جزء14

3.6K 35 1
                                    

تحدق بالنافذة الى المدى البعيد تفكر فيما جرى أيام لم تنمها براحة ....تفكيرها المستمر يقتلها ...لا تصدق الأحداث التي مرت عليها ....لم يسبق لها أن كانت بمثل هذا الضعف ...ترى الأحداث تتوراى بها ...من القمة ترجع الى الصفر ..كانت على شعرة وجيزة من الفوز ....بعملها ومنزلها ....ينقصها فقط زوجها المنتظر .....احلام رسمتها بقلبها في أيام ذهابه ...كانت مستعدة للبوح ...للمحاربة معه ....ليبادلها الشعور اتجاهها وتحارب معه الى النهاية ... لم تتوقع ان خطأ بسيط قلب رأسها على عقب .....لم تتوقع أنه لم ينظر اليها ولا مرة بإعجاب ....بشكل شهواني ....تتمنى لو مرة انجذب لها ....انجذب لجسمها وهي تتفنن كل يوم به من أجله .....تلبس القصير والمثير لتبرز مفاتنها عله يستجيب لندائها ....تمنت مرة أن يغتصبها بحق ....ستستقبله بترحيب .....اذ كان في الأمر منفعة لتصبح بجانبه باقي أيام حياتها ......زفرت نفسا حادا تتذكر قبل خمسة عشر يوما ... دخل غرفتها بصمت ..اعتلتها الفرحة ....كانت بمنامتها البسيطة الطفولية .. تبدو لطيفة المظهر قليلا....جلس بكرسي قريب من سريرها...نظر إليها مليا ثم ابتسم لها ...اختلجت مشاعر قلبها ....لا تعرف ما يود قوله لكن ابتسامته كافية بحسم أمرها قبل القول ....لمحت شيئا على يده خدوش ...استنتجتها لكثرتها على يده ...انها آثار نهش أضافر اليد لذراعه القوية ....فكرت ربما تعارك معها في نومهما و خدشته علة .....لم تثر للقصة أي اهتمام ....فأكثر ما آلم قلبها ... آثار على رقبته تعرفها من قبل ..تعرفت عليها في عنق لؤلؤة علامات بنفسجية مزرقة حيث سألت لؤلؤة مستغربة ظنا منها انها كدمات لترد عليها لؤلؤة بخجل متستر انه نتج وسط علاقتها الحميمة بأيوب .....لا يمكن أن يكون عابد عاشر آية .... إنه لا يطيقها وهي بالمثل لا تظنها آثار الحب ....مجرد كدمة او عضة حصل لنفس سبب الخدوش الظاهرة .....كان قد استقام في تفكيرها من جلوسه لينظر اليها بأسف قائلا بخفوت:
(أنت مريضة بحالك لذا أرى أن تذهبي الى لؤلؤة ايام حتى تتعافي لن تعتني بكي آية كما ترين فأنتما كالزيت والنار لذا الشيخ ينتظرك خارجا ليقلك وشفاء لكي ان شاء الله )
تنحنحت مجفلة بصدمة...هل يطردها من بيته بطريق عفوية .....هل يرسلها الى البيت الذي هجرته منذ أربع سنوات ....لا تصدق ماذا فعل ...لتقول دون وعي :
(هذا طلبك أم طلبها )
نظر إليها بتجهم ليقول باقتضاب:
(طلبها؟ما بكي نجلاء ....الا تفرقين ....لم تتعرفي علي كل هاته السنوات ....متى اعتمدت على كلام النساء صدقا .....هذا لمصلحتك ليس إلا ....لن أناقشك أكثر.فأعصابك لا تتحمل ...كما أن أعصابي بالمثل لذا أتمنى لكي عودة سليمة)
ليخرج دون انتظار الرد صافقا الباب خلفه ....تنظر الى ملمح ذهابه...فراغ اعتلى قلبها....تأكدت من كلام لؤلؤة.....إنها حية بالفعل ....حتى مفعول سمها تجارى معه .....إستلقت على سريرها بسكون تبكي بصمت ....تنتظرها مصيبة بحجم رأسها في بيتها .....
......أوصلها الحاج مع حقائبها ....كانت لا تزال في شرود ....اختلست النظر في لحظة خروجها من المنزل عند فتحه للغرفة ويا ليت مافعلت....كانت نائمة على سريره براحة ملابس مرمية على الأرض ....أقسمت في نفسها انها نامت عارية .....حركت رأسها ببطئ تنفي الأفكار المهلكة ....كل الدلائل تؤدي لذلك .....آثار الخدوش والكدمات والملابس على الأرض حتى صرفها له ...كلها تبين صحة المعلومة ...همست لنفسها بغير استيعاب:
(هل جامعها؟؟هل يحبها؟!)
أصابتها قشعريرة فور قولها لكلمة الحب .....لن تستطيع .....لن تتقبل حبه لها .....قلبه لنجلاء فقط ....ترن على الجرس منذ دقائق .....لتفتح لها لؤلؤة بوجه متورد شبه محمر ....يتبعها أيوب منظره الأشعت أوحى لها من مظهرهما الغريب ....تزاوجتهما باقتضاب لتدخل غرفتها القديمة صافقة الباب ....استلقت على فراشها البني ...تتذكر ذلك اليوم .....عندما دخلن البيت أول المرة .....كانت لازال في شبه صدمة جالسة بجانب لؤلؤة من الخلف.....عابد يقود السيارة بجانبه أيوب عيناه العاشقتان لا تغفلان على لؤلؤة المتحسرة ....كانت حزينة ....لا زالت غير مصدقة كيف طردوها .....سيدفعون ثمن فعلتهم لكن ليس الآن بمجرد أن تستقر ....ويتحسن حالها .....ستتفرغ لهم ....أما هي تنظر لعابد الذي يقود بتمعن متهجم الملامح يفكر بتركيز ما الذي يشغل باله ....لا تعرف .....نزلوا جميعهم عند توقف السيارة ....عمارة ب أطباق لم تستطع حسابها ....تبدو لأصحاب المستوى العالي ....نظرت الى نفسها على الأقل كان ثوبها شبه عادي شعرها الأشعث يفسد الموضوع دائما ...تتمنى لو كان لها شعرا جميلا حريري بلون الأسود الحالك ليعجب بها الجميع كما يعجبون بلؤلؤة ....بالرغم من صغر سنها ....الا انها تظن ان مراهقتها جاءت باكرا ....صعدت معهم المصعد الكهربائي بثبات ....انتظرها ليفتح ابوابه ....كانت اول مرة تقله ....لذا كانت شبه خائفة .....هي ضعيفة عكس لؤلؤة .....أبويها إنفصلا وهي صغيرة كان لها أخ أكبر .....تتذكر ملامحه بعض الشيء ....وعدها .......تتذكر وعده لها أنه سيعود ويحضرها اليه ...سيعيشان بسعادة كما تمنت دائما ....لكنه تركها كما فعل الآخرون ....فعند إنفصال والديها ذهبت مع أمها واخوها ذهب مع أبوها ......تشتت العائلة أصيبت بأول صدمة نفسية ....بأول نوبات منذ عمر الست سنوات وهي تعاني .....تبكي بصمت مع نفسها ....تصرخ حتى يختفي صوتها ....سئمت منها أمها .....إعترفت لها أنها سئمت منها .....مجرد حديث الأم وهي غاضبة لكنه كان أكثر من ذلك لم تعرها الإهتمام.....حتى جاء ذلك اليوم عند باب الميتم برفقة أمها لا تعرف ماذا يفعلون هنا سألتها ويدها تشتبك بيد أمها الحنونة نظرت اليها بترجي تسألها بخفوت:
(ماذا نفعل هنا أمي لماذا أحضرتيني الى هنا ؟....لما جلبتي حقائبي؟ هيا نرجع الى المنزل)
استدارت أمها بثقل ....مياه تعتلي جفونها ...عيونها السوداء تثقلها الدموع الحارقة.....لامست شعرها ببطئ.....ثم استطالت لها تحملها بود  و عانقتها دون الكلام....تعالت شهقاتها في حضنها .....لم تفهم نجلاء شيئا فقط احساس بالألم اعتلاها ....لتهبط دموعها اللإراديا.....بادلتها العناق بقوة قائلة لأمها بصوت قاطعته الشهقات:
(أنا آسفة ....سامحيني أمي ....انا احبك أكثر من أي شيء في حياتي .....لم يتبقى لي فس حياتي سواكي...عديني أن لا تتركيني ....لن أزعحك ....سأبقى صامتة ...سأبقى صامتة فقط ....لا تتركيني أنا أحبك جدا ....أرجوك)
تشبثتت بفستان أمها تأبى أن تتركها ....قلبها يتقطع على ابنتها لا تنوي تركها .....تريد فقط الراحة والاستقرار ....تعبت من هموم الدنيا فوق أكتافها لازالت صغيرة .....لا زالت تريد العيش .....تريد تحقيق الأحلام ثم ستعود وتجلبها الى حضنها مجددا ....فقط هي الآن ضعيفة ....انها لا تقدر الآن ...دخلت إلى المكتب الإداري ...كثير من الأطفال حالتهم يرثى لها ....صحيح آلمها قلبها ....لكن سعادة ما بعد الهناء غلبت حسرتها على ابنتها الوحيدة .....أنهت المراسم وقعت عقود حضانة إن تبناها أحد ....كانت نجلاء لازالت متشبثة بها تضع رأسها على عنقها تحتمي به من الناس حولها .....أبعدتها أمها قليلا تتأملها بحزن ثم قالت بأسى:
(أنا أيضا أحبكي ...حبيبتي آسفة غلى كل لحظة لم أكون بجانبك ولن أكون بجانبك ......كنت سبب مرضك وتفرقتك على عائلتك ....سبب تشتتك وتضرر ذهنك ....لست بالأم الصالحة منذ البداية ولن أكون عند النهاية .....أحببتك بكل دقة تنبض في قلبي...لن أستطيع مواصلة حياتي هكذا.....فقط تعبت ولا أقدر على المزيد .....عذبوني بأنواع العذاب القاسي ....زوجوني من الوحش بعينيه ...حاربت بقوتي المتبقية للطلاق منه ....لأخذ أولادي .....لكنني لم أنجح كليا.....أخذه لإبني  ترك فراغا كبيرا بقلبي لن يداويه غيره ......آسفة حبيبتي فقط تذكري إعتذاري في كل ليلة تنامين بها هنا.......ليكن لديك أمل أنني سآتي وآخذك .....لن أتركك ما حييت ...فقط....بعض الوقت)
ثم شرعت بالبكاء العنيف .....تحدق بها بصمت توقف التنفس لها عدة لحظات لتعانق أمها بقوة شديدة تتمسك بها بقدر استطاعتها....تقول لها بصراخ عنيف:
(لااا لااا فقط لا تتركيني أرجوك لا أريد البقاء هنا ....خذيني عند عمتي .....أرجوك امي )
بدأت أمها تفك يد نجلاء عنها بضعف لتعيد التمسك تركتها تتمسك بها.....نهاية قوتها فقدتها في تلك اللحظة ....بكاء عنيف و نوبات أصابت نجلاء الصغيرة ....لا تصدق انها ستتركها مع أطفال الميتم ....أياد تبعدها بعنف استدارت نجلاء على ملمح نساء يحاولن إبعادها ...تصرخ تضرب رجليها ......تقاوم وتقاوم....تمسك بقميص أمها ....حتى تقطع لم تبالي فقط لا تنوي تركها.....أحكموا عليها .....يقيودنها بقوة من يديها كالفريسة الضائعة ......لتخرج أمها بخطوات ثقيلة الى الباب استدارت في اللحظة الأخيرة بتثاقل ....ظنت انها غيرت رأيها.....لكنها اكتفت فقط بالنظر اليها والتلويح لها بحزن لتخرج من باب التهلكة الذي دخلت منه ممسكة بذراعها ترجع خالية اليدين وحيدة .....
صرخت نجلاء بعنف وبكت حتى احمرت عيناها وضعفت لديها الرؤية ....لم تكف يوما عن التمني ...لم تفقد الأمل أبدا...تنتظر وتنتظر لكن خدعها أملها الى الأبد ... لدرجة انها اصيبت بنوبات أضرتها اكثر من التي سبقتها .......
.......ضغط على زر المصعد بعنف كان غاضبا أجفلت نجلاء على ملمح عابد ليبدأ المصعد في التحرك لم تستوعب ماذا يحدث لتمسك بذراعه متشبثتة بقوة ذكرتها بيوم ترك أمها لها ....خائفة من السقوط ... لم تعي نفسها حتى قالت دون وعي :
(لا تتركني أرجوك)
إمتثل لأوامرها تركها تتشبث بيده مستغربا من ردة فعلها لكن لم يسألها اكتفى بالصمت فقط ثم ساعدها في الخروج كان وجهها مصفر ....يظن أنها أول تجربة لها...تعرج ببطئ من الحادثة عند باب السيارة ....فتح أيوب الباب ببطئ ليرحب بهم قائلا ببلاهة:
(شرفتم بيتكم سيدات )
إبتسمت له لؤلؤة بجاذبية لتدخل بازدراء تتطلع لأجزائه ....كان رأئعا بإطلالات جميلة وغرف أجمل .....أثاثه العصري ...مكانه المحلي بجانب الأثرياء ذو الطبقة المخملية .....يحتوي على غرفتين وقاعتين .....اتجهت كل من لؤلؤة ونجلاء الى الغرفة الأولى ينتاقان واحد لنفسيهما .....دخلوا الغرفة الأولى .....تطل على الطريق السريع المؤدي الى الريف ....فيرسم لوحة فنية للأراضي الخصبة والطيور المهاجرة .....سيارت المرور....ونسيم الهواء البارد المختلج برائحة الورود والطبيعة ....مزود بسرير لمحلين ....وخزانات متعددة مختلفة التصاميم يرففه تلفاز الى غير ذلك كانت بالفعل غرفة الأحلام....ثم اتجهوا الى الغرفة الثانية كانت تطل على طرق المدينة والمحلات المتاجر وغيرها اطلالتها عصرية مزودة بخزانات كالتي سبقتها الفرق أن سريرها لفرد واحد وكان لونه غريب ممتقع ....شبيه للون البني .....ليقترحا على بعضهما أخذ كل واحدة غرفة لتختار لؤلؤة الغرفة المطلة على الأرياف ونجلاء الغرفة الباقية .................................
.......لم تشعر بنفسها وهي غارقة في دموعها فور تذكرها .....للماضي المرير ......ستتحسن من كل شيء ستنهض وترتدي ملابسها متجهة الى بيتها وحبيبها ولن يردعها شيء تبا لهم جميعا ....
استقامت ببطئ ترتدي ملابسها بحماس لتتجه الى المطبخ ....تتغثر قليلا جراء الإصابة برجلها ....لمحت من بعيد هناك لؤلؤة جالسة تنظر لهاتفها بملامح شبه غريبة ....ارتابت نجلاء لأمرها فسألتها باستغراب :
(لؤلؤة أنتي بخير ؟؟)
استدارت لؤلؤة مجفلة على صوتها لتنظر اليها بسكون ثم فتحت فمها في ابتسامة خلابة شملت وجهها لتصرخ بصوت عالي قائلة بلهفة:
(إنه ايجابي نجلاء .....انا حامل!!!)
ثم قفزت تعانقها بشدة ....استقبلتها نجلاء بمودة وسعادة .....على الأقل كان هذا ما تحتاج اليه قبل رحيلها ...لا تتذكر أي نوع من الحنان فور دخولها الغرفة ...كأنما جن ظهل عليهم ..ملامح الدهشة اعتلت لؤلؤة وأيوب .....لم تعرهما الإهتمام ..فلم يكونا مصدر تفكيرها.....لذا تركتهما لخصوصيتهما المنفردة...كما كانوا دائما
..في الليل بعد ذهاب أيوب جاءت لؤلؤة إليها تسألها مابها كأول مرة تبيت خارج بيت عابد .....تنظر بملامح حزينة تبكي الحجر .....جلست بجانبها تسألها بخفوت:
(هل هناك مشكلة ؟ماذا حدث؟هل تتألمين؟)
استدارت لها نجلاء بضعف تحدق بها بصمت ثم قالت بصوت ميت:
(تغيرت الأمور كثيرا لم أعد أعرفه ....لقد صرفني مدة معينة ثم أعود)
أجفلت لؤلؤة مصدومة لتقول بصوت شبه مرتفع:
(تركته يصرفك بسهولة .....أنتي فعلا غبية ....لماذا جئت هكذا تبكين ببلاهة ....إنها الآن تتنعم معه بعشق ...وانتي موتي حتى لا يعرف عنك أحد شيئا دائما ما تبقين غبية)
كأن من لطمتها في قلبها الأهوج ....لم تهتم لها فقط وصفتها بالغبية .....استقامت نجلاء واقفة بغضب لتصرخ فيها بهستيرية:
(أعرف حسنا ....أعرف اني لست قوية مثلك أو أضاهيك في أي شيء....اعرف بأنك أحسن مني ...وانتي الذكية بطبعك وابقى انا الغبية لمدى الحياة ....يطردني من بيته ماذا اقول لا لن أذهب .....أنت الغبية الآن ..انا لست سيدة الألاعيب ....ولا سيدة الإفتراءات ...افضل الموت وحيدة ....على العيش مذلولة .....كالغراء على عاتقه ..)
ثم خرجت الى الحمام عله يطفئ حريقة قلبها...من هذا العذاب المحيط بها....تحسرت لؤلؤة بصمت هامسة لنفسها بعد ذهابها:
(هل ستعود للعيش معي ....لا لا يا إلهي تحملتك ما يكفي ...اريد العيش مع زوجي الآن ....لا الإهتمام بتفاصيل حياتك .....يا إلهي ما الحل ....تبقى الغبية لا ينقذها سواي ....)
.........................................................................
تعبث في حاسوبها بشرود.....تفكر في صمت ....ليس دراستها ما يشغلها ....فمستقبلها الذي ينتظرها ...بدأ يناديها.....اين الحل......ستفتح موضوع الطلاق معه .....ستناقشه بهدوء ...فهو متفهم ....ثم ستسعى للتحرر من القيود .....لن تشاور أحدا فقط ستتجه معه نحو المأذون تتطلق....ثم تعيد الزواج برجل أحلامها....همهمت بعمق ....لتستدير على مسمع الجرس .....اتجهت تفتح الباب بثقل ....لم تتفاجئ فالأيام الأخيرة بات يأتي كل يوم ....ليبقى معها ....فصديقتها بالشقة ذهبت مؤدية أيام عطلتها مع عائلتها ....لتبقى دعاء وحيدة بالجامعة ....فتحت الباب وأعادت التوجه نحو مكانها المفضل بكرسيها المحشو الموضوع أمام الشرفة المطلة على البنايات المقابلة والسماء الزرقاء المحتوية بالغيوم الكثيفة .....جلست بإعياء لتشعر به يعانقها من الخلف بحنان....يحتويها بين ذراعيه الصلبتين....ينفث نفسه الساخن بجانب أذنيها فتصيبها قشعريرة طفيفة من الجو المختلج .....فتحت فمها قائلة بخفوت:
(قررت أن أفاتحه بالموضوع ...لكن لا أعرف كيف ستكون ردة فعله كون شهر لم يكتمل من مدة الزواج)
رأت عيناه تبتسمان قليلا ليرد عليها بصوت متجهم يزيد من ضمه لها:
(أقترح عليك أن تنتظري قليلا حتى تهدأ الأوضاع جيدا فهو لا يبحث عنك ولا علاقة له بك أصلا)
إستدارت ببطئ تتأمل ملامحه الجذابة في أشعة الشمس التي تنعكس علي عينيه السوداويتين او بالأحرى بنيتين غامقتين ...يبتسم بسلاسة متأملا فيها بدوره أيضا..نسيم الهواء يلجم قلبها ....لا تعرف كيف ستكون حياتها لولا الصدفة التي جمعتهما ...صدفة غريبة .....تتذكرها كما أنها حصلت البارحة ....تنظم أغراض الغرفة بعناية فبعد زواج أختها بعد الكبرى ...صارت دعاء سيدة المنزل المنتظرة ...تتحمل المسؤولية وتراعي لجميع أعمال المنزل وساكنيه .....رتبت ملابس أخاها...نظفت الأرض.....مسحت الزجاج حتى بدأ باللمعان ....لتجلس بتعب تتنفس بصعوبة ....شيء لفت انتباهها من بعيد .....ضوء طفيف في الخزانة ....استغربت لأمره فقامت تفتحها ببطئ .....كان هاتفا صغير من الهواتف القديمة .....يرن باستمرار ....كان في الوضع الصامت....لا تعرف مالكه أو من يتصل ....ربما لأخوها ....فأخواتها لم يزودن بهواتف أبدا...لتفكيرهم المرجعي ....لم تحتج الكثير من الوقت لترد دون سابق إنذار سمعت صوتا متحشرجا هتافا خافت ميزت من بينه كلمات قليلة:
(لقد ردت....تعال !!! تعال ....نحتاج لفكاهتك ....إنها طفلة )
إحمرت دعاء من شدة الغضب لترد عليها ببغض:
(هاا!؟أنت من الطفلة التي تراها هنا فلتعرف قدر نفسك)
صدرت عنهم ضحكات عديدة مختلجة و صراعات لم تفهم منها شيئا .....حتى سمعت شخصا يقول بحدة:
(ما بك يا أحمق هات الهاتف واغرب من هنا ....)
ثم شعرت بسكون الهاتف من الضوضاء التي كانت تحيط به لتعيد سماع نفس الشخص يقول:
(مرحبا ....سيدتي أنا آسف على إزعاجك ....لم نفصد هذا لقد قمنا باختلاج رقم ....ليس عن قصد....طلبنا رقمك لذا إعذرينا)
استغربت في نفسها من اخلاق هذا الشخص وتصرفاته اتجاه أصدقائه من أجلها .....لتستدير مجفلة على مسمع خطوات بجانب السلالم القريبة من الباب أقفلت الخط بسرعة ثم أعادت الهاتف الى مكانه .......دخل عليها أخوها بملامح متجهمة يتمعن في وجهها الذي يسوده القلق ....إتجه إليها ببطئ ليقف أمامها بازدراء قائلا بكره:
(ماذا تفعلين هنا ؟)
لم تستطع رفع عينيها الخائفتين ...اكتفت بالنظر للأرض والرد بخفوت:
(كنت أنظفها وعندما انتهيت جلست بجانب السرير أرتاح قليلا فأشغال المنزل تفتك بي )
أبعدها عن خزانته بعنف شديد لينتقي ملابسه منها ....وكم ارتعبت خوفا من أن يكون سمعها وهي تتحدث ...فتكون نهايتها على يده في تلك اللحظة ....لكن حمدا لله لم يلحظ شيئا فقد كان سريعا إذ أخرج مبتغاه وسط تفكيرها المستمر .....أجفل على ملمحها وهي شاردة ليقول ببغض:
(انظري الى نفسك بحق الجحيم ..
تشبهين البقرة في مولدها.....)
ثم ضحك ....ضحكة خشنة ....يعيد الإتجاه الى الخارج من حيث دخل.....جلست بضعف من قوله الساخر ....كل يوم يجرح قلبها بكلامه البغيض ....أخاها الوحيد ....تتمنى لو لم يولد أبدا ...لعاشت بسلام وهدوء ....بدون خوف دائم ....تذكرت الهاتف الصغير ...لتفتح الخزانة بحذر ثم اخرجته ببطئ ....مكالمات عديدة من نفس الرقم .. أعاد الاتصال في الدقائق الأخيرة قبل حادثة الحسرة .....رفعت عينيها الى المرآة المواجهة لها ....فقابتها الهالات السوداء....وجها ذابل كالوردة الميتة .....عيناها ينظران بضعف ....لونها يميل الى أصفر بعد تورده الدائم في صغرها .....زفرت نفسا هادئا .....لتلمح ضوءا طفيفا سرعان ما اختفى .....حملت الهاتف ترى مصدره ....كانت رسالة من الرقم نفسه باستمرار ....فتحتها تقرأها بصمت :
(أنا آسفة على سذاجتي آنسة حنان .....اتمنى أن تكوني قد سامحتني ....لن أزعجك بعد الآن لكنني موجود ......ان احتجت للإتصال بي أو احتجتني في أي موضوع ...شكرا على تفهمك
......عبد الهادي )
إرتابت دعاء قليلا لتهمس في نفسها:
(ماذا !؟حنان ؟كيف هذا إنها لا تملك هاتفا .....)
ثم أعادت النظر لنفسها لتهمس في نفسها مجددا:
(يا إلهي انه هاتف سري .....من عبد الهادي؟)
أغلقت الهاتف ثم وضعته في جيبها ......اذا كان هذا الهاتف ملكا لحنان اذا محمد لا علم له به ...غريب ...لم تعهدها يوما تكلم أحدا ....لا طالما كانت متفتحة على الزواج صحيح ....لكنها وبالرغم من أنها أكبر من أخوها الا أن المشاكل التي حدثت معهم قبل زواجها ....كادت ان تتسبب في مقتلها ذات يوم ...بن يكون مصيرها كأخواتها ....لن تتوقف عن الدراسة ...ستنجح بإرادتها وتخرج من هذه المدينة والبيت البائس للأبد...أجفلت على مسمع أختها الصعيرة تناديها للفطور ...لتمتثل مستجيبة لندائها والهاتف لازال بيدها ....
.........................................................................
.....مستلقية في الظلام بالقاعة الكبيرة إلى جانب أختها وعمتها ...تنهدت ببطئ كانت الثالثة صباحا ....لم تستطع النوم من شدة التعب والإرهاق النفسي....لامست بطنها برفق إذ صادفها وجود الهاتف لا زال بجيبها....أخرجته ببطئ لتغطي نفسها بإحكام قامت بإشعاله ....تعبث به ....لكنها لم تجد شيئا ...ظغير الرثم السابق .....خانها حماسها لتتجه اليه تكتب رسالة بإمعان:
(أهلا....أيا من كنت ...انا لست حنان ...ولا أعرفك فقط وجدت الهاتف مرمي...وانا سامحتك من قبل ..دفقط ظروفي منعتني من الرد في الوقت )
إرسلتها بتردد ثم انتظرت ....عله يرد ...لكن لا شيء اطلاقا لذا اتجهت تعيد اطفائه ......لتلمح ضوءا طفيفا سرعان ما اختفى كالذي رأته قبلا....... إتجهت بلهفة ترى كلماته الجديدة:
(لا أعرف من هي حنان ....فقط أتمتع بتطبيق يزودني بتفاصيل عن صاحب الشريحة ....أعذرك عن ظروفك وأتمنى لكي التوفيق ....كما أتمنى أيضا ان أتعرف عليك ....اذ لم يكن في الأمر مانع)
اختلجت مشاعر قلبها على كلماته الودودة انه لا يعؤف اختها ....تطور التكنولوجيا أمسى به لمعرفة اسم اختها ....يا له من تطبيق.....لم تحتج الكثير من الوقت لترد عليه وابتسامة طفيفة تعتلي عينيها:
(لا مشكلة ظننتك تعرفها....أنا دعاء من مدينة****....اعيش فيها حاليا لكن بعد دراستي سأنتقل ان شاء الله )
ثم اغمضت عينيها تنتظر الرسالة الآتية بلهفة واضحة لتعيد لمح الضوء الطفيف الذي يبعث السعادة في قلل٧ا بعض الشيء .....قرأت كلماته بتركيز:
(تشرفنا سيدة دعاء ....اسمك جميل حقا .... انا عبد الهادي من مدينة *** صحيح انها بعيدة مدة الأربع الساعات لكن نبقى دولة وجنسية واحدة لذا أعيد لكي القول...تشرفنا سيدتي )

صدفة قاسية 🔞 حيث تعيش القصص. اكتشف الآن