يسوق الله لك في وسط البلايا تباشير فرج تقودك إليه؛ أحدها على هيئة إنسان رحيم
في ذاك المكان الصغير، قابعة وحيدة على السرير بصمت، عبراتها لم تجف مذ ولجت إليه، الهدوء متربع في كل زواياها، تعاقب الليل والنهار فقط ما كانت تراقبه، وقلبها الملتاع يناجي ربه بالخلاص، تحاول بث الطمأنينة لروحها الخائفة، وتحث نفسها على التصبر وهي تستذكر مغانمه الكثيرة، لم يكن باستطاعتها رؤية شيء أو معرفة ما يجري في الخارج، فقد توقف الزمن عندها لحظة وجودها في هذا المكان، مسلوبة الإرادة، في الأيام الثلاثة الأولى كانت أكثر تجلدًا على ريب الزمان، لكنها باتت تضعف وتنهار مع ختام اليوم التاسع، فظلت تذكر نفسها دومًا وتحثها على التحمل، وتسليها بتلاوة ما تحفظه من القرآن، وتلح بالدعاء برجاء أن يحضر شقيقها لنجدتها.
صوت أقدامٍ تطأ الأرض جعلها تنتصب هلعًا، وتدنو من الباب منصتة، فالوقت متأخر إذ ليس من عادة الحراس أن يأتوا إليها في هذا الوقت، وقد تعاظم توجسها حين سمعت خشخشة مفتاح الباب المصمت لتتراجع بذعرٍ خطف لون وجهها، فكان لوقعهم صدى يزعزع ثباتها، فُتحت الأقفال ليظهر أمامها رجلان ضخما البنية، في وجه أحدهما ندبة كبيرة بينما الآخر يتأملها بابتسامة ماكرة، جف حلقها وبدأت أوصالها ترتجف فالهلع ألجم لسانها
أمسكها من غطاء رأسها بعنف- بينما انكمشت يداها عليه تحاول عدم تفلته- قائلًا بحدة
-تحركي الرئيس بانتظارك
شدها بقوة أحست أنها ستفقد السيطرة على نفسها وينكشف سترها إن قاومتهم؛ فحاولت الإذعان لهم كي يبعد يده القاسية عبثًا، كانت تتضرع بقلب حزين فليس لها من كاشفة سوى الالتجاء إلى ربها ليخلصها منهم.
خرجت من المكان المظلم لتسير برفقتهم، صعدوا السلالم لتغادر قبو القصر المظلم وترى المكان يضج بالناس والخدم، بيد أن زيارة خاصة كان أصحاب القصر قد أقاموها، ها هي ترى مخلفاتهم على الطاولات المستديرة المنتشرة بشكل منتظم في ساحة الاستقبال الكبيرة التي سارت بالقرب منها، وما تبقى من الزوار يستعد للرحيل، تخلى ضخم الجثة عن قبضته العنيفة وجعلها تسير أمامه محذرًا إياها من أي تصرف ملتوي، لم يكن بوسعها فعل شيء غير الطاعة فهذا أهون من أن تعود يده لتقيدها، عيناها تتطاير في كل مكان، أدركت أن الهرب أمر مستحيل فالحرس كثر
صعدت درجًا رخامي ملتوي لتصبح في الدور الأول وسارت برواق ضخم دعاماته المزخرفة كانت تلفت الأنظار، أدخلوها إلى حجرة نوم فاخرة، الستائر البيضاء المخططة بخيوط ذهبية تتناسق مع الجدران الرخامية المزركشة، وتدل على ذوق متفانٍ في تصميمها ناهيك عن الأثاث الأبيض والذهبي الفاخر وتلك المجسمات المصنوعة من الذهب تزين الغرفة بشتى أشكالها، وأضواءٌ مختبئة على حواف السقف بأكمله، وقد ثبت وسطها ثريا بلورية ضخمة مشبعة بزخارف ذهبية مبهرة من كريستال حقيقي.
أنت تقرأ
الأشين
Mystery / Thrillerأردت أن أصلح الأمور فكانت تصرفاتي بنظرهم ملتوية لا تقبل التبرير، أيكره المرء عائلته؟! أيحقد على أمه وإخوته؟! في كل مرة أمنحهم فرصة يرفسوها بقسوة لترتد علي بالذنب الكبير، لماذا يعتصر فؤادي الألم وأنا أكرهها، لماذا رحيلها يؤلمني وأنا الذي كان يتوق لسا...