جزء27

1.8K 27 8
                                    

صراخ وصراخ يكاد ينفجر رأسها من الضوضاء حولها ...تنهدت بعمق تفكر في نفسها وهي تبيت ثلاث أيام مع أطفالها دون زوجها الذؤي تركها بلا سبب ....
...زفرت نفسا ساخنا وكأن عقلها توقف عن العمل ....تعد تلك الثلاث الأيام كرقم قياسي لها ...بعد قرابة عشرين سنة كأنه البارحة ....لاتنسى تفصيلة واحدة وأمها ترفقها خالتها يدخلون عليها بملامح مبتسمة أثارت الريبة في قلبها فإن أمها لا تبتسم إلا في المناسبات ....تريثت تهدء نفسها ثم سمعت خالتها تقول :
(يا إبنة أختي يا حبيبة خالتك كيف الحال ؟)
وتلقبها أيضا إرتفعت شفتي مريم قليلا في شبه إبتسامة باردة لترد ببرود:
(نشكر الله وأنتي يا خالتي؟)
إقتربت خالتها تجلس بجوارها لتقول بخفوت :
(بخير ...كيف الأوضاع بالبيت )
وهنا عرفت مريم الموضوع الأساسي في كل تلك المسرحية لترد عليها :
(ككل يوم ألازم المنزل حتى أسافر )
ضحكت خالتها ضحكة خشنة لتواصل كلامها بلهفة :
(ولا عريس قادم أو ذاهب ...يا حسرتاه مريم وأين جمالك )
وهنا أغمضت مريم عيونها بتعب تكاد تنام وسط تلك المحادثة المملة عن الزواج فهو آخر ما تفكر به ....ووسط تفكيرها سمعتها تقول بهدوء :
(لكن لا تقلقي يا ابنة اختي الحبيبة لي عريس تحلمين به منذ صغرك إنه الفارس الحقيقي...)
ابتسمت مريم بفراغ أمامها ثم همست بفتور :
(عمري ستة عشر سنة خالتي أي زواج تتكلمين عنه مازلت صغيرة لي أحلام اكبر من أكون ماكثة بالبيت ..)
تزعزت إبتسامة خالتها قليلا لكنها سيطرت عليها في الثواني الأخيرة ثم قالت بخفوت :
(العمر ليس مشكلة أبدا صغيرتي كلنا تزوجنا في عمر صغير ...ثم إنني أقول لكي عريس ....كم من فرصة تتاح لكي وهي في وضعك ....؟أقول لكي هذه فرصة ذهبية ..)
تلألأت عينا مريم بدموع حبيسة تمنع نفسها من الإنفجار بصعوبة ثم سمعت أمها تقول بفذاذتها المعتادة :
(ماذا أقول يا منى ...ونحن نعالج بكل الأنواع لكن لا أمل ...عاقرة ليس لها دواء ....أنظري لي ستقبلي به ليس كل رجل يقبل أن يحدد نسله من قبل عاقرة مثلك ...)
خرجت منها شهقت إستطاعت تخبأتها وكأنها تسعل فلم ينتبهو كثيرا ثم ردت عليهم أخيرا :
(أعاني من تأزم بطانة الرحم أولا هذا يعني أني لا أستطيع أن آوي الصغير داخلي وليس أنني لا أنجب )
إقتربت منها أمها بسرعة تمسك يدها بغضب ثم هدرت فيها بعنف :
(نفس الشيء عاقرة ...)
فصلت منى الوضع المشحون أخيرا متنهدة بثقل قائلة :
(لا تقلقي يا مريم فهذا الرجل له أولاد لن يضغط عليك بأي شكل )
ضيقت مريم عيونها باستغراب لتهتف دون وعي :
(من هذا ؟)
ثم سمعت صوت منى يرد عليها بحماس وابتسامه تضيء وجهها :
(إنه إبني أحمد )
أجفلت مريم بصدمة تراقبهما وملامحها تحولت لقناع جامد ثم قالت ببطأ :
( تقصدين أحمد الذي أسبق إبنه بسنة والذي يعشق زوجته عشقا لا يكسر )
امتقع وجه منى على كلماتها الأخيرة لتنتفض قائلة بتقزز:
(لا وجود لتلك الحيوانة في حياة إبني ستكوني أنتي إبنت أختي وزوجة إبني والأصح ستكوني سيدة عائلة مؤمن بعد موتي )
ابتسمت مريم قليلا بخيال تفكر هل ستصبح زوجة احمد صحيح انه أكبر منها بالكثير لكن جاذبيته لاتقاوم وحتى زوجته لا ينكر جمالها .....أغمضت عينيها بيأس ثم همست بحزن :
(لا أستطيع أن أكون زوجته ؟)
وهنا نزعت منى قناع الحنان وقالت بقسوة :
(كيف لا تستطيعين...أقول لكي أحمد مؤمن الإسم كفيل بأن تقبلي )
وقفت مريم تريد الخروج لكن توقفت فجأة لترد بيأس :
(المشكلة ليست فيه بل في نفسي وهو يعشق زوجته ألا تعرفي إبنك يا خالتي... فيروز مؤمن و أحمد مؤمن أنا مريم فارعي )
وهنا تقدمت أمها بخطر وهمست بفحيح ألهب أذنها:
(لا تفكري في هذا فقط إتبعي معلوماتنا وستكوني سيدة البيت والزوجة الأولى دائما....)
.........................................................................
سمعت صوت الباب يفتح وأخيرا لتنهض متجهة إليه ....كان شبه مبتسم شارد في عالم آخر ينظر للفراغ وفي عقله شيء مختلف تماما وكأنه ليس أحمد ....تنفست الصعداء لتقول بقسوة :
(أين كنت كل هذا الوقت )
رفع عينيه عن شروده يراقبها بفتور ثم رد ببرود:
(أنسيتي أن لي زوجتين ؟)
حدقت فيه بسخرية بالغة ثم ردت عليه ونبرة استهزاء يعتلي صوتها المرتفع :
(الآن أصبح لك زوجتان )
قست ملامحه فجأة ليتجهم وجهه بغضب وقال ببرود :
(لا تبدئي بالثرثرة أحسن لكي ....ليس لي طاقة حاليا )
ثم ابتعد يتجاوزها بصمت ....بقت تنظر لملمح ذهابه وقلبها ينتفض بوجع أما عقلها فكان يردد جملة واحدة حفظتها عن ظهر قلب :
(لا يفك السحر سوى رابطة حب حقيقية)
لمدة عشرون سنة لم تفك فهل ستفك الآن بعدما شاب رأسه وأصبح له حفيدان ...زفرت نفسا مؤلما تتجه لغرفتهما لربما تسترجع البعض من أحمد القديم....لكن يا حسرتاه كان قد بدل ثيابه ليسرع الخطى خارجا من الغرفة بينما هي تدخلها .................
دخلت البيت المتواضع ترتجف بخوف تجر حقيبتها ورائها تلك التي لا تعرف ماذا تحمل داخلها فدموعها لم تسمح لها بالإختيار كانت تضع دون وعي تفكر في حل يخلصها من المصيبة التي وقعت فيها لكن لا حل أبدا .....فكرت و فكرت ....حتى تعب عقلها وإن استطاع التكلم لسخر منها ......
سمعت صدى خطواته يقترب منها فالتفتت ببطأ تراقبه وطرف دمعة تريد النزول ثم قالت بتلعثم :
(أين الغرفة ؟)
رأت إلتواء شفتيه بسخرية وهو يدقق في وجهها متعجرفت ليقول بخفوت :
(في الطابق الثالث على اليمين بعد الحمام )
ارتفع حاجبها بغضب وهي تهمس في نفسها :
(هل يسخر منها ؟)
لم تستطع كبح همستها لتنتفض قائلة بنفاذ صبر :
(هل تسخر مني ؟)
رفع عينيه بثقل يراقب جرأتها ثم رد عليها ببرود :
(أنت من تسخرين ...ترين البيت له غرفة واحدة ومطبخ وحمام وتسألينني أين الغرفة أنظري لكي الغرفة ولي الحمام إذا )
حاولت كبت الضحكة وهي تتظاهر بالغضب لكن جسمها هزمها وهي تفتح ثغرها في ضحكة لطيفة وقالت بلطف :
(حسنا أقنعتني )
لم يعرها الإهتمام كثيرا فمجازه لم يسمح له بالمزاح أبدا بل كان غاضبا ناقما بشده يأنب نفسه كل ثانية .....تنحنح ببطأ ....متجها للغرفة الوحيدة من بين كل ثرائه الذي تركه والده له ...اختار تلك البقعة ....للإختفاء عن الجميع .....لايعرف لما اختار تلك المسكينة أن تشاركه نفيه .....لكن شيءا ما جعله يفكر فيها في آخر لحظة كره فيها نفسه ....استلقى على السرير العتيق بإعياء...يحدق في السقف المتهدل ..... أهذا أول بيت لفرحات ؟
هذا هو أول سؤال خطر على عقله ......
أهذا بيت جدتي وردة أم أبي ....هكذا شاركته الفقر الموجع وسوء الاحوال .....لهذا يعشقها جدي ولم ينساها بمرور السنين بالرغم من حادثتها التي سببت لها العقم بعد ولادة أبي إلا أنه لم يهمه الأطفال يوما كما أهمته تلك المرأة الحنونة ....وكان إبنهما سعيد فعلا كما إسمه تماما سعيد .....قسى قلبه وتجمدت مشاعره كسر فؤاده بزوال حب قلبه الوحيدة...وهناك أصبح ما هو عليه الآن صارم لا يعرف الليونة اتخذ طريق التجارة الفاسده حتى استفاد منها أرباحا طائلة بنى الشركات وأعاد الزواج بهدف الأولاد بينما الزوجة كانت آخر همه ....ودائما ما كان معه سعيد بذرة وردته ...رائحتها المتبقية ....كان متجهما كل الأوقات لكن عند دخوله البيت ورؤية إبنه يزول التجهم وتحل محله نظرات الحنان قائلا بحب:
(يا بذرة وردتي هلم إلى أباك أسرع )
وبالرغم من أنه إختار الزوجة الثانية بائسة إلا أنها كانت تعامل سعيد كإبن لها من واجبات على عاتقها وليس معنويات ...كانت مثابة مربية له فقط ....وقد احترمها أكثر من أباه ....زوّجته واستطاع إنجاب طفلين وهو أحدهما ......
(ماذا تفكر؟)
انتفض ببطأ يستجيب للصوت بجانبه كانت دعاء تنظر له بحيرة ليرد عليها :
(في عائلتي )
همهمت دعاء بامتعاض ثم جلست تحدق فيه وقالت :
(كيف هي عائلتك ؟)
قال ببطأ وهو يضحك بسخرية حتى اغلقت عيناه تدريجيا :
(أستطيع شرحها لكي )
استغرب دعاء قليلا لكنها أومأت دون وعي ثم سمعته يقول :
(العائلة بدأت بجدي وهو فرحات الذي تزوج زوجتين أحدهما وردة وأحدهما منى أولهما وردة أنجبت له سعيد وسعيد انجبني أنا وعنبر ثم توفيت وردة وجاءت منى وهي تنحدر من عائلة شريفة ذات مكانة عريقة لأن فرحات عرف بماله ذلك الوقت )
قاطعته دعاء تهتف بانفعال:
(تزوجته لأجل ماله ؟)
استقام من نومه وأكمل كلامه ببطأ:
(نعم تستطيعين قول هذا وهي أنجبت له أحمد وفارس وإسماعيل ورشاء رحمها الله )
مالت ملامح دعاء للحزن وهي تسمع صوته المتحسر ....يبدو وكأنه يلوم نفسه ثم همست بخفوت :
(كيف ماتت رشاء )
حدق فيها بعدم فهم مستغرب من سؤالها لكنه سرعان ما رد عليها قائلا بهدوء:
(كانت لمنى مسؤوليات أكبر من مراقبة ابنتها لأن كان لها عملها الخاص لذا وبما أن أحمد هو الأكبر .....كانت تتركها لأحمد وزوجته فيروز التي كانت ترعاها....كبرت عندها حتى وصلت الثامنة...أتذكر أنه كان عمر إياد أربع سنين و عابد سنتين ....لو تركت فيروز عابد بجانب رشاء لكانا ماتا معا)
شهقت دعاء بصوت مرتفع وهي تضع يدها على صدرها ثم هتفت برعب :
(لماذا؟)
أغمض عينيه يريد النوم فعلا لكنه أكمل كلامه بعد فترة صمت:
(كانت تحمله كثيرا تحسبه دمية إنها طفلة لا تعرف شيئا وفي آخر لحظة أخذته منها فيروز وناولته لأحمد لكنها في التفاتة واحدة كانت رشاء تجري نحو الشرفة حتى انزلقت وتوفت أمام أعين أخاها )
نزلت دموع دعاء لا إراديا وهي تتخيل ردة فعل أحمد ذلك العجوز الخشن ماتت أخته أمام عينيه أي ألم يحمله داخل قلبه ....كانت جالسة وأمامها من بعيد وسادة إلى جانب أيوب لم تعي نفسها إلا وهي تتجه مستلقية أمامه ...استغرب في البداية وهي تقابله بنظراته المنكسرة ثم سمع صوتها يقول :
(وماذا حدث بعدها)
تنهد بثقل يميل للشرود لكنه نطق في آخر لحظة :
(تغيرت حياتنا جذريا من السيء إلى الأسوء تشتت العائلة....اتخذ جدي قرار العيش في الخارج بعد موت أبي بالرغم من رفض زوجته ....ثم توفت أمي ....تزوجت أختي ...وبقيت وحيدا )
أغمض عينيه بحزن لما يكذب على نفسه لم يبقى وحيدا أبدا كانت كائما لؤلؤة معه...فتح عينيه تدريجيا فشاهدها تنام بهدوء على السرير في عالم آخر ......
.........................................................................
(أنا آسفة)
ارتشفت ببطأ القهوة أمامها ثم ردت بقنوط :
(كم يجب لي من مرة أن أقول لكي عادي فقط خفت قليلا )
تنهدت ابتهال بثقل خجلة من تصرفها الغير عقلاني ثم قالت بهدوء :
(كنت أريد مفاجأتك وقد فاجأتك فعلا )
ضحكت عنبر على غير هدى وبدأت ضحكاتها تزداد شيءا فشيء حتى أصبحت هستيرية ثم ردت عليها :
(حتى أنني ضربته على ظهره حسبته أخي )
شاركتها ابتهال الضحك فجأة وهي تتخيل الوضع المحرج وقالت ببطأ :
(حسنا الحمد لله أنها مرت على خير )
توقفا عن الضحك وأخيرا لتقول عنبر بخفوت وابتسامه خبث تعتلي وجهها :
(لكنه جميل وجذاب ...لما لم تنجبي أطفال حتى الآن )
بهتت إبتسامة إبتهال وحل محلها الحزن وبعد لحظات نطقت بصوت باهت :
(إنه لا يحب الأطفال ....أشعر وكأنه يكرههم فعلا ...يشتري كل علب منع الحمل ويجبرنيي على شربها حتى عندما أمنعه عن ذلك لا يهمه يدسها في فمي بالقوة ...في بعض المرات كسر أسناني الأمامية لأنني لم أرد فتح فمي )
ثم توقفت تمنع الشهقات من الخروج ...ادارت عنبر رأسها يبعدان عينيهما عن بعضهما ...لا يقدران المواجهة...تقطع قلبها لحال هذه الفتاة ....وتظن أنها هي الوحيده المهمومة لأنها لم تنجب ....
قالت عنبر بصوت حنون تفصل الوضع المشحون :
(أكاد أكون مثلك ...فخالد لم يتعاون أبدا معي في موضوع الحمل لا تحاليل ولا شيء ولم يوافق على الالقاح الخارجي كنت الجزء الوحيد الذي يحارب في قضية خاسرة )
رفعت ابتهال عينيها تراقب انكسارها وتحس عيونها ثم ردت باستفهام :
(أليس من المفرح أن تكون أبا ويكون لك طفلا يحمل إسمك ويواصل نسلك )
قالت عنبر بشرود وهي تهز رأسها بعدم فهم :
(لم أفهم ابدا زوجي ....ليس لي خبرة في الرجال...خالد هو الأول في حياتي ....)
ابتسمت إبتهال بلطف وفتحت فمها قائلة :
(كأنني مظهر الفتاة التي تعرف الكثيرين )
ضحكت عنبر بسخرية ثم ردت عليها بهدوء :
(عكس عائلتي ...فعمي الأكبر له ثمان أبناء اتصدقين )
ضيقت إبتهال عينينها تفكر في هوية العم المجهول ثم سألتها بحيرة :
(من؟)
لترد عليها أخيرا بخفوت:
(أحمد )
رفعت عينيها بصدمة ثم ضحكت بشرود تجيبها بسخرية :
(يا إلهي هل لراسب سبع إخوان)
أومأت عنبر وهي ترتشف قهوتها ببطأ ثم قالت :
(نعم هو في الذات الأصغر في أبناء زوجته الأولى )
تنحنحت ابتهال بعد فهم تضيق عينيها ثم قالت :
(أليس هو أخ السيد عابد من الأب )
هزت عنبر رأسها قليلها ثم ردت عليها بهدوء :
(لا لكنه يعيش عند الزوجة الثانية لظروف عائلية )
همهمت إبتهال تفكر للبعيد وفي عقلها يدور سؤال لم تعرف إجابته:
(أي أم تحدث عنها ؟)
هذا ما همست به لنفسها ......وبعد لحظات قالت ابتهال بحيرة:
(أتعرفين تلك صاحبة الغمازات بقت تحدق في زوجي حتى كنت اريد افتراسها ....)
اختفت إبتسامة عنبر وحل مكانها السكون القريب للقنوط فهي لم تنسى كلامها المحبط الذي جعلها تغفو وهي تفكر ثم اجابتها بفتور :
(لديها ما يثير اهتمامها لا تقلقي )
فتحت ابتهال عينيها تدريجيا ثم همست بخفوت :
(كيف ؟من أين تعرفين )
التفتت عنبر في إتجاه غرفتها ثم تنهدت قائلة بثقل:
(عابد ...كانت خادمة عند عابد واظنه كان وجهتها ...بت لا أعرف من أصدق )
شهقت ابتهال بصدمة وهي ترفع يدها الى صدرها ثم هدرت فيها بلهفة :
(لكنه متزوج )
أومأت عنبر بشرود والحزن يعتلي ملامحها اللطيفة ثم قالت :
(ألف مصيبة وقعت على رأسي في وقت واحد)
.........................................................................
بعد يومين ........
.....دخلت إبتهال الشركة بحماس ترفع حقيبتها بيد واليد الأخرى تمسك ورقة قبولها وأخيرا ستبدأ دوامها بشكل يومي وعادي .....تقدمت بخلياء وهي ترتدي طقمها الأسود مع حذائها العالي الجذاب كانت تبدو جميلة ورقيقة و شعرها الذي تركته حر فانساب بجمال على ظهرها المقوس كانت تنقصها نظارتها فقط تلك التي انكسرت عند اصطدامها بالسيد عابد ولم تستطع شراء غيرها لسرعة الأحداث...
وصلت عند المضيفة الرئيسية فأعطتها إبتهال ورقة القبول لتجيبها المشيرة :
(سيد راشد مستعد لمقابلتك ....الطابق الثاني الغرفة رقم باء )
استغربت ابتهال بداية من الإسم الجديد الذي أتلى على مسمعها توا لكنها سرعان ما أومأت لها وشكرتها ثم اتجهت للمصعد تتنفس بإرتباك مشاعرها مختلجة بين الحماس والخوف ....لأنه يعد أول انجاز في حياتها...اول عمل شريف حصلت عليه بمجهودها الوحيد دون مساعدة فادي ....
....فتح المصعد أبوابه على وجهها المشرق وهي تخطو بثقة تبحث عن المكتب وعندما وصلت إليه شعرت وكأن ثقتها زالت فعلا .. أرادت الرجوع والاستسلام لكنها تحدت نفسها في الدقيقة الأخيرة واقتحمت المكتب .......
كان فارغا لا يوجد به أحد ترددت ابتهال بين الخروج والجلوس وأخيرا اختارت الجلوس لتقترب من مكتبه تجلس مشبكة يديها بتوتر تفكر في نفسها هل سسيقبلها هذا السيد راشد ......
كانت شاردة بحزن لتنتفض بذعر على الصوت الباب ورائها فالتفتت بخوف تراقب ذلك الرجل جميل الملامح يحمل منشفة يجفف عنقه الطويل الجذاب ...اتسع فمها بصدمة لتهمس بصوت خفيض :
(سيد راسب )
إنتبه راسب لتلك الهمسة الأنوثية فرفع عينية يراقب السيدة الجالسة أمامه وقد تذكرها لحظة رؤيتها نفس فتاة البحر الذي لم يتعرف عليها حتى الآن ....تقدم ببطأ يراقبها بريبة ثم قال بعدم فهم :
(كيف دخلت دون إذن )
احمر وجه إبتهال فجأة وهي تتحسس الخجل الغبية كيف اقتحمت المكتب دون إذن ثم وقفت تتجه خارجا لكنه هدر فيها في اللحظة الأخيرة :
(سيد راشد ...هذا إسمي وليس راسب يا سيدة ؟ )
استدارت على مسمعه ثم همست بصوت لم تعرف كيف خرج منها :
(إبتهال....إبتهال ساعد)
أومأ راسب بهدوء ثم فرد يده اتجاه الكرسي الذي سبق وجلست عليه و قال :
(تفضلي إبتهال )
تنفست الصعداء مرتبكة من هول إسمها على شفتيه واتجهت جالسة على الكرسي بخجل ....
راقب راسب توترها ليجلس بدورة في الجهة المقابلة وقال بهدوء :
(إذا انت هي السيدة ساعد السكرتيرة الجديدة ...عموما قد قبلتك ...ستكونين بالمكتب المرافق لمكتبي ...وسأبد بسؤالك على بعض التفاصيل )
اتسعت ابتهال عيونها بصدمة هل ستكون سكرتيرة الخاصة به ....يا إلهي..كانت تظن نفسها موظفة عادية في الإستقبال لكن ان تكون سكرتيرة راسب الذي سمع وتنصت عليه لا هذا كثير ...سرعان ما انتبهت لنفسها وهي تومئ بشرود
.........................................................................
يدق الباب والجرس معا .....تأفأفت فيروز بنفاذ صبر تصرخ وسط البهو على أم سعد لفتح الباب لكن لا يوجد أحد ....اتجهت أخيرا تفتحه بنفسها وقد أزعجتها الضوضاء من حولها
....وعندما تقدمت إليه وفتحته كانت الصدمة ......شهقت بعنف وهي تحدق في إبنها ....بعد فراق ست سنين...كم تغير وكم زادت وسامته ...انقبض قلبها فجأة بغصة آلمتها حقا ....تستشعر الوجع الذي طغى عليها ....وجع تجاوز قوة اشتياقها له....انعقد لسانها وتوقف تنفسها .....تشبع عينيها بملامحه فقط
...تريد الإكتفاء بتلك الملامح للأبد .....بادلها النظر بنظرات احتوت داخله مجموعة من المشاعر المختلجة من حنان وشوق وحب ...كم يريد نهش عضامها داخل صدره ..وتقبيل جبينها الأبيض ....شم خصلاتها الذهبية الذي تخلله الشيب
...والنوم بحضنها.....إقترب قليلا منها يراها متجمده كالصنم ثم رفع يديه يعانقها برفق ....
أغمض عينيه يريد البكاء ....لكنه منع نفسه بأعجوبة ومع صرختها المدواة داخل القصر تحررت دموعه وازدادت قوة ضمه لها وهي تتعلق به وكأنه يود الهرب ...تصرخ دون رادع مرددة بإستمرار :
(إياد أنت هنا )
انفجرت صفاء في بكاء مرير تشهق بعنف وقد احمر وجهها بأسى تراقب تلك اللوحة التي حلمت بها منذ سنين ....التفت ذراعي سعد حولها تواسيها بحنان فاقتربت تضع رأسها على صدره لا تأبه بأحد...تستشعر الطمأنينة بين يديه تبلل قميصه بدموعها الغزيرة ....كما كانت تفعل في صغرها دائما .....
أسند فكه على قمة رأسها يغمض عينيه وكأنه بدأ في استرجاع عيون البحر خاصته

صدفة قاسية 🔞 حيث تعيش القصص. اكتشف الآن