(17) زعزعة

212 29 103
                                    

لا تعتمد على النظر لرؤية الحقائق، وثق ببصيرتك، فهي مرآة الحق.

رنين الجرس أجبر الجميع على الخروج متململين بعد امتحان الرياضيات، دست ألِس رأسها بين أوراقها تتنهد بضجر، اقتربت منها ووضعت يدي على رأسها هامسة

«بسم الله أرقيك من كل شر يؤذيك من شر كل عين حاسد تؤذيك، بسم الله أرقيك.»
-ما تزال الحمى تلازمك، كان عليك البقاء في المنزل

أمالت راسها لتستريح على صدغها الأيمن وهي تجيب

-لا يمكنني التخلف عن هذا الامتحان بالذات، لأنني فوتت مذاكراته وخسرت الكثير من الدرجات

-لكن يا عزيزتي صحتك أهم

-سامح الله ابنة خالتي، كلما قدمت لزيارتنا تلازمني الحمى صباح اليوم التالي، عينها الحارقة ما تزال تتركها على حريتها دون أن تحصنها لتقينا شرها، ما فتئت تنبهر بكل شيء أملكه ويغلبها العجاب مما أفعله سيقتلها الحسد عاجلًا أو آجلًا إن بقيت تحيا على هذه المقارنات برضًا معدوم

-هداها الله، عين المحب تصيب أيضًازما لم يحصنها بذكر الله، فكيف بالحسود؟

نطقت بصوت متعب

-أبعدهم الله عنا

كم آلمني حالها، لكأنني المحمومة، تحاول محاربة مصابها بصبر، وتهديني بسمتها العذبة المعتادة، وهي تقول

-كيف أنت الآن؟ في الأمس لم يكن وجهك يبشرني بالخير

على الرغم من تعبها تبقى تعتني بي، هذا الاهتمام كان أشبه بواحة باردة وأنا التائهة في صحراء قاحلة؛ ظمأى.

أبذل جهدي للعناية بها فتغلبني وتجعلني غارقة بألطافها، أهذا ما يفعله الصديق؟ إنها والله نعمة مغبونة، ورزق عظيم، في كل يوم أشعر باحتياجي إليها، بت كلما عدت أفتقدها، لمشاكساتها، ومقالبها التي لا تنتهي مع زميلات صفنا في سبيل إخراجي من دائرتي المظلمة، وفي كل مرة تفلح في انتشال ضحكات تفر مني رغمًا عني، تالله ما ظفرت برزق خيرٍ منك، أدامك الله لي صديقًا لا يضل طريقي وأفتتن به.

انتشلتني من شرودي على تكرار سؤالها  لأجيبها بهدوء أنني بخير وأحرص على أن أذكرها بنفسها لتهتم بصحتها فتضحك ممازحة

-ستزول الحمى قريبًا فعين ابنة خالتي لن تقتلني، الأمر كما لو أنه غدا اعتيادي

أضحك معها وأخفف عنها، هي كالبلسم في كل حالاتها، لوهلة أنسى نفسي والتفكير بماضيي المجهول وأنا برفقتها، تمامًا كحلم جميل يخرجني من قوقعة الواقع المرير.

الأشينحيث تعيش القصص. اكتشف الآن