(6) أمنيات مصفدة

317 44 116
                                    

  قد تتقلص مضائق الفرج كلما وهن السخط

كان الهدوء متربعاً في كوخها الصغيرة، يكسره صفير رياحٍ خفيف، جالسة ملتحفة بغطاءٍ ثخين، وأناملها تدوّن ملخّصات دروسها بقلبٍ ينبض بهدوء رزين، ابتسامةٌ عذبة جمّلت وجهها لفراغها من الكتاب الطبيّ الذي أحضره أمجد سابقاً لها، لم تكن تعاني هذا اليوم من أي شوائب نتيجة غوصها في التفكير كالعادة، تقربها من أليسار بدأ يأخذها لمنحنى جديد عدا أنها باتت تشغل نفسها بالدراسة أكثر من ذي قبل

لم يمضي على سعادتها الكثير حتى هبّت واقفة حال تذكرها رجاء صديقتها للمساعدة، فتحت حقيبتها باحثة عن ضالتها بارتباك خشية أن يصدق حدسها الذي يخبرها أنها فقدت الدفتر أثناء العودة على عجل

توقفت يداها عن البحث موقنة بصدق حدسها، فليس له أثر، حثّت خطاها نحو النافذة لتجد الظلمة قد بدأت تحط رحالها على المكان ببطئ، أسرعت في ارتداء حجابها الساتر ثم حملت مصباح تحسباً من الظلمة الحالكة إن تأخرت، حملت حقيبتها الصغيرة ثم هرولت باحثة من الطريق المعتم عنه.

الهواءُ قارسٌ وسمفونية حفيف الأشجار المرعبة لم تهابها الآن، فالسماء امتقعت بلونها الزهري، كانت عيناها تبحث باهتمام كحال عقلها الذي حوصر في رغبتها خشية فقده، لم تجد صعوبة في البحث فقد وجدته على الأرض أول الغابة، امتدت اناملها تنفض عنه الغبار ثم أسرعت في العودة  مع استيقاظ مخاوف أفكارها من جديد، فطبول قلبها غدت انذارًا يخنقها

مع قطعها لمنتصف الطريق ترامى صوت سقوط قوي على سمعها يميناً أجبرها على التيبس والغرق في دوامة التوجس، نظرت حولها المكان بات أكثر وحشة والصراع غدا على أشده في الذهاب لاستطلاع مصدر الصوت أو العودة، كانت تختنق بترددها فبقيت لبرهة في مكانها دون حراك

«ما مصدر ذاك الصوت ومن تراه يكون؟!»

الرياح تشتد والغابة تصدر ويلاتها لاستقبال عاصفة جديدة لن تجد حيواناً بالخارج كلٌ في جحره اختبأ، تحسّباً من مطرٍ سيغزوها بالقريب، امتزجت الأصوات بأنينٍ خافت أجزم لها ماهية صاحب الصوت

«مؤكد أحد الناس قد ضل طريقه، أخشى أن يكون طفلًا»

لورود هذه الفكرة على رأسها هبت من تسمرها وذهبت لتستطلع الأمر

عدة خطوات قطعت بهم الجانب الغربي للغابة، ثم تخشبت قدماها وهي تحدق بالشاب الجريح الذي يفترش الأرض، إنها المرة الأولى التي ترى رجلًا في هذه الغابة غير أمجد، مكثت بها سنةٌ كاملة لم يكن لزوارها سواه، أفاقت من صدمتها على تأوهه، أسرعت إليه كما هي عادتها عندما تجد من يحتاج إليها وفي ذات الظروف الحرجة بنية فعل ذلك لوجه الله راجية منه أن يأجرها على عملها لتقول مطمئنة

الأشينحيث تعيش القصص. اكتشف الآن