(ماذا قلت لتوك؟؟)
لم يستطع أيوب تمالك نفسه من الضحك ليحاول إعادة ماقاله بصعوبة:
(كان هنالك طبق من اللحم أمامها لتحمل قطعة رامية إياها على وجه عمي أحمد فتحط على وجنته كالكف الساخنة ...جميع من في القاعة أمسك ضحكته بأعجوبة ....ولم تكتف بهذا فقط ...وقفت بعدها فوق الطاولة ولازال طبق اللحم بيدها لتهدده إن تجرأ على ضرب صفاء ستقوم بتحويله إلى طعام للكلاب)
شهقت لؤلؤة لتنفجر في الضحك مثله ....ثم قالت ودموع الضحك تعتلي وجنتاها :
( لا أصدق أن مراهقة هزمت مركز عائلة مؤمن بقطعة لحم)
سكن قليلا ثم إستدار إليها قائلا بخفوت:
(وتتوقعين أن نجلاء تستطيع هزيمتها)
حدقت فيه بنظرات شيطانية لتهجم عليه دون سابق إنذار ممسكة بشعره برفق ....أجفل أيوب ليقبض عليها مكبلا أياه على السرير العريض ....تحاول الهروب كالخروف الخائف قبل ذبحه ...ثم سمعها تقول بشراسة ولا زالت تهتز محاولة الإفلات منه:
(نجلاء أيضا ليست سهلة ...ولنرى من ستكون الأقوى )
ثم إستسلمت تاركة إياه ..ينتقم منها ببطئ ....يدغدها بحنان ...لتضحك ضحكات ناعمة تترجاه أن يتوقف ...إمتثل لترجيها و عانقها برفق واضعا رأسه على صدرها..
أحاطت جسمه برجليها تستقبل رأسه بين ذراعيها حتى أخفته داخل صدرها ....أراد النوم فعلا في ذلك الحضن الدافئ ...أراد الشعور ولو دقيقة واحدة بالحرية ...بالاستقرار والثبات ...بالسعادة دون قيود ....لطالما كانت عائلته تمثل القفص الذي يحتجز العصفور ....وكان العصفور هو أيوب المسكين...المحتجز بين تقاليد عائلته ....
(أيوب)
فتح عينيه على صوت حبيبته تناديه ليقول :
(نعم لؤلؤتي)
نظرت إليه بنظرات طفوليه تفرك أصابعها برفق دليل على توترها وقالت بقلق ظاهر:
(شعرت بإعياء طفيف الأمس فاشتريت إختبار حمل لا زال في الدرج لا أقوى على معرفة النتيجة وحدي)
علت ملامح الصدمة والخوف أيوب لينهض ببطأ متجها الى الدرج دون الرد عليها حتى ....فتح الدرج وقلبه يكاد يموت من الخوف ....كان الإختبار أمامه فقط يقوم بقلبه ليرى النتيجة ...خانته يداه ....تلك اليد التي شملها إرتجاف طفيف ....أداره ببطئ ثم إستدار الى لؤلؤة الجالسة ....لا تزال تفرك أصابعها بتوتر تنظر إليه بعجز ثم قال بصوت خافت لا يعلم كيف خرج من فمه أصلا :
(إنه سلبي)
شهقت لؤلؤة لتضع يدها على فمها ثم إنفجرت في بكاء عنيف قائلة من بين بكائها:
(أنا لن أستطيع الحمل أبدا ....يا الهي ...سوف أبقى وحيدة ستتركني ......)
هرول إليها أيوب يهزها بوحشية قائلا:
(ما بك لؤلؤة انها المرة الأولى فقط والثانية والثالثة لا تقلقي ستحملي بالتأكيد ....إصبري ومن قال لكي إني سأتركك لا يفرق بيننا غير الموت )
ثم عانقها بقوة قلبه يتقطع على حبيبته الصغيرة ...منذ صغرها حساسة تحب البكاء على صدره ....أول ذكرى لباكئها كانت قبل عشر سنوات ...
....يجرب سياقة السيارة للمرة الأولى مع ابن عمه عابد .....
(لا تدور المقود بدرجة كبيرة ستهلك بنا )
إمتثل أيوب لأوامر عابد الصارمة ...فهو لا يمزح في موضوع الحياة أو الموت ....لمح أيوب إنعطاف يحفظه من قبل ...انه ذاك المنعطف هناك إشترى أيوب على صاحبة الشعر الأسود الكثير من المناديل ثم ناولها إياها مرة ثانية .....أدار المقود بسرعة كبيرةمتجها للمنعطف لتصطدم السيارة في الرصيف....شتم عابد بصوت عالي وأمسك بياقة قميص أيوب ...يهزه بعنف قائلا :
(ألم أحذرك من المقود ....تبا لك سيقتلني أبي أكرهك يا تافه )
ضحك أيوب بخفوت من ردة فعل عابد ثم أفلت منه ليفتح باب السيارة متجها الى مقدمتها يرى مكان الإصابة جلس على الأرض يحدق بها لا يعرف من أين يبدأ حتى سمع صوتا طفوليا تغزوه القليل من الأنوثة قائلا :
(أنت مجددا)
أجفل أيوب من جلوسه ليستدير على مسمع هذا الصوت ....كانت هي لكن أجمل وأنظف وأحلى ....نهض أيوب بسرعة معدلا من نفسه وشعره ناظرا إليها بإعجاب وقال لها:
(تغيرتي عن آخر مرة كثيرا)
ضحكت له بخفوت لترد بعفوية :
(هذا من فضل مالك )
إستغرب أيوب ...مالي ؟؟....وقال:
(وما دخل مالي في الموضوع ؟؟انا لا اتذكر انه كان مالي ....بل كان اتعاب عملك وثمن المناديل الخاصة بك )
إبتسمت له بحنان ...يا الهي من تلك الإبتسامة الخلابة توقع العاشق في أفخاخ الموت ...ثم سمعها تقول:
(أنا أنتظرك كل يوم هنا لكن للأسف لم ألمحك أبدا غير اليوم ....كنت قد صرفت مالك او مالي ....على كراء شقة صغيرة أنا وبعض الإخوان ...هربنا من الميتم وكل واحد حاول الحصول على عمل ....بالرغم من صغر سننا إلا أننا وجدنا العمل بصعوبة لذا في فترة وجيزة إستطعت أن أحصل القليل من المال بما فيهم مالك الذي أكرمته علي لذا أنا انتظرك كل يوم لأرده لك وأشكرك أيضا على مساعدتك التي غيرت من حياتي نحو الأفضل )
يستمع إليها وملامح الصدمة تعتلي وجهه لا يعرف ماذا يقول ....هل ماله غيرها من متشردة الى أجمل فتيات الكون....مهلا هل كانت تعيش بالميتم .....
(أنت يتيمة ؟)
أجفلت لؤلؤة بحزن وقالت بنغمة هادئة:
(ربما نعم وربما لا .....لا أعرف عنهم شيئا ...إن كانوا ميتين أو حيين فقط تركوني للهلاك وذهبوا دون النظر للوراء )
إبتسم أيوب إبتسامة حزن ثم قال لها بحنان مغيرا الموضوع :
(هل تريدن أن تذهبي معي الى الى ....الى الفطور او ما شابه ،)
نظرت إليه لؤلؤة بملامح إستغراب تكسوها السعادة وقبل الإجابة سمعته يقول أيضا:
(ربما يغير من حياتك أيضا )
ليضحكان في خفوت قطعه صوت بوق السيارة المزعج شتم أيوب ليستدير لابن عمه لكنه أعاد بنظره الى لؤلؤة قائلا:
(دقيقة فقط وسأعود)
أومأت له لؤلؤة بصمت وسعادة غامرة تغزو قلبها الصغير ...لا إلهي لا تصدق أنه هنا ...أيام وليال تحلم به ....تراه في أحلامها تتخيله عند إستياقظها ...لم تكف أبدا عن التفكير به والآن هو أمامها يدعوها للفطور...ما أسعدها وما أوفر حظها .......
وصل اليه يكاد ينفجر من الغضب ليصرخ في وجهه :
(تركتني هنا يا أبله لتخاطب فتاة الأحلام وأنا محاصر هنا ...رائحة الوقود تفتك بي يا أخي هيا نذهب جربتها وهي تستطيع السير أسرع سأموت بعد دقائق هيا )
نظر اليه أيوب بترجي ثم أمال برأسه نحوه يهمس له بحنان:
(يا ابن عمي يا عبودتي يا حبيب قلبي وأخي الجميل ....انها فتاة أحلامي بالفعل ...لن أتأخر أعدك ....هيا صديق دربي و عشرة روحي ...أعرف ان قلبك لا يرضى ان اتركها وحيدة هكذا ...دقائق فقط )
شتم عابد بصوت عالي وقال :
(تبا لك أيوب أي مصيبة أخرجتني معك ....يا إلهي انا اكرهك لدرجة اني سأسمح لك بالذهاب كالخروف الأبله ...أغرب عن وجهي هيا ...وان تأخرت اقسم اني سأذهب واتركك هنا وحيدا )
إبتسم أيوب إبتسامة كبيرة شملت وجهه ليحاول معانقته من شدة فرحته لكن عابد دفعه بقسوة قائلا بشراسة:
(إعقل)
ضحك أيوب بطفولية ليخرج من السيارة سعيدا بإنجازاته اليوم....ضرب مقدمة السيارة على الرصيف ربما لا ....لكن مقابلة فتاة الأحلام....بكل تأكيد لهو إنجاز عضيم وصل إليها مبتسما ثم بدآ في المشي نحو أقرب مطعم يرياه
وبينما يتمشون في صمت سمعته يقول:
(إبن عمي العفوي من كان بالسيارة )
بادلته الإبتسامة بأفضل منها لترد عليه:
(يشبهك بعض الشيء ظننته أخوك )
أجفل أيوب مصدوما ...عابد يشبهه يا إلهي انها تُشّبه الماء بالنار ...لا وجه شبه أبدا بينهما لكنهما يظلان أعز الأصدقاء منذ مولدهما .....ثم رد عليها بخفوت:
(لا أملك أخ ....عندي أخت صغيرة فقط )
سكنت لؤلؤة بعض الشيء لتقول بعدها:
(جميل )
عم الأجواء الصمت ثم سألها قاتلا إياه :
(إذا ما إسمك ...ماذا تعملين ..مع من تعيشين...أكرمينا ببعض التفاصيل عنك شوقتينا )
نظرت اليه لؤلؤة بنظرات لهفة وعشق...نعم تعترف انها وقعت في حبه منذ اول لحظة رأته فيها ...منذ الصدفة التي جمعتهما .....إستدارت لؤلؤة ثم بدأت الكلام ببطئ :
(ها قد وصلنا للمطعم...... منذ صغري أحلم بدخوله ولكن لم تحن لي الفرصة من قبل ...)
تأمل تفاصيلها نظراتها الطفولية شعرها الأسود الحريري عيناها السودوياتان الفاتكتان ...لم يطل تأمله ليرد عليها مجفلا:
(نعم تفضلي من بعدك)
.........................................................................
جالسان كل منهم يقابل الآخر يحدقان في بعضهما منذ ما يتجاوز ربع ساعة ....لتتكلم لؤلؤة قائلة:
(إسمي لؤلؤة ...وأعمل بحانة أقدم المشروبات وغيرها ....أسكن بشقة صغيرة التي قلت لك عنها من قبل مع ثلاث بنات وأربعة أولاد)
إنصدم أيوب ليقول بدهشة:
(ماذا !!!!؟تعملين بحانة وتسكنين مع أربعة أولاد )
إلتفتت بعض الأنظار له من صوته الشبه مرتفع لتشعر لؤلؤة بخزي تنظر الى الأرض لا تقوى على رفع عينيها ....سقطت دمعة خائنة على وجنتيها .. وكم آلمته تلك الدمعة ليقول متأسفا بخفوت :
(أنا آسف ....لا أعرف الكثير من البنات في حياتي بل لا أعرف إطلاقا غير بنات العائلة ووضعك نادر مما سبب ليا الصدمة بضع لحظات )
مسحت.دمعتها الخائنة لترفع وجهها ببطئ محدقة به بحزن قائلة بحدة:
(لا بأس أنا لا ألومك فكل من أتلي عليه قصتي تكون ردة فعله كردة فعلك )
تأمل نظراتها الحزينة بتحسر ليرد عليها بفتور:
(لما لا أعرض عليك شيئا يساعدك بكل تأكيد)
عمت الفرحة عيون لؤلؤة لتومئ له دون الكلام تنتظر عرضه بحماس ليقول لها:
(أملك بيتا مكون من غرفتين وقاعة ومطبخ الى ذلك....انا لا أستخدمه كثيرا لذا يبقى متسخا بعض الشيء وانا لا أريد النوم في بيت تعمه الفوضى ...لما لا تأتين محضرة صديقاتك الإناث الى بيتي تنظفنه وتعشن فيه وسأزودكم براتب خاص وتستطيعون العمل في مجال آخر غير تنظيف البيت فما رأيك ؟)
إندهشت لؤلؤة لتشهق بصوت عالي وابتسامة علت وجهها تضحك بخفوت من شدة فرحها ثم ردت قائلة:
(هل أنت جاد يا سيد ...فأنا لا أعرف كيف أرد على عرضك الجميل هذا ولا أعرفك أصلا )
إبتسم لها بعفوية ليرد :
(إسمي أيوب وردي بالموافقة أحسن أليس كذلك)
.........................................................................
يشتم بصمت لقد تأخر الفاسق أين هو هل استغرق منه لقاء فتاة كل هذا الوقت يا الهي هو أيضا يتضور جوعا ....أثناء تفكيره سمع صوت بكاء فتاة يعلوه خطوات متسارعة دليل على جريها إستدار مجفلا ينظر من المرآة الخلفية كانت فتاة صغيرة لا يتجاوز عمرها الثالث عشر ....تركض ودموعها تنهمر بغزارة تصرخ بقوة :
(لؤلؤة لؤلؤة أين أنت ؟؟؟)
ظلت تجري لتتعثر بحصى مرمي على الأرض فسقطت على يدها متأوهة بصوت عالي .....أجفل عابد ليخرج من السيارة متجها إليها .....حملها بحنان وأدخلها السيارة ...وضعها فوق الكرسي ثم وقف أمامها يعاينها قائلا لها:
(يا آنسة هل أنت بخير ؟؟هل تسمعيني )
فتحت نجلاء عينيها ببطئ لتلمح فتى شديد الجاذبية أخضر العيون يلمس رجلها برفق محدقا فيها باستغراب ....شهقت فجأة ليبتعد عنها مجفلا قائلا لها:
(لا تخافي لن أؤذيك ....لقد وقعت على الرصيف هناك ....خفت ان اصابك مكروه فحملتك الى هنا )
إبتسمت له ابتسامة طفيفة فظهرت غمازاتها الظريفة ....بادلها الإبتسام ببرود ثم سألها :
(لماذا كنت تركضين هكذا)
تذكرت نجلاء صديقتها لؤلؤة لتبدأ في بكاء صامت ....تراودها الكثير من الأفكار ...فلؤلؤة تتعرض لتحرشات كثيرة في عملها ...لذا توقعت كل الإحتمالات في ذهنها ولم تتوقف عن البكاء
(أخبريني مواصفاتها يمكن قد أكون رأيتها ...فأنا هنا جالس منذ الظهر )
نظرت إليه باستسلام ثم قالت بصوت باهت:
(فتاة بالرابعة عشر طويلة ترتدي ثوبا به رسومات لورود ....بيضاء البشرة سوداء العينين و س..)
قاطعها عابد قائلا:
(شعرها طويل وأسود)
أجفلت نجلاء مصدومة لتمسك يديه قائلة بلهفة :
(نعم هل رأيتها أين هي أخبرني أرجوك)
غرز يده في شعره بعنف ليقول :
(إنها في موعد مع حبيب القلب )
ثم إستدار يجلس في الكرسي الآخر المجاور لها ....علت ملامح الإستغراب وجه نجلاء لتعيد صياغة إجابته بفتور:
(حبيب القلب؟؟موعد)
اعاد بنظره إليها ليومئ برأسه ..............................
.........بعد دقائق قليلة لمح كل منهما أيوب و لؤلؤة آتيان من بعيد ....سعيدان كالأطفال الصغار ...تحمل لؤلؤة باقة ورد حمراء تشتمها بعفوية ....لتبتسم له بإشراق...مستقبلا إبتسامتها بعشق ذائب .....وصلا الى السيارة أخيرا وفجأة علت ملامح الإستغراب لؤلؤة ...صديقتها واختها بسيارة ايوب الى جانب ابن عمه فهمست لنفسها بصوت مسموع :
(ماذا تفعل هذه هنا من المفترض أنها بالشقة )
أجفل أيوب على مسمعها ليلمح ما تنظر اليه ...تلك الطفلة الجالسة الى جانب عابد تنظر إليهما بصدمة .....خرجت نجلاء مهرولة تعانق لؤلؤة بقوة قائلة ودموع تنزل دون توقف:
(نهية طردتنا من الشقة .....دفعتني أمام الباب مدعية اني عبئ عليهم ...شتمتني وعنفتني...ليس وحدها فقط ...بل ساندتها أمينة ...رمت بأغراضي من الشقة ليسقطوا في الواح القذر ...نست أننا نحن من أكرمنا عليها بعيشة لم تكن تتمناها ....و هددتني ان عدنا ثانية سيكون حسابنا عسير والأولاد مشتركين معها ....لا نستطيع العودة يا لؤلؤة صفينا وحدنا في الشارع كما قبل ...)
تنظر لبعيد تبكي بصمت ....هل هذا جزاء خيرها معهم .....طردوها من شقتها التي دفعت تكلفتها بنفسها .....ويهددوها بعدم العودة ...تمالكت نفسها من أجل أختها لترد عليها بثقة :
(لن نعود أبدا... إحزري ماذا سننتقل الى بيت أكبر وأجمل وأحلى منه....سننسى الشقة القذرة والعمل الدنس وكل أنواع الفواحش التي عشناها ....)
رفعت نجلاء عينيها بإستغراب لتسألها:
(كيف؟؟)
ابتسمت لها بحنان لتدير بوجهها الى أيوب قائلة بثبات:
(هناك من غير حياتنا للمرة الثانية)
.........................................................................
(إنه هنا ثانية يسأل عنك بالقاعة )
إرتبكت دعاء على مسمع كلام صديقتها.....لتنهض مجفلة الى القاعة ....كان هناك بالفعل ....واقف بهيبة ....لحيته النامية هي الشيء الوحيد المتغير بشكله .....تأوهت بصمت من الألم الحاد بقلبها إتجهت إليه ....تحدق به بنظرات حزن يرفقه التحسر .....التفت عبد الهادي على ملمح خيالها....أبصرها ...هالات سوداء تكسو عينيها الجميلتين ....وجهها الأصفر يوحي بسوء تغذيتها وإفراطها في صحتها ...حضنها بقوة ....فبادلته العناق إذ رفعت ذراعيها محيطة بعنقه السمراء .......إبتعد عنها مرغما ليقبلها بشغف مرتويا بحنانها .....لم تستطع منعه ...لقد إشتاقت له كثيرا ....هذه الأيام الصعبة لا يغيرها للأحسن سوى حبيبها الوحيد ....حتى في لحظات حزنها تلجئ الى عبد الهادي بدلا من عائلتها المستبدة ....لطالما كانت عائلتها تمثل الحزن والخذلان بالنسبة إليها .....أبوها دائم العمل لا يهتم لها إطلاقا ....أخواتها الكبار متزوجات ....همهم الوحيد الاهتمام بأزواجهن .....أمها لم تحس يوما إتجهاها بحنان الوالدة الذي يتحدث عنه الحميع ......فهي لا تأبه سوى لأخاها الوحيد .....تدلل-ه أكثر من الجميع ...هذه هي عائلتها أجزائها مشتتة لا يهتم لها أحد ....حتى تعرفت على عبد الهادي ....هو بمثابة أمها وأبوها ...أخوها وأخواتها...هو بمثابة حياتها ....لا تستطيع العيش بدونه....لا يمر يوما دون التفكير به ....
( ما كل هذا الإرهاق ...؟)
أغمضت عيونها على صوته الرجولي ........
لترد عليه بصوت ناعم ويدها تلمس وجنته الخشنة :
(ربما بسبب أحد إبتعد عني قليلا)
إبتسم لها بخشونة ...ثم أمسك بيدها يتجهان نحو الباب .....إرتبكت دعاء لتقول بقلق:
(إلى أين ؟؟؟)
لم يرد ولم يلتفت لها حتى ...شعور بالخوف تخلله بعض الفرح يغدو في قلبها .....فتح لها باب السيارة ...لتدخل دون مناقشته حتى ... أقفل الباب واتجه إلى مقعده .....يسيران في الطريق ....كل منه صامت...أوقف السيارة على جانب الطريق السريع المطل على أراضي الفلاحين ....إستغربت دعاء من سبب توقيفه لها في مكان كهذا يملأه الوحل....والحشرات ....وأصوات السيارات تسوده لتكمل من سوء الوضع....مكان مزعج حقا ....
(هل انت مستعدة للهرب معي )
إستدارت مجفلة من كلامه لتفتح عينيها على أقصى إتساع .....أمسكت بباب السيارة كأنه يحميها منه...ثم قالت بصوت مرتجف:
(لن نستطيع الهرب .....إنها عائلة كبيرة صلاتها بالبلاد قوية ...سيعرفون مكاننا حتى لو ذهبنا لآخر الكون )
ظل يحدق فيها بنظرات وكأنها طعنته في منتصف صدره ...تنحنح في كرسيه ليشيح بنظره على ملمح السيارات المارة .....إكتفت بالصمت .....فردة فعله متوقعة ...لا تظنه أنه سيبقى معها بعد سماع كلامها....إمتدت يدها الى شعره الأسود الجميل تمشطه بأصابعها ....رأت استجابته مع حركتها لتقول له و ابتسامة تعتلي وجهها:
( من زوجوني له شخص متقبل وعاقل ....سأتفق معه على موعد الطلاق ...ولذلك الحين سأهرب معك إلى القمر إن أردت)
رأت إبتسامته الخفيفة لتعانقه برفق ...إستدار لها يستقبلها بحنان ثم ربت على رأسها ليقول:
(سأنتظر ذاك اليوم لأهرب بك ولن أعيدك الى هذا العالم الموحش ثانية أبدا...سنعيش الحلم على الواقع...لن تحتاجي شخصا في حياتك غيري ...كما كنت من قبل)
سقطت دمعة خائنة من عيونها على ذراعه الحديدية...ثم همست لنفسها :
(سأكون ملكك حتى لو تزوجت مئة رجل غيرك ....سأكون لك ....دعاء لعبد الهادي ...وعبد الهادي لدعاء )
.........................................................................
فتحت عينيها يإعياء على صوت الأواني المزعجة ....رأسها يألمها بشدة ...حاولت التحرك لتتفاجأ بألم حاد في رجلها اليسرى ...تأوهت بصوت عالي.....هلمت إليها آية بسرعة لتقول :
(إهدئي ستؤلمين نفسك حاولي الإسترخاء سأنادي عابد ليحملك إلى غرفتك إنتظري ولا تتحركي )
تهز رأسها بغير استيعاب...كأنها في عالم آخر تحاول إسترجاع ذكرياتها بالأمس لكنها لا تستطيع ....شعرت بيد رجولية تمتد لأسفل رأسها ....رفعت عينيها على ملمح عشيقها ...ابتسمت له بهدوء ...لم ينتبه لها فقط اكتفى بحملها نحو غرفتها .....وضعها برفق على الفراش ....مات كل الألم بشعور لمساته على جسدها
(كيف أسقطتي القارورات على رجلك )
إستيقظت من أفكارها على صوتها الأجعش ....لتدير بوجهها قائلة بحدة:
(لا أتذكر شيئا مما حصل ...أنت أخبريني ماذا حدث...عندما كنت نائمة نوم الهناء ...وعابد يعالجني بقلق)
لمحت نجلاء نظرات آية الغاضبة لتراها تستدير دون سابق انذار متجهة للمطبخ ثانية ...أعادت نظرها الى عشيقها لتقابلها ملامحه المتهجمة ..نظرت اليه باستغراب لتقول:
(أخبرني إذا كيف أصبحت هكذا ممددة على طاولة المطبخ )
زفر نفسا حادا ليرد عليها باقتضاب :
(سمعنا صوت صراخك المفاجئ ما يقرب منتصف الليل ....جئت مهرولا إليك تتبعني آية...كنت أريد أخذك للمشفى ...لكن آية منعتني خوفا من خسارة الكثير من الدم ...بسبب بعد المشفى .....هي من إهتمت بك ...وقامت بخياطة جرحك ... اما عني إكتفيت فقط بمشاهدة المراهقة تمارس مهنة الطب ببراعة ....تلك التي اتهمتيها بالاهمال وغيره أنقذت حياتك من خطر كاد أن يفتك بك )
ثم إستدار مجفلا يلحق بزوجته الصغيرة ....إحمرت نجلاء من شدة الخجل ...تلك التي كانت تتمنى لها الموت لزواجها من حبيبها أنقذت حياتها بالرغم من مقتها لها...تغيرت نظرتها عليها قليلا ...لكن هذا لا يغير من كونها سارقة لأعز شخص في قلبها ....
......تحضر القهوة بعصبية لتهمس بصوت شبه مسموع:
( الفاسقة العاهرة ...تبا لها حتى الخير لا يجزى بها لما لم أقطعها فقط وارميها للكلاب بالخارج)
(ونعم الأخلاق)
إستدارت آية مجفلة على الصوت المنبعث من ورائها ....يحدق فيها بنظرات شيطانية أخافتها بعض الشيء ليهجم عليها ممسكا إياها بقوة ....حاولت الإفلات ثم فشلت لتتركه يتفنن في معاقبتها....نظر إليها بحدة ليضحك ضحكة خفيفة قائلا:
(لا تغضبي منها ....لا زالت لم تتعود عليك ...لا طالما كنت لها وحدها...لكن الآن أنتما الاثنان تتشاركاني )
ضربته آية بقوة على صدره بضربات متعددة قائلة بشراسة :
(من اللتان تتشاركاك يا حبيب زوجته قل من )
أمسك بيدها في حركة مفاجئة ليرفعها عن الأرض بواسطة كتفه
أنت تقرأ
صدفة قاسية 🔞
Randomوأغار من غريب يرى عينيك صدفة فيغرم بهما ...كيف لا وهو يهيم بعيون الرمل الذهبية ....شرقية اجتمعت فيك الثقافات..... ...... لتكون مثالية في عيوني فقط ......