قد تكون مهمشاً عند الجميع لكنك جليلٌ في قلبي
-الحزين-على ذلك السرير البسيط قد تمدد يحاول التنعم بالراحة بعد تلك الليلة العصيبة، لكنه لم يجد للنوم سبيلا، كيف تغفو عينيه وهو لا يعلم بعد مصير شقيقته، كيف يرتاح عقله وتلك الحادثة ما تزال تتكرر في رأسه، تارة تطل صورة شقيقته وأخرى لجين وفي كل مرة يزداد جلدًا لعقله حين يبث صورتها، كلاهما سيصيباه بالجنون فوق الجنون الذي يتلبسه، ثمة نار جديدة انصهرت في صدره وتزيده احتراقاً وتعب
بات ذكرها يقلب كيانه ويضخ الضيق في أوردته (لا تنظر إلي) وقْعها عليه أمرُّ مما لاقاه من تعذيب على يد زين أقسى من وحشية يحيى حين مارسها عليه، أشد من كابوس شادي الذي دمر حياته الهادئة.
(لا تنظر إلي) بشفاهها المرتجفة ونبرتها المنكسرة واهتزازها الباكي غدت كسياط الموت يجلده بلا توقف، الواقع الذي جمعه بها قهريًا لم يستطع تجاوزه خصوصًا أنه يربط ما حدث بشقيقته، الوقت يمر والدقائق تدق في رأسه وتزيد من بؤسه، الانتظار لم يكن هينًا الحلول المبتورة تعيقه، سيجن لا محالاة والأسوأ من هذا كله ما أُجبر عليه بعدها حين نطقت بصوتها المتحشرج
(في ربطة شعري مُدية صغيرة حاول أن تحصل عليها لنهرب من هنا)
لم يستسغ ذلك وكم كره نفاذ الحلول ليرغم نفسه على انتشالها بتلك الطريقة، فما من أمل لديه للخروج سواها بعدما تيقن أن زين كان عازمًا على التخلص منه بأية وسيلة، ذاك الدافع العجيب يصاحبه ضغط لا نجاة منه حيث يستنكر ميتة كهذه دفعته لفعل أي شيء، أي فكرة وإن كانت مجنونة ينبغي الاتيان بها في سبيل النجاة، فكرة أن يموت وتبقى شقيقته أسيرة لديهم كانت تثير جنونه وتصهر قلبه بقسوة وتزيده عزيمة وإصرار من أجل استعادتها، أمنيات خرجت مع لهيبٍ يكاد يحرق كل من حوله، ليته يكون كابوسًا وينتهي بعد فتح عينيه ليجد نفسه داخل سريره وفي حجرته بينما صوتها الممتعض يوقظه ونبرتها الحادة تحثه ليدرك والده الذي سبقه لأداء فريضة الفجر، وبقيت تلك الأمنية مستوطنة حنجرته لتتلاحم مع باقي الغصات التي تقطعه بلا رحمة.
منذ ذلك اليوم وطعم الراحة التي يتوق إليها قد هجرته إلى أجل غير مسمى ذلك النوم الذي يحاول الهروب إليه يفر منه بشراسة وإن استطاع إمساكه داهمته الكوابيس لكأنه يحرضهم كي يهرب منه من جديد، زاد على ضيقه فقدانه لذاك الاتصال الروحي الذي كان مصدر راحته وأمانه، هكذا أصبح يرتل الآيات كمن يسبح على سطحها فقط، كما لو أنه بنى حاجزًا منيعًا صدت اختراقها لقلبه فترى شفاهه تنطق تلك الأحرف المقدسة في حين يعجز عن ضبط عقله وإسكانه ليسبح بواد آخر وكم كان ذلك مؤلمًا للحد الذي يضرم في صدره القنوط، ويكرر الاستعاذة منه على الدوام.
أنت تقرأ
الأشين
Mystery / Thrillerأردت أن أصلح الأمور فكانت تصرفاتي بنظرهم ملتوية لا تقبل التبرير، أيكره المرء عائلته؟! أيحقد على أمه وإخوته؟! في كل مرة أمنحهم فرصة يرفسوها بقسوة لترتد علي بالذنب الكبير، لماذا يعتصر فؤادي الألم وأنا أكرهها، لماذا رحيلها يؤلمني وأنا الذي كان يتوق لسا...