(16) وصب وكرب

238 32 127
                                    

تأتي على الإنسان لحظات بطول دهر؛ ثمنها تهاونٌ غير مقصود، وحرصٌ مفقود، وفعلٌ مغبون

رنين الهاتف المستمر تجاهله رغم استيائه من صوته العالي، كل اهتمامه انصب على الطريق والسيارات أمامه في اضطراب شديد بسبب قيادته المتهورة، عازم على اللحاق به، يداه تطحنان المقود وأصوات الأبواق تعلو من حوله، تارة تفر من شفتاه شتمات غاضبة وأخرى دعوات بالسلامة والحفظ لشقيقته، قهر أعمى بصيرته وشتت عقله، حتى دقات قلبه ما عادت تطاق، تمنى لو يخرجه ويرميه بعيدًا عنه.

بالكاد استطاع ملاحقة السيارة وبات قريبًا منها ليفاجؤه بهروبه السريع، لكأنه يوضح له أنه مجرد عابث لا أكثر، اختفت كما لو أن الأرض انشقت وابتلعتها.

خاطفها درس كل ثغرة محتملة، ها هي كشرة أسنانه أبت الاختباء وبقربه ذاك الجسد الضعيف الذي يرتجف بقوة فالحبال آلمت يداها وتلك الللصاقة القذرة زادت من اختناقها، وقلبها مطعون مستغيث يلهج بالدعاء والدموع شكلت فيضانًا غزا خديها الحمراوين بلا توقف

قلق شديد حل ثقيلاً على العائلة، لم يتبق سوى نصف ساعة على موعد إقلاع الطائرة، كان كمال يجوب بين مقاعد الانتظار في المطار جيئة وذهابًا، وزوجته باكية ولسانها يدعو لهما، فما الذي أخرهما حتى الآن؟!

ليلى همدت على أحد المقاعد بخوف شديد ذاك الخوف القديم تجدد ولا تدري لمَ كان حاضرًا الآن على الخصوص، شعرت بضيق شديد خنق أنفاسها، وحرارة تلبست جسدها لتطوف عيناها حول المكان تغالب شكًا راودها، شعرت بأحدهم يراقبها، من أين؟ ومن يكون؟ لم تعثر على إجابة أو تلتمس راحة وطريقًا للخروج من بؤرة إحساسها المشؤوم، أهو قلق على شقيقاها الغائبان أم من ذاك المجهول وقد كان قلبها يصر على الخيار الثاني وعقلها ينكره بخوف.

أنزل الهاتف عن أذنه بيأس، إنها المكالمة العاشرة ولم يلق ردًا حتى الآن مما جعل التوجس يتعاظم في صدره ويسأل الله اللطف في غيبتهما، تذكر رامي فأسرع للتواصل معه وطلب منه البحث عن الاثنان، وذاك لبى الطلب على الفور بوجل لاذع، فما الذي يقصيه عن الرد إلا إن كان خطبًا ألم به، كان يقود بسرعة وقلبه ينبؤه بشرٍ قد حدث، ذاك الإحساس المتشائم لطالما صدق وهو يتمنى أن يكذبه هذه المرة، وضع الهاتف على أذنه قائلاً على عجل دون سلام

-سامي أيمكنك ارسال موقع ساري من خلال هاتفه

أجابه على الفور دون سؤاله فنبرته كان توضح أن أمراً جلل حدث

-أمهلني دقيقة وأرسل الموقع

رد شاكراً ثم أغلق الهاتف وعيناه تارة عليه وأخرى على الطريق، شبه ابتسامة أخفت قليل قلقه حين وصلته رسالة من سامي ثم أدار المقود يميناً واتجه مسرعاً إليه، إذ أنه لم يكن بعيداً عنه، ما إن ألفت عيناه تلك السيارة التي أصدرت صوتاً شديداً إثر احتكاك العجلات التي توقفت فجأة على الأرض بعنف حتى أدرك أن مايحدث ليس علامة خيرٍ البتة، ليتمتم بقلق

الأشينحيث تعيش القصص. اكتشف الآن