(12) لبٌ عليل

229 28 205
                                    

أتنعي فقدًا أبكاك وأنت باعثه، وقلبك أشين يوهمك الصلاح وأنت فاسده

اتخذتُ من حائط النافذة متكأً لي، وتلك الصورة التي انبثقت من العدم تزلزلني، أرجفت قلبي لكأنه ينوي الفرار من جسدي الواهن، أتراني أعذبه حتى يُحدث كل هذا الضجيج؟!

من يعذب من؟ لم أعد أفهم، ذاك الهدوء الذي عشته داخل الغابة أتراه كان الذي يحدث قبل العاصفة؟!

لا أدري كم مضى من الوقت، إلا أنه كفيل بإعادة اتزاني وتلاشي تلك الصورة المرعبة، الآن أشعر بأنفاسي تعود للهدوء، مع انحلالٍ في جسدي، أغمضت عيني أستعيد رباطة جأشي، ثم نهضت ونظرت عبر النافذة، رأيت عددًا لابأس به من الناس متجمهرون حول السيارة المتضررة، صاحبها قد أصيبت ساقه ورقبته، الزيت الأسود قد دُهن بالشارع راسمًا كيفية الاصطدام الذي حدث، عجلة السيارة غير موجودة، مما يعني أن الاطار قد انفجر فأدى إلى هذا الحادث، ثم رأيت سيارة الإسعاف تقترب منهم

تخليت عن مراقبتهم وسرت خارجة من الحجرة باحثة عن ريم، إذ لا أثر لها في الجوار، توقعت هرعها إلي بعدما حدث لكنها لم تفعل، سرت في أنحاء المنزل، بحثت عنها داخل حجرة تلو أخرى.

لم أجدها، تسرب القلق لصدري، أين اختفت؟
بدأت أنده لها بخفوت، ثم تصاعد صوتي مع خوفي الذي بات يكبر، ولم يرد علي غير جدران المنزل.

نظرت للسلالم وفكرت في الصعود، الدور الثاني يتألف من ملحق صغير وسطح مكشوف على طول البناء، جررت خطواتي للأعلى وعيناي تجوب المكان بحذر، لا أذكر متى آخر مرة زرت الملحق، لكن ما أتذكره هو أن عمي حظر علينا قبل وفاته الصعود إليه

تصاعدت دقات قلبي من جديد، حين وصل لسمعي نحيب خفيض، مشيت بخفوت وأنا ألج للحجرة، لأفاجأ بريم جالسة على السرير المنفرد قرب النافذة وبيدها عدة صور والشيء الذي خنقني هو رقرقة دمعها المتدفق، ما إن شعرت بدنوي حتى أخفت الصور خلف ظهرها، وحاولت تبديد سحابة الحزن الماطرة من ملامحها، لترسم ابتسامة شاحبة،  أردت سؤالها لكنها منعتني من الحديث وهي تقترب مني  سائلة بقلق

-أأنت بخير يا عزيزتي؟

اقتضبت الإجابة بنعم، كان علي سؤالها عن ذلك لتسبقني، لكأنها تطالبني بعدم فعل ذلك، وتتظاهر بأنها على ما يرام لست غبية كي لا ألحظ احمرار وجهها وتورم عينيها وأنفها من البكاء لكنني تجاهلت، وبقيت أراقبها وهي تحدثني بهدوء بأحاديث جانبية عن ذكريات ماضية أججت حنينها فارةً من مواجهتي، بقيت أنظر إلى يديها المرتجفتين وهما يدسان الصور داخل الحقيبة السوداء التي تحملها

-هيا لننزل إلى الأسفل

نبست على عجل وتجاوزتني لكنني لم أستطع الحراك، كنت أتفحص الحجرة باهتمام، شيء ما جذبني إليها، إنها مألوفة بطريقة ما، أكاد أسمع صدى ضحكات صاخبة، هذا المكان أيقظ في نفسي الحنين، لكن لمن؟! لم أعرف

الأشينحيث تعيش القصص. اكتشف الآن