جزء 25

1.9K 28 5
                                    

ساد صمت طويل ....والعيون تراقب آية بصدمة ...حتى فيروز المبتسمة ...تلاشت ملامحها مع  جملة الفتاة الصغيرة المليئة بالطاقه الإيجابية فاعمة بالحماس دوما .....التفتت صفاء تحدق بهم..بعيون لامعة ...تريد البكاء ...لم تفكر في فرحة أن تصبح عمة من جديد ...بل ركزت على كون أن تلك المتشردة ستصبح أم لابن الحفيد الأكبر ....وقبلها...أي  قبل أن تتزوج حتى ......خانتها دمعة لتسقط بسلاسة على وجنتها الناعمة المحمرة ....بينما كان هناك من يراقب تلك ردة الفعل الغريبة و العيون المبتلة ....ضيق عينيه باستفهام كأنه بات لا يعرفها....ازدادت غرابة عن غرابتها المعتادة....كما أن جموحها أصبح بارد الطباع ....
(مالذي تخفيه عني يا عيون البحر ...)
همس سعد في نفسه بعيدا عن مرآها يفكر في نفسه ثم قرر أخيرا الهدنة فابتعد بصمت ....
إستدار أحمد مجفلا ثم قال دون وعي :
(فعلا وبهذه السرعة )
احمرت آية خجلا على كلامه ....أهذه ردة فعل أب سيصيبح جد ....يا خيبتاه ...مطت شفتيها بامتعاض لتقول على مضض:
(نعم الوقت يمر سريعا )
ضيق احمد عيناه ثم لبث ان قال:
(مبارك لكما )
وأعاد اللفة لعابد مكملا كلامه بحب :
(مبارك للغالي ابن الغالي وحفيد الغالي )
ابتسم عابد بمرارة بينما بقت آية تحدق فيه بغرابة تفكر في نفسها كيف يعيش معه الناس بهته الشخصية المستفزة العصبية ....زفرت فجأة نفسا بنفاذ صبر ثم استدارت مجفلة من  فيروز المصدومة .....لتقول بهلع:
(هل أنت بخير )
كانت في شرودها هائمة تفكر أنها ستصبح جدة لأبناء عابد وأخيرا  بعد ان تزوج إياد وانجب أطفاله كم فرحت وتمنت أكلهم لشدة حلاوتهم لكنه ذهب بهم سريعا ....ولم تستطع ان تروي عطش امومتها المحروم  ..ابتسمت قليلا في شرودها لتهمس ببطأ:
(سأصبح جدة )
حدق فيها راسب باستغراب ليرد عليها بهدوء :
(أنت جدة بذاتك )
أجفلت فجأة مكلمة إياه بحسرة :
(نعم لكن أين هم ...ذهبوا بعيدا عني ....أكاد أنسى شكلهم ..وكأن تم نفيهم من أرض اجدادهم)
ثم التفتت تحدق في أحمد بتهديد وهو يتجنب رؤيتها واحساس بالذنب ملأه ليقول دون وعي :
(ماذا تنتظرين مني أن اترك العمل لأغراب بينما إبني أمامي )
رفعت حاجبها باستفزاز لتتقدم نحوه وقد نست آية ووفرحة حملها وركزت على اقوال زوجها بينما الجميع ينظر لها بخوف وردت عليه بحدة  :
(وهل أخوتك وأبناء اخوتك اغراب ...لتنفي إبني  و تذهب بابني الآخر .... )
تعالت الشهقات بينهم على  صراحتها وشجاعتها بينما بقي أحمد ينظر لها بصدمة لها ....وهو يفكر في نفسه؟هل تلومه ؟وقف بسرعة ينوي الهجوم  لكن مظهرها الساكن جعله يجفل قليلا وهي تنظر له بملامح ميته  .....تنفس الصعداء يحارب شياطين رأسه ليقول بحدة :
(هل أنت بوعيك فيروز ...)
اغمضت عينيها فجأة  من هول إسمها الذي خرج  بين شفتيه توا لتتنهد ببطأ قائلة :
(متى سيأتي ؟)
بقى ينظر لها بعدم فهم وكأنها تغيرت على فيروز المعتادة  ليهتف بعنفوان:
(سأهاتفه واحرص على قدومه )
تلألأت عيناها بسحر خفي وابتسامة تسللت لشفتيها لتقول ببطأ:
(ماذا؟)
واصل تحديقه باستغراب ليومئ دون وعي قائلا:
(سأهاتفه وسيأتي )
إبتسمت قليلا لتتقدم بخلياء وهو يراقب حركاتها الخبيثة ثم قالت بخفوت:
(إذا هاتفه الآن )
تريث وهو يواصل مراقبتها لتمتد يده لجيبه الأمامي مخرجا هاتفه الثمين ثم ضغط على أزراره ببطأ ووضعه عند اذنه منتظرا رفع السماعة وبعدها بلحظات قال:
( أهلا يا ولدي )
شهقت فيروز فجأة لتتقدم نحوه تضع اذنها من الجهة الأخرى مستندة على أحمد أمام اولادها المتعجبين وآية التي نست الموضوع المتحدث حوله ...
تلاعبت أصابعها بكتفه وهو يستشعر نعومة يدها وثقلها على جسمه ...تراخت اضلاعه على ملمسها ليهمس في نفسه بعذوبة :
(متى تكبرين ويزول سحرك )
سمع صوتها المشتاق يهتف بعنفوان جانب أذنه :
(إياد حبيبي ...هل تسمعني ...؟)
إبتسم فجأة احمد لبرائتها وهي لا تعرف انه لا يستطيع سماعها فرَّق قلبه ليناولها الهاتف أخذته مستغربة لكن  سرعان ما زال استغرابها وهي تضعه على أذنها تكلمه بحب ومودة قائلة:
(إياد ولدي هذه أنا أمك )
ثم لبثت ثواني لتضحك بلطف متجهة للمطبخ دون ان تعير أحد اهتمام ....
(مالذي حدث توا؟)
التفت الجميع الى آية وهي مضيقة عيونها تحاول فهم ماجرى ثم سمعت راسب يرد عليها :
(مالجديد هذه هي كلما سمعت كلمة إياد هلمت كالطفلة الصغيرة دون وعي ربما ستكتشفين السبب عندما يأتي الطفل  )
التوى فكه في ابتسامة ساحرة ليكمل كلامه بخفوت :
(مبارك لكما إذا )
ابتسمت آية بلطف على كلماته الودودة تعد كأول مرة يتصرف معها راسب بلطف ثم ردت بخجل :
(شكرا لك )
ثم استدار لعابد وهو يقول بثبات :
(شكرا لك يا عم ...وبالنسبة لأمي لم تشاهديها عندما يأتي إياد تعامله كالطفل ....تعتني به أكثر من رضيع عمره يوم )
ثم التفتو على مسمع صفاء وهي تقول :
(صحيح في كل ساعة  )
ضحك عابد ببطأ ليقول باستهزاء :
(بل كل دقيقة )
رفع راسب عيونه ثم ابتسم قائلا :
(تبا بل كل ثانية)
ليضحكوا جميعهم بينما جلست آية تأكل من شدة جوعها الذي يزداد كل دقيقة
....................................................................................
(كيف حالك حبيبتي )
شردت قليلا في صوته الذي اشتاقت له ثم ردت بحسرة :
(لست جيدة مادمت بعيدا عني )
أغمض عينيه بحزن وهو يشتاق لها أيضا بهيته الأولى ثم هممس بعجز :
(ماذا أقول يا أمي تعرفين الظروف لو كان الأمر بيدي لكنت بقيت لجانبك دائما )
كانت تود البكاء في تلك اللحظة ودمعة تسللت من بين رموشها الصفراء لكن شيء ما جعلها تلتفت خلفا  ...لترى أحمد يحدق فيها شبه مستغرب وتلك الملامح تحمل نوعا من الحزن  فقالت دون وعي :
(مالذي تفعله هنا)
لبث إياد مستغربا من جوابها ....مالذي يفعله هنا ! حقا ليرد بخفوت :
(ماذا أمي؟)
كانت تريد ان تفهمه مالذي جرى لكن سرعة أحمد وهو آتي نحوها جعلها تجفل بخوف مغمضة عينيها بقوة ...
راقب ردة فعلها المفاجئة وكأنها تخافمنه توقف هلى مهل يدقق في  ملامحها الجميلة مع اختفاء الوشاح المخيف  عن وجهها الفاتن ثم رفع يده يجذب الهاتف من كفيها  ببطأ ليضعه على أذنه قائلا بثبات:
(إنه أنا أباك  ...هاتفتك بشأن المجيء ...سأكلم حسام ليذهب محلك بينما تأتي أنت محله ...أمك مشتاقة لك .. بل كلنا مشتاقين لك وللأحفاد)
فتحت عينيها بصعوبة تتأكد مما سمعته توا ...فرأته وهو يحدق فيها قريب منها يستشعر نفسها بخفوت ...
ثم سمع إياد يقول بدهشة على الهاتف:
(ماذا أبي صدقا متى ؟؟)
ابتسم لها قليلا وهي تحاول فهم ما يجري ليقترب أكثر منها حتى التصق صدرهما وهمس ببطأ شديد :
(متى تودين منهم المجيء )
إحمرت فيروز فجأة تبعد عينيها عن عينيه الخبيثتين ثم ردت بخفوت :
(لو كان في استطاعتي اليوم قبل الغد لكنني أعرف كم هو بعيد لذا يكفيني فقط مجيئه في هذا الأسبوع الشهر السنة لا يهم ليأتو فقط )
لتعيد بعينيها الملونتين تحدق في عينيه تتحداه بجمالهما تفتنه بسحرهما وقد نجحت بالفعل فقد كان شاردا حالما فيهما .ثم تنهد بوجع ليكمل  قائلا:
(بعد يومين أراك في المطار )
ثم ققل الخط دون كلام آخر يتابع تحديقه في جنيته القديمة وقد عادت به الذكريات في هذا المطبخ بين جدرانه الذي كان يوما مخبأ حبهما وسيكون للأبد .....
(ماذي قاله؟)
نطقت بها تلك المخملية صاحبة الشعر النحاسي وهي تحدق يعيونها البنية الصافية تنتظر إجابته باستغراب ليرد عليها بشرود:
(لا أعرف يا مرجانة ...الشيء الوحيد الذي أعلمه اننا ...اننا سنذهب للبلاد بعد يومين )
شهقت مرجانة بصدمة لتبتسم تلقائيا ثم همست :
(فعلا يا إلهي ستفرح حسيبة جدا )
وقفزت بحماس تخبرها جريا وهي تكاد تطير فرحا بينما بقي اياد يفكر في ما غير رأي أباه بعد كل تلك السنين  ...
جرت مرجانة بخطوات رزينة تميل بتفنن وأرجلها البيضاء الشبيهة بالقشدة تنافسها في السرعة ....توقفت فجأة على منظر تلك المرأة التي لا تطيقها تحدق في جسدها المشدود الذي لا ينكر جماله مقارنة بجسدها الهزيل ....جمالها ومنحنياتها المنقوشة ....أبدعت برشاقتها رغم مؤخرتها التي تتصف بالكبيرة قليلا لكن طولها وصدرها المشدود جعل منها عارضة أزياء بجسد مثالي ....هذا ما جعل إياد يختارها كزوجة أخيرة على ما تظن ...
(إلى ما تنظرين ؟)
رفعت عيونها بثقل تنظر لها بتقزز فانتصب رأسها فجأة تحيد ببصرها بعيدا  ثم قالت دون اعتبار:
(لما وقفت انت في طريقي )
ضيقت ميادة عيونها السوداء تتنفس بسرعة لترد بهدوء رغم الغضب الذي عمها تلك اللحظة :
(أنت من كنت تجرين كالمجنونة أنحاء البيت )
التفتت لها بصدمة تقترب بحذر ثم همست بفحيح مهدد:
(اسمع يا انت هذا بيتي قبل ان تدخلي له أصلا ...ليس لك الحق في محاسبتي كيف أمشي في بيتي )
مالت ميادة برأسها منكسرة الخاطر ...تعرف حق المعرفة أنها غريبة وليس محلها داخل تلك الجدران ...لذا امتثلت الصمت....تخطي برجليها وقد ملأ وجهها الجذاب ملامح الحسرة كالعادة بعد كل حديث مع ضرتها .......
....ظلت تراقب خطواتها باستغراب يبقى ما يثير ريبتها حول تلك ميادة صمتها الدائم ...وكأن همها الوحيد البقاء دون مشاكل....وراء هذه المرأة سر غريب ...ستكتشفه عما  قريب ....تريثت مرجانة شاردة في مذهبها لتلفت فجأة تتذكر حسيبة والخبر الجديد ...فأكملت جريها ثانية تعد الخطوات لغرفتها .....
دخلت مرجانة بسرعة دون دق الباب ....فوجدتها مستلقية تنظر لهاتفها بقنوط .....جلست على سريرها تحدق في ملامحها الجميلة ...حسبية تعد الزوجة الأولى ....ابنة العائلة ....وسيدة الطبخ بالمنزل ...رغم الحب الجاف بينها وبين إياد الا انه لا يستطيع الاستغناء عنها ....لم تكترث لها مرجانة تعلم ان قلب اياد لا يملكه احد سواها وكان من القدر ان عائلته فرضت عليه الزواج من حسيبة ذات الجمال البسيط والمهارات المتعددة .....فكان من السهل قبولهم بها
(خير ما أتاك)
ابتسمت مرجانة حتى احمرت وجنتاها ثم همست بخفوت :
(عندي لك خبر ستفرحين جدا بعد سماعه )
استقامت حسيبة فجأة من استلقائها تنتظر الخبر ثم قالت بحيرة :
(وما هو الخبر ؟)
زادت ابتسامة مرجانة لتغمز لها لوهلة ثم وقفت تتمايل بخبث ترد عليهل بهدوء :
(لكن أريد المقابل ....فهذا الخبر يساوي ذهب )
أغمضت حسيبة عينيها تفكر غي نفسها فهي لا تنقصها هذه الغبية خصيصا في يوم كهذا لكن ما باليد حيلة وهي متمحسة للخبر :
(وماهو المقابل يا جزرة )
تنهدت مرجانة بملل لتلتفت تهتف بغضب :
(كم مرة قلت لك لا تناديني جزرة ...شعري أحمر ليس برتقالي ...)
مالت شفتي حسيبة في شبه إبتسامة قائلة:
(نفس الشيء )
جلست مرجانة بجانبها وقد نجحت نسيية ككل مرة في قتل مرحها ببطأ لترد بقنوط :
(سنرجع للبلاد بعد يومين )
فتحت حسيبة عينيها بذهول لتقف هاتفة وقد أمسكت مرجانة تهزها بعنف :
(إذا كانت مجرد مزحة سأنتف شعرك الأحمر ذاك )
بقت تهزها مرارا وتكرارا فحاولت مرجانة النطق ببضع كلمات تنجيها منها في تلك اللحظة :
(أقسم انني لا أمزح اسألي إياد )
تريثت حسيبة دقيقة....لتتركها وقد رأفت بحالها بعدما رأت منظرها مشعثة الشعر جرائها....ثم همست بعدم تصديق :
(يا إلهي يا إلهي وأخيرا سأرجع لعائلتي )
وتركتها متجهة لإياد تتأكد من صحة الخبر ...لكن صوت مرجانة من ورائها أوقفها فجأة :
(والمقابل؟)
رفعت حسبية يدها تضرب جبينها بغضب لتستدير هاتفة فيها بيأس :
(ماهذا المقابل السخيف )
استندت مرجانة على السرير بدلال قائلة بثبات :
(طلبية حلويات )
حدقت فيها حسيبة للحظتين ثم شتمت في نفسها لترد عليها ببطأ :
(لكي هذا يا جزرة )
......كان لا يزال يفكر وقد أوجعه رأسه من كثرة التفكير ....فكيف سيعود للبلاد وكان احتمال رجوعه مستحيلا .....كيف تغير أباه في لمح البصر ....أحمد مؤمن لا يعرف سوى مصلحة نفسه وابنه المفضل ...تريث قليلا ليضحك بمرارة ثم همس :
(الابن المفضل زوجه ليتتخلص من الثأر يا له من تفضيل )
اغمض عيونه بتعب ورفع رأسه للسماء ينفث تلك الأفكار في الوقت الحالي .....ثم تنهد ببطأ ونفسه يضيق كل دقيقة ....لكن بعد لحظات شعر اياد بأنامل ناعمة تخطو على جبينه تدلكها بدلال وهي تنزل لكتفيه ...صدره .....لتعود وتستقر على جبينه ثانية فتح عينيه على تلك اليدين السمراوتين الجميلتين تعمل بتفنن وخاتمه البسيط يملأ أصابعها الرشيقة  ....كم يبغضه ذلك الخاتم الرقيق كان يتمنى لها واحد من الشكل وحده في العالم ومن الوزن ما وزن ...لكنها عارضته و فضلت شيء بسيطا يذكرها ببساطتها كلما نظرت إليه....رفع عيونه يراقب ابتسامتها المشعة وعيونها الحانية...بها شيء يشبه أمه...لا يستطيع تحديده .....حنانها ...عطفها ....او حبها ربما  .....أمسك تلك اليد الفنانة يجذبها نحوه فسقطت ميادة عليه ببطأ ...تضحك على حركته المعتادة  .....استندت على صدره مغمضة عيونها تستشعر ذلك النبض الجياش ثم قالت بهدوء:
(مالذي يشغل بالك؟)
كان سؤالها بسيط  من ثلاث كلمات لكن  جوابه معقد وطويل ....كيف يجيبها عن عائلته وأحوالها ....كيف يستطيع شرح مدى  سوء الاوضاع في البلاد...ستعرفهم أيا كان...لذا  رد عليها بعد حرب نفسية  قائلا :
(لا شيء أبدا كنت شاردا فقط )
التفتت ميادة تراقب عيونه الجميلة ثم ابتسمت لتومئ بصمت وقد أعادت الإستناد على صدره ....وهذه المرة تطوع هو بالمعانقة التي تستشعر فيها الأمان من هذا العالم الموحش الذي دمرها يوما ......
.....دخلت حسيبة بخطوات بطيئة وقد تلاشت ملامح السعادة في ذلك المنظر.....فتريثت للحظات تحدق فيهما بحسرة ....لما هو غير منصف معهن ....لم تذق يوما طعم الحب معه....جاف بارد الطباع كأنها في مقام  أخته وليس زوجته ....بالطبع فهي المفروضة و مرجانة المحبوبة و ميادة المختارة .....تحجرت عيناها بدموع حبيسة ترفض النزول لذا هزت رأسها بعنف وتقدمت بثقة .....
.....رفع إياد رأسه للخيال الأسود الذي حجب عنه الضوء ....فراى زوجته تحدق فيه بلوم ...على ما تلومه تحديدا ....تنحنح  بخجل يبعد يديه عن ميادة التي أجفلت إثر  حركته لتقابلها نظرات حسيبة المفترسة ....احمرت وجنتاها بتورد لطيف لتخفض رأسها خجلا حتل لو كان يعد عاديا بين الزوجين ..... ثم سمعاها تقول :
(أردت سؤالك حول الخبر الجديد الذي أطلعتني عنه مرجانة توا )
فتحت ميادة عينيها بريبة أي خبر تتكلم عنه ثم التفتت الى إياد تنتظر إجابته ليفتح فمه قائلا بثبات :
(صحيح سنعود للبلاد بعد يومين )
شهقت ميادة فجأة تنظر لهما بصدمة لتستقيم ببطأ تفكر ....هل حانت تلك اللحظة التي انتظرتها منذ سنين ...نعم لقد حانت ....وجاء الوقت لاسترداد الحق .......................................................................
(لا أعرف فعلا ....لكن كل شيء تغير ...وأنا خائفة )
كانت تنظر للسقف بقنوط ...ذلك السقف هو الشيء الوحيد  الذي لم يستطيعوا تغييره بهذا المنزل .....كانت تنتظر إجابتها وهي تفكر في نفسها  ماهي الخطوة التالية لتسمعها تقول :
(لا تشغلي بالك كثيرا في الأخير كل منا راشد تستطيعين تزويج أخاك دون معرفة أحد أنت عائلته قبل كل شيء )
ابتسمت عنبر بعجز على كلامها الودود ثم ردت بخفوت :
(نعم بكل سهولة لكن ليس في عائلة مؤمن....الكل يعرفنا اين ما سأزوجه سيسمع جدي وأبناء عمي و سينتزع الصلح بين العائلتين....ستحدث كارثة )
تنهدت إبتهال بقنوط وهي مستلقية تراقب الشمس التي تبثها بأشعتها الدافئة .....إنهما يتهاتفان منذ أكثر من أسبوع حول هذه المعضلة يتناقشان لساعات عديدة ولا يوجد حل ....لذا ردت بحسرة:
(لا أعلم فعلا لكن نستطيع الذهاب في نزهة ربما ساعدتك في التفكير ...)
زفرت عنبر نفسها حادا بملل ثم همست قائلة:
(لا أستطيع تركها بمغردها ...إنها تبدو مختلة عقليا كما أنني تركت أختها معها ...لا اعلم مالذي سيجري ان تركت لهما البيت ....لكن تستطيعين المجيء ...انا اشعر بالملل فعلا ...تعالي هيا)
اغمضت إبتهال عينيها تفكر على مهل ثم قالت بهدوء:
(دقيقة سأعيد مهاتفتك )
أجفلت عنبر باستغراب على إجابتها  ثم ردت مع نبرة تعتليها الحسرة :
(حسنا )
نهضت عنبر بإعياء...إنها ليست على يرام تحتاج لطبيب ....في أسرع وقت آلام صدرها تزداد بشدة حتى انها لا تستطيع السيطرة على تنفسها مرات عديدة...إبتسمت ببرودة هامسة بوجع :
(أفكر في الطبيب وزوجي طبيب )
حسنا تقر أن الأيام بدونه كالجحيم لكنها تحس بنوع من الحرية والتألق ....فمكالماته التي لا تنتهي تجعلها تذوب كقطعة حلوة في ذلك الصوت الخشن الذي اشتاقت له بشدة .....تنهدت بحرقة تغمض عينيها تبعده عن تفكيرها ....ثم سارعت في خطواتها للشرقة ربما يساعدها نسيم الريف في النسيان.....دخلت المطبخ بوجه كئيب فوجدت نجلاء تطبخ شيئا وهي شاردة في عالم آخر ....اقتربت منها عنبر لتهتف فيها بغضب :
(ألم أحذركما من الإقتراب بممتلكاتي ...ابتعدي عن مطبخي ...)
شهقت نجلاء برعب تراقبها بخوف....نعم لقد منعتهما عن كل شيء .....حتى الكلام ....فهي لا تريد سماع أصوات الخادعين ....السيدة عنبر لطيفة جدا ....وودودة قابلتها مرات عديدة داخل  بيت عابد كانت تأتي مع أخوها في زمان مضى حيث أنها كانت مجرد مراهقة جميلة ذو عيون سوداء لا تشبه أحد من عائلة مؤمن....رقيقة القلب ...مهذبة تراقب بصمت كابن عمها تماما....ذلك الابن العم الذي لم تسمع عنه شيء منذ طردخ لها ....
(لما أنت شاردة دائما ....)
استيقظت نجلاء من تفكيرها فجأة لترد بخفوت :
(كلنا نمر بمشاكل سيدة عنبر....لكن لم تعط لأحدنا الفرصة لنحكيها لكي )
ضربت عنبر الطاولة في لحظة غضب حعى ان الكأس كان على وشك السقوط لتهتف فيها بشرارة :
(أي حكاية ستدليها على مسامعي .....حكاية كلبتا مال خدعا أخي ....ليحضرهما لمنزل أبي .....ويستمرا في الخداع ....حتى أن أحدهما كانت غايتها الحمل من أخي وقد نجحت ...والأخرى  كانت غايتها ابن عمي لكنها لم تنجح للأسف لأنه لم يكن أبله مثل أخي )
ساد صمت طويل أرجاء المطبخ بعد كلامها الذي فجر الأجواء ....ظلت نجلاء تراقبها بألم وهي مقرة في نفسها أن كلامها كله صحيح ثم فتحت شفتيها ترد بصوت يرتجف :
(كان عمري تسع سنين فقط ...وكان عمرها أربعة عشر ....لم نكن نعرف الكتابة أو القراءة أو معنى الحياة حتى ....أسئلتي نفسك كيف تعرفا ...سأخبرك ....أخوك ساعد لؤلؤة مرة ... تعرفين كيف ....كانت تبيع المناديل أمام إشارات المرور ومرة نعتها أباك بالقذرة .....لم تنطق بكلمة ....تراجعت منكسرة الخاطر لكن شخص ناداها خلفا لتلتفت ببطأ ....كان يبتسم لها وأعطاها كلفة جميع ماكانت تحمل....لقد رفضت لكنه أصر ....ساعدنا ذلك المال كثيرا استطعنا الهرب من الميتم الذي استغلنا دوما وكن به عرضة التحرش والاغتصاب....استطعنا النوم بأمان والعمل دون أن يسلبك أحد نقودك ....كل يوم من الساعة الخامسة حتى المغرب لا تكون لؤلؤة موجودة بالبيت أو بالعمل .....هل تعلمين لماذا ....لأنها كانت تنتظر ذلك الشخص والذي يكون أخوك لترد له ماله ....لمدة سبعة أشهر تنتظر كل يوم لترجع له المال الذي غير من حياتنا .....)
صمتت تتنفس بتحشرج ثم أكملت بصوت أعلى :
(لذا إذا كنت تظنين ان المال هو ماجلبنا الى هنا فأنت مخطئة أخوك وحده هو من أراد جلبنا )
فتحت عنبر عيناها  باتساع وهي تسمع الكلمات الأخيرة  للقصة المأساوية التي تلتها عليها توا ....
إذا هما يتيمتان ....وكان متسولتان ....حتى لحظة  نعت أباها إياها بالقذرة...
لكن أباها لا يعرف تلك الألقاب أو الكلمات السيئة  انه طيب القلب ودود نع الحميع لربما ساعدها لو رآها ....حتى أعمامها لا يسبون غير متكبرون ....إلا عم واحد .....ثم همست ببطأ  :
(عمي فارس)
من كان يظن ان سبب كل ما يحصل لحد الآن هو كلمة واحدة من أب زوجها القاسي الفذ.... الذي لم تستطع إطاقته يوما ....حتى تعاملاته مع خالد تغيضها وتجعلها غاضبة باستمرار ...وكأنه يتعامل مع أحد من الخدم وليس إبنه ...حتى زوجته لم تسلم منه .....عادت بأفكارها إلى الضوضاء التي أصدرتها  نجلاء وهي تخرج من المطبخ توا ..... لتجلس ببطأ تقكر في نفسها وهي تهمس :
(هل ظلمتهما ؟ )
.............دخلت نجلاء تلك الغرفة الكئيبة لم تظن يوما أن لؤلؤة ستصل لهذه الدرجة من الإنهيار والحزن ...تكاد لا تنام الليل ولا نهار ....تحدق في النافذة وفي يدها هاتفها ....تنصل به لكن لا رد .....اقتربت منها نجلاء تجلسس بجانبها ثم همست بخفوت :
(أمن أخبار؟)
كانت صامتة تنظر بشرود حتى ظنت انها لم تسمعها من الأساس لكن حركتها المفاجئة وهي  تلتفت  جعلها تجفل محدقة فيها وقد بدأت الكلام بنبرة يعتليها الحزن :
(لا ...لا يوجد أخبار ....لا أعرف أين هو ...ولا أستطيع حتى السؤال عنه....ليس من عاداته ان يتركني مشغولة البال هكذا ....أنا خائفة عليه )
تنهدت نجلاء بثقل لتربت على كتفعا قائلة بثبات:
(لكنك مع أخته الآن ربما يطمأن عليك من عندها .....اذا إستمريت في هذه الروح المعنوية البائسة سيتأثر الطفل....وربما يتوجع هو الآخر على قدر ما تتوجعين )
تبلدت ملامح لؤلؤة في لحظة لتهتف فيها بصوت جامد يحمل بعض القسوة :
(هل ترينني في حالة تسمح بمناقشة حال الطفل ....كل ما يهمني هو أيوب حاليا ....الطفل ليس سوى سبب ليبقى معي )
أسدلت نجلاء يدها بثقل وهي مصدومة من كلامها ....إنها تعترف فعلا أنها ضحت بشرفها في سبيل رجل ....ولا يهمها طفلها حتى ...أغمضت عيونها بوجع ....كيف تغيرت صديقتها ولما يعمها الحقد ....جزء منها كئيب ...أسود كالقطران ...لا تعلم مالذي جعلها هكذا ربما حادثة عائلتها .. ثم همست ببطأ :
(مالذي جعلك تهربين من بيت عائلتك )
التفتت لؤلؤة بخوف مستفربة من سؤالها في ظرف كهذا لترد بتلعثم :
(لما هذا السؤال الآن ثم ..هل أنا في حالة تسمح لي بالإجابة على الأسئلة بالله عليك نجلاء اغربي عن وجهي ...)

صدفة قاسية 🔞 حيث تعيش القصص. اكتشف الآن