أبدا ....وكأنه ينبذ هذا الشخص أو شيء من هذا القبيل...
فتح الرجل الوسيم فمه قائلا بترحيب :
(تفضلا ....أهلا بكي سيدتي )
أومأت إبتهال بشرود تخطي أول خطواتها نحو القصر المجهول.....
فالمرة الأخيرة لم تدخله بل بقت تراقب المبارزة الشرسة بين أخته وابنة عمه عند الباب كالقطط الصغيرة....
ابتلعت إبتهال ريقها ببطأ تراقب ذلك القصر بتمعن كان نوعا آخر من البيوت
....تصميمه الدقيق متداخل بين القديم والحديث ...فيه نكهة من الماضي....لكن بأسلوب متحضر ....
لم تستطع أن تصفه من شدة جماله ..لذا اكتفت بالصمت والتأمل فيه بحيرة.....شاردة في تفاصيله....
....شهقت فجأة على يد راسب وهي تهزها ببطأ لتنتبه له ...فالتفتت له باجفال قائلة بهدوء :
(آسفة كنت شاردة سيد راشد )
بقى راسب يحدق في ملامحها البريئة ...كقطعة ناصعة منزوعة من النور الباهي....وشعرها الحريري الطويل حكاية أخرى من ليل حالك شديد السواد ....
حاول راسب ابعاد عينينه قصرا ثم تصنع إبتسامة مرتجفة يرد عليها ببطأ :
(لا عليكي ...فقط ....تستطيعين انتظاري في قاعة الجلوس هناك ريثما أنهي ما جئت لأجله  )
أومأت ابتهال بخجل لكنها سرعان ما رفعت رأسها تسأله بخفوت :
(هل أستطيع دخول الحمام )
تنهد راسب بثقل من صوتها الجميل ...ألا يوجد عيب بهذه الفتاة حتى ينتقده .. لما هي كاملة بهذا الشكل....لطيفة ....جميلة ....يشعر بنقاء روحها الذي ينهش كيانه....
....رفع إصبع يشير لها أن تتبع الرواق ثم همس لها ببطأ:
( امشي في هذا الرواق  حتى تصلي إليه على اليمين يقابله المطبخ )
استدارت ابتهال تتبع تعليماته.....بينما بقى يراقب مشيتها الظريفة ...
....أظن أنه وجد شيءا ينتقده ....في تلك المشية بذلك الكعب الطويل ...كطفلة تعلمت خطواتها الأولى حديثا...
إبتسم بشرود ...ثم استدار ...للقاعة الرئيسية....يحاول ضبط مشاعره
....بين الخوف والشوق ....فإياد هو الأخ الوحيد الذي لم يعش معه كثيرا لكنه كان الأخ المثالي والحنون الطيب.....
هو من أقنعه  بفكرة أن فيروز ...فعلت كل شيء لأجله ...وأن آخر ماكانت تود فعله هو أن تعطي إبنها لضرتها.....
فهي لم تتقبل  الأمر سريعا ....ورغم أنها كانت لازالت نافسة اي على ولادة حديثة...
....إلا أنها حملت أطفالها الأربعة متجهة بهم للمطار......حتى تهرب بهم من هذا العالم الموحش الى أخوها في خارج البلاد ....
ضمت أمتعتهم ....أخذت مالها ...وتشكر ربها أنها دائما ما كانت توفر مخزون مادي في مخزونها..لذا فلديها ثروة في حسابها البنكي .....
.....تمشي بخطوات مرتجفة..بعد أن تسللت من المنزل .....تجر معها أبنائها اياد ....صفاء ..عابد..و راشد صاحب الأربعة أيام فقط ....
تخطي خطواتها الأخيرة في هذا القصر  بألم يعصف في بطنها ....وخياطة الجرح تنهش جسمها....ربما هي تنزف الآن ...اغمضت عينيها بقوة تعض شفتيها ...تحاول تناسي الألم...
.وأسرعت الخطى للسيارة ...التي كان ...يقودها سعيد
...بداية لم تعرف من تستنجد...عائلتها لن تساعدها في مثل هذا الوضع أبدا ....
أن تهرب من أحمد مؤمن ...فضيحة لا تغفر ...غير فرد واحد فقط وهو اخوها الوحيد ....الذي أعطاها الأمل أن كل شيء سيكون على مايرام ..وأنها تستطيع المجيء متى ما أرادت.....
...وعندما فقدت ثقتها في الجميع ..بعدما خذلوها....قابلها سعيد ..كالثمرة الصالحة في كل هذه العائلة الفاسدة
..اتصلت به فورا ....وقصت له جميع الأحداث ...كيف يرغمها أحمد قصرا أن تعطي ابنها وتتخلى عنه بكل بساطة....لمجرد أن زوجته عاقر ....
كانت قلب الولادة تبكي بقهر في كل نفس تأخذه
...تتمنى لو يبقى في بطنها ولا يخرج أبدا...وعندما ولدته..منحها مهلة ثلاثة أشهر ...للرضاعة الأولية ...ثم سيأخذه دون رأفة
....كيف تغير أحمد ....كان ....مثال الحب في حياتها ....كان نسيم الدفأ ....الآن هو مجرد كتلة من المشاعر القاسية التي بدأت تقتلها ببطأ....
اتفقت فيروز مع سعيد على ان يساعدها وقد ساعدها بالفعل ففكرة أن يأخذ إبن من أمه أمام عينيه لن تحدث أبدا .....وخصوصا أن له إبنين صغيرين ..ايوب وعنبرته الصغيرة
..لا يريد أن تتأذى شعره منهما ...فكيف ان تتأذى من ابن اخيه ....
وافق سعيد بعد تردد على فكرة الهرب...ووفر لها التذاكر والتأشيرة ....وزاد حسابها البنكي أضعافا ...حتى لا تحتاج احدا ....
ركبوا السيارة بخوف ...رغم ان الأولاد لم يستوعبوا شيئا...إلا ان الخوف تملكهم...كان يشدون ثياب أمهم بقوة....أما عن اياد ...فكان يراقب بصمت ....يستشعر نبض أمه الجياش....مفكرا في نفسه :
(مالذي سيحدث ؟)
........تحرك سعيد بسيارته يسابق الرياح ....حتى لا يلحقهم أحد ....وعندما استقروا أمام المطار ....التفت اليهم يراقبهم ....
كانت فيروز ترتجف بخوف ...لكنها استرجعت ثباتها و نهضت هي وأطفالها ...حتى يفرون من هذا الجحيم.....
....اقتربت من مدخل الطائرة تعد اللحظات لركوبها ....صعد اياد وعابد وعندما وصلت لصفاء....أوقفتها تلك اليد الرجولية تشدها نحو الخلف  بنوع من الألم القاسي
....حتى ان صفاء بدأت بالبكاء...هناك رفعت فيروز عينيها بثقل تراقب أحمد بشحمه ولحمه يستشيط غضبا..محمرا بشدة
....شحب وجهها تماما وتملكها الرعب لكنها أول ما فعلته ...هي أنها..جذبت صفاء لصالحها من جديد.... ووضعت أبنائها ورائها بينما الرضيع بين يديها يبكي
...وكأنه شعر بأن الخطر قد حل بالفعل وقد حانت اللحظة الحاسمة...
ولن تستطيع الهرب منه أبدا......
صرخ فيها أحمد وسط الحشد بغضب :
(ماذا تظنين نفسك فاعلة وانت تهربين بأولادي )
رمشت فيروز عينيها بتوتر تحاول ان تتأكد انه هنا حقا وأن خطتها أبت بالفشل فعلا ففتحت فمها ترد بكل ثقة:
(أهرب بأولادي بعيدا عنك وعن حقدك وغلوك .....بعيدا عن انتقامك القاسي علينا ....على اياد على عابد علي أنا تحديدا....حتى ابنتك صرت تكره النظر لوجهها ...وليس لها ذنب سوى انها جاءت نسخة من ملامح أختك رحمها الله ...)
صرخ أحمد وسط كلامها رافعا يده بغضب  :
(اصمتي ...فقط اصمتي ...يبقون ابنائي ...افعل المستحيل كي يعيشوا سعداء من أنت لتحكمي علي كيف أربي أولادي ..  إذا كنت أمهم فأنا أبوهم )
وضربها على وجنتها بقوة جعلتها تتهادى أرضا ...لم تعر لنفسها إهتمام فقط حاولت حماية رضيعها حتى لا يتأذى ...
بينما صراخ سعيد يزداد تدريجيا والحشود تراقبهم بصدمة ....لكن الأمن لم يتدخل لخطورة الوضع...فالمساس بأحمد مؤمن يعني المساس بمستقبل الشركة....لذا تركوهم على راحتهم....ختى وان قتل زوجته أمام عيونهم لن يتدخلو ...
اقترب سعيد أكثر منهم وعندما وجدها بذلك الشكل أرضا و احمد يحاول أخذ راسب من بين يديها قصرا ....
هجم عليه دون تفكير ....وضربه بقوة على وجهه ....تطلب أحمد منه الوقت  ليسترجع وعيه من هول الضربة....وعندما رفع عينيه لم يتوقع أن شريكها  السري...كان أخوه ...وليس أي أخ ....الأعز على قلبه....تنهد أحمد بثقل ثم قال له بخفوت :
(كنت أنت سعيد ؟؟ اخي الذي وثقت به ....أخي الكبير....هكذا بكل بساطة تخدعني ...و تخطط مع زوجتي لتهريب أبنائي ....بأي حق تفعل هذا ....كيف استطاعت إقناعك ؟)
ثم التفت  ينظر إليها  بألم مختلج بحزن كبير ....لو تأخر دقيقة واحدة عن إتصال مدير الشركة  لذهبت بهم ولما رآهما مرة أخرى.....لا يعرف كيف رد من الأساس لكن فور سماعه أن التذاكر جاهزة ويستطيعون الطيران ....اتجه دون تفكير مستعد لقتل أي أحد يقف في طريقه
(بل أنت بأي حق تأخذ طفلها ....وتعطيه لأخرى ....كيف تفكر ....كيف أقنعوك بهذه الفكرة ؟)
أغمض عينيه يرفض الجواب ...كان هذا آخر ما يفكر فيه ..أن يناقشه أحد بخصوص أطفاله ..ثم فتحهما من جديد ورد عليه بحدة  :
(بما يخص راشد .. انه ابني ....وأعرف كيفية التصرف...وهذا لا يمنحكما الحق لتحرماني  منهم )
ابتسم سعيد بفراغ ...هل يمزح معه ....كيف يفكر ...بل كيف تغير تفكيره بعد تزوجه من تلك الطفلة
....كادت فيروز أن تجهض من صدمة زواجه الثاني لكنها تمالكت نفسها بأعجوبة وما زاد صدمتها هو أن يأمرها بأن تتخلى عن الطفل....
فتح سعيد فمه يرد عليه قائلا بمرارة :
(لكنه ابنها أيضا )
والتفت يحدق فيها بتحسر ....كانت لازالت على الأرض....وعابد يعانقها بقوة ...بينما هي تحاول مراضاة صفاء حتى لا تبكي أكثر ....
والرضيع تشده تكاد تخنقه إذا كان يريد أخذه فليقتلها أولا...
أما عن إياد كان يحدق في أبيه بحقد شديد ...صحيح أنه صغير على أن يستوعب ...لكنه لن ينس أبدا تلك الضربة تحديدا أمام عينيه .....
.....صرخ أحمد في سعيد بنفاذ صبر :
(لا تتدخل في عائلتي ...انها زوجتي  .....لا تجعلني أتعامل معك بطريقة لا تعجبك ....ضع فيمتك بنفسك ....ابقى بعيدا عن مشاكلي الزوجية)
واستدار متجها لفيروز ....مقتربا منها يجذبها بعنف من يديها...لحقه سعيد فإذا كان حمايتها يتطلب خسارة أخوه ...إذا فقط خسر أحد أخوته بالفعل ....
وقبل ان يصل اليهم شعر أحمد بعضة قوية في رجله ...صرخ دون وعي ليجده إياد يعضه بكامل قوته لدرجة أنه اغمض عيونه بشدة ...
توقف احمد عن الحركة ليس من الألم بل من صدمة ما حدث ....هو الآن يبدو كالوحش في عيون ابنه ....
اقترب أحمد من اياد يضع يده على رأسه لكن اياد هرب منه يختبئ وراء فيروز ....
فتحت فيروز فمها قائلة بخفوت :
(وإن رجع بي الزمن للحظة التي فكرت فيها  الهرب منك ....لما ندمت أبدا ولأعيدها حتى تصح  وتتحقق ولا أرى وجهك أبدا)
بقى يحدق بصمت في عينيها اللتان تحدقان فيه بكره ثم واصلت كلامها بمرارة :
(طلقني .....قلها ودعنا ننتهي من المهزلة ....طلقني ....بت أكره العيش معك....والنظر لوجهك )
ضحك أحمد بسخرية ثم اقترب يوقفها برفق خوفا على الرضيع وهمس قريبا من اذنيها :
(في أحلامكي ....لو هربت للقمر ...تبقين زوجتي للأبد....لن تكوني لغيري ابدا ....)
ثم هزها بعنف شديد مكملا كلامه بقسوة :
(بل سألحقك و أنسيك في إسمك ....سأجعلك تكرهين اليوم الذي ولدتي فيه ....يا خسيسة )
نزلت دمعتاها الأولى....وهي على يقين أن سعادتها انتهت منذ الآن على ما يبدو.....
وصل اليهما سعيد ينظر لها بخوف ....هامسا في نفسه:
(كم كنت اريد ان تكوني سعيدة فيروز....لكن لم يتحقق ذلك ما دمتي اخترتيه )
هل هو ناقم عليها لأنها اختارته ...لا بالطبع.....قد عاشت الاحلام على الواقع وهي معه ....لكن وفاة أخته غيرت الكثير ....وقد حولت حياتها لجحيم بالفعل ..
...........نفثت فيروز نفسها من يديه كمن لسعته نحلة سامة واستدارت لابنائها تجذبهم نحوها ثم قالت بصوت ميت :
( ناد سعيد يأخذنا للبيت إذا.....)
ضيق  أحمد عينيه باستغراب ماذ سعيد ؟ هل هي مجنونة ثم  رد عليها بغضب ينوي قتلها :
(أنظري أمامك لم يهن بي الزمن بعد الا استطيع ايصال سيادتك ....لما سعيد ؟...لما تواصلين في اغضابي...حتى انهش لحمك حية... )
رفعت عينيها تراقبه بملل وكأن شيء لم يكن...ماتت مشاعرها وقلبها ..حتى خوفها منه ..وكأنها فعلا لا تبالي ! .....
ثم ردت عليه ببرود :
(من أحضرني يأخذني....كما أنني لا أثق بك مطلقا....وخاصة على سلامة ابنائي...ابتعد عن طريقي أحمد ....ان كان بيننا صلة فهي ....حبر على ورق ...لا أكثر ولا أقل ....)
وصرخت بقوة منادية على سعيد حتى يأخذهم بسرعة...وبينما هي تقترب منه ... متناسية لأحمد ...وملامحه الغاضبة
....امتدت يدها تنزع الوشاح....الذي كان يغطي وجهها ....هامسة في نفسها :
(سئمتك وسئمت الحياة معك ....أظنها نهايتنا أحمد نهاية حب وددت ان يكون أبدي يوما )
وكأنها اشارة تعني الاستقلال عن احمد مؤمن ...هي فقط فيروز أم إياد وأم عابد أم صفاء وأم راشد .......
توقف سعيد تماما على الحركة يحدق في تلك الملامح الخلابة...بعد ان نزعت القناع الذي كان يحجب عنه كل هذا الجمال ...
كلوحة فنية لأجمل امرأة في الكون مع أولادها المتشابهين....لا يعرف كيف يصف المنظر...من شدة جماله...
وصلت إليه بخطوات مرتجفة ثم همست بتلعثم :
(خذنا للقصر سريعا )
أومأ سعيد بشرود يتبعها وهي متجهة للسيارة ثم التفت يراقب احمد المنكسر......
كانت ملامحه بين الدهشة والغضب.....هل فعلا كشفت عن وجهها أمام أخيه والحشد جميعا ؟؟
...لحظة دخول القصر...هرولت فيروز لغرفة الصغار ...اخذت المفتاح معها وأقفلت عليهم جيدا بعد ان استطاعت اقناعهم بأنه لم يحدث شيء ...ورغم القلق قد ناموا أخيرا ....
ثم اتجهت لغرفتها ترتجف حرفيا ....كان المنزل خاليا من أي أحد غيرها هي وابنائها أحمد وسعيد
...فقد قامت بصرف الخادمين جميعا قبل الخروج ...والجد فرحات مع منى خارج البلد....وهكذا استطاعت الهرب دون معرفة أحد..جلست فوق السرير الوثير تنتظر عقابها الذي ربما ينتهي بالموت ...
دخل أحمد ورائهما يتبعها بجنون وقبل أن يصعد السلالم قبض سعيد على يده يجذبه نحو الأسفل هاتفا فيه :
(إن حدث لها مكروه ستكون العواقب وخيمة ....أنا احذرك أحمد..)
أبعد احمد يده بطريقة فظة ثم رد عليه بكره :
(حسنا هل أستطيع الصعود لزوجتي لو سمحت....أحتاج لحقوقي الزوجية حتى تلبيها لي بعد اذنك بالطبع)
فتح سعيد عينيه تدريجيا ثم بصق في الهواء وكأنه يلعنه قائلا من بين أسنانه :
( لازلت اخوك الكبير ..كيف تتحدث معي بهذا الشكل ....ان كانت هذه طريقة منك حتى أغادر فأنا لن أغادر حتى تطلب  مني  فيروز المغادرة...)
ابتسم احمد بمرارة فاردا يديه على أقصى ارتفاع هامسا بخفوت :
(البيت بيتك أخي )
ثم التفت يصعد الدرجات الأخيرة بتوتر متجها إليها....لا ينوي على خير أبدا.....
خرج من قوقعة ذكرياته على صوت صفاء يناديه برفق:
(راسب ....راسب )
رفع راسب رأسه ببطأ وكأنه غاب عن الوعي وهو يتذكر الأحداث المظلمة ثم تقدم من صفاء قائلا بهدوء:
(كنت شاردا ......لا عليكي ....أين اخي بل أين الجميع )
إبتسمت صفاء بحنان ثم ابتعدت قليلا لتسمح لإياد بالمرور من ورائها....
شعر راسب بغصة مؤلمة في حلقه ....كمن فقد جزءا من روحه واسترجعها توا ....لا يستطيع وصف أهمية اياد بحياته ...كان الشيء الوحيد بعد فيروز الذي يبقيه متفائلا دوما ...
تقدم راسب بتردد يحدق فيه وعيونه تتلألا بدموع حبيسة ...هل سيبكي حقا في هذا العمر يا إلهي ؟؟
لا بد انها كارثة لكن كيف سيستطيع السيطرة على نفسه....
راقب إياد ردة فعله بصمت حسنا الطفل الصغير الذي تركه كبر وصار رجلا بحجمه بل أطول بقليل...تجلجل كيانه دفعة واحدة..من يخدع...لم يكن راسب اخوه يوما ....بل كان وسيكون دائما إبنه الذي رباه بكل حب اكتسبه من والدته ....
لم ينتظر إياد أكثر إلا و اندفع نحوه يعانقه بقوة ....يكاد يخنقه من شدة قوته مغمضا عينيه هامسا بخفوت :
(اخي اخي )
رفع راسب يديه يحيط بصدر اخيه مستقبلا إياه بحرارة كان هذا هو مايحتاج اليه منذ زمن ....حضن قوي يحتوي مشاعره الجياشة .....ثم سقطت أول دمعة له ...وأظنها لن تكون الأخيرة ........
.........................................................................
.......تنتظر سماع دقات الجرس ونبضات قلبها تتسارع ....تشعر وكأن التوتر ينهشها ...كيف ستصارحها الآن ....سقتلها حرفيا..بعد معرفة ما جرى في مدة شهرين فقط...زفرت آية نفسا ساخنا تحاول...السيطرة على نفسها ....ثم  سمعته يهمس من ورائها :
(ما سر كل هذا القلق ...إنها مجرد زيارة عادية )
التفتت إليه تحدق فيه بغضب ثم ردت عليه بجفاء:
(أنت لا تعرف عن من تتحدث)
ابتسم بخبث ثم فرد يده على بطنها بحنان هامسا بخفوت :
(لكن اعرف عن ماذا ستتحدثان)
إقتربت آية منه بدلال قائلة بحب:
(عن ابنك صحيح ؟ يعجبك شعور الأبوة ؟)
بقى شاردا في عيونها العسلية الدافئة ثم رد عليها بفتون :
(ليس كشعور اننا سنكون أجمل عائلة )
توسعت ابتسامتها أكثر حتى ظهرت أسنانها الجميلة ثم اقتربت تقبل خده ...فعبس عابد متظاهر بالحزن...هامسا بقنوط :
(الخد  الثاني يوصل لكي رسالة انه حزين )
فتحت عينيها تدريجيا كعلامة حيرة ثم سألته بهدوء:
(ولما هو حزين ؟ )
بقيت ملامح عابد على نفس الحزن ثم رد عليها قائلا بخفوت :
(لأنك لم تقبليه كما فعلت مع الخد الأول أنت غير منصفة بينهما ....يا ظالمة )
ضحكت آية ببطأ على ظرافته اللطيفة...مؤخرا تحول عابد من الشخصية المتعصبة الغير القابلة للمناقشة الى شخصية هادئة مسالمة رائعة بمعنى الكلمه....
اقتربت آية تراضي الخد الثاني لكنه سرعان ما التفت...يستقبلها بشفتيه .....نعم لقد خدعها بكل جدارة...
ضربت صدره برفق على تصرفه الطفولي...ثم همست بحدة  وسط قبلاته القوية :
(مخادع ...انت مخادع سيد عابد كيف تتجرأ على انتهاك حق الخد الثاني )
وكأنه لم يسمعها مطلقا بل واصل تقبيل شفتيها بنهم ...كل يوم يزيد عشقه فيهما ....تلك الشفتين المكتنزتين ذات اللون الأحمر الذي يميل للبنفسجي الفاتح.... كونها تملك بشرة سمراء مشعة.... جميلة ...ببساطة هي جميلة ....
قطع الجرس اللحظات الحلوه بينهما فانتفضت آية مجفلة بصدمة....متذكرة من جديد موضوع الضيف...وكيف ستحكي له ....
ثم اتبعته وهو يفتح الباب...بدأت تعد اللحظات بخوف وعندما دخلت البيت هتفت آية بحماس مزيف :
(أمي حبيبتي)
اقتربت منها امها تعانقها بقوة مستقبلة إياها بحنان.....قائلة بمودة :
(ااه آية ابنتي اشتقت لكي ..اشعر وكأنني لم أرك منذ قرون ...ااه حبيبتي )
ثم توقفت تنظر لها كليا من الأسفل إلى الأعلى وهمست بحيرة :
(لقد اكتسبتي وزنا لا بأس به )
ضيقت آية عيونها باستغراب ثم راقبت عابد وهو يضحك بخفوت...فحدقت فيه بغضب وكأنها تتوعد فيه أنها ستكون آخرته لو ضحك أمام أمها ....لذا حاول كبت ضحكه بأعجوبة....
(نعم نعم انا اشتقت لكي أيضا حبيبتي دعينا ندخل للقاعة هيا أمي )
بدأت أمها تتجول بعينيها في المكان بدهشة مكررة باستمرار :
(بسم الله ماشاء الله قصر بمعنى الكلمه...يا ابنتي....انه مثل قصور الأفلام رائع )
إحمرت آية تدريجيا على كلامها العفوي ....نعم هذه هي أمها شخص بسيط الحال فعلت المستحيل ...لتعيش ابنتها الحياة التي ترغب بها
.....بينما صعد عابد لغرفتهما.....أظن عمله انتهى ...سينتظر ردة فعلها الذي ينتهي إما بصراخ أو زغروتة الفرح ...وهو متأكد أنه سيكون صراخ....
....وبعد جلوسهما وتحاورهما حول أشياء مملة كالعادة...تجشعت آية اخيرا وقالت بتلعثم :
(أمي أنا حامل )
وكما توقعت تماما رفعت أمها يدها وضربت وجنتها بكل ما أتيت قوة .....
*يتبع*

صدفة قاسية 🔞 حيث تعيش القصص. اكتشف الآن