وكم من الوعود نطقها القلب وحلمتَ باستيفائها؛ فكان القدر يحول بين ذلك.
حملت نسائم الرياح الباردة قدميه بخفة نحو الضفة، تلك التي أصبحت مركز التقائهم السري لبعدها عن صخب المدينة وأعين شادي، ما يزال الجو يحتفظ بصقيع الشتاء آبيًا فرقته، كانت الشمس تعطي ضوءها الساطع فقط، فدفؤها مفقودًا لم تسطع بثه لأحد.
نزل عن التلة الصغيرة وحل لثام لفحته الصوفية السوادء ثم جثى مقرفصًا يراقب هدير المياه المتدفق بغزارة، التربة رطبة إثر ليلة الأمس الماطرة، ومنسوب النهر مرتفع. بقي على صمته يقارن تخبطات المياه لكأنها أورثته ذلك وغدا يصارعها في جوفه على الدوام.
ندم واشتياق بعث في نفسه الألم، المفارقات باتت كبيرة وما يفتأ في المقارنة كل دقيقة، المحنة التي وقع بها أقصته عن كثير من عادات حولها لعبادة، ها هو الآن يهجرها وترحل دون وداع، التفكير الكثير سلب منه الذكر الدائم وقلص ورده اليومي ليقتصر على مراجعة محفوظاته ليس إلا.
فرت آهة ثقيلة من شفتيه وهو يستذكر الدروس التي كان مواظبًا عليها، كم يفتقد تلك الأيام وذاك الاندفاع الذي يقوده إليهم كان آخر درس حضره في ذاك المجلس يتحدث عن تفسير سورة الحجرات من يومها عقد العزم على جعلها شعارًا له يطبق آياتها في حياته اليومية، كان جهادًا من نوع خاص، فمع كل عثرة يقوِّمها يستلذ ويصبر، لكنه الآن فاقد لهذا متشعب بظلمة لم يجد له في داخلها أية ألفة أو راحة.
بعد ربع ساعة انفض عنه الشرود وخرج من مستنقع اللوم على صوت تكسر الحشائش بأقدام أحدهم، التفت بحذر ليبصر صديقه وابتسامته الواسعة كحال يديه التي تحاول تهدئة روعه، صافحه بحبور
-أراك قدمت مبكرًا على غير العادة؟!
-انتهت مراقبتي لشادي ولم أجد ما يريب في تحركاته
-سيفقد الأمل في العثور عليك قريبًا
-أشك في هذا
-لنأمل ذلك
جثى بقربه وعيناه تتوزع على الصفحة البيضاء انكمش صدره وأفكار مبهمة شوشت عقله قد أجادت الخطوط السوداء في تضليل إدراكه. أشار بسبابته متسائلًا
-ما هذا؟
-إنه وشم
باستنكار نطق باحثًا عن مدى جدية ما نطقه صاحبه إذ بدأ بجمع الأوراق مفسرًا
-رأيته مرتان على إبهام شادي ورجل لم أعرفه قد قابله أثناء عملي معه
حل سرطان الصمت القاتل بينهما، والتساؤلات حوله كانت تكبر أكثر فأكثر، التوجس مما هو آت كان يخنق رامي على الخصوص
-أتراه يرمز لشيء أكبر مما يتصوره عقلنا؟
-لا أعتقد أنه مجرد تاجر وحسب، إن حللنا الوضع الراهن، تجده تاجر أسلحة في الخفاء، اقطاعي يملك العديد من المصانع المتنوعة، مسيطر على السلك الاقتصادي وله وزنه
أنت تقرأ
الأشين
Mystery / Thrillerأردت أن أصلح الأمور فكانت تصرفاتي بنظرهم ملتوية لا تقبل التبرير، أيكره المرء عائلته؟! أيحقد على أمه وإخوته؟! في كل مرة أمنحهم فرصة يرفسوها بقسوة لترتد علي بالذنب الكبير، لماذا يعتصر فؤادي الألم وأنا أكرهها، لماذا رحيلها يؤلمني وأنا الذي كان يتوق لسا...