الفصل التاسع عشر
:- سيأخذك مني ... أبي سيأخذك مني ...
عندما وافقت أمان على الخروج مع فراس ... كانت تتوقع جولة في السيارة في أنحاء المدينة ... زيارة لبعض المعالم السياحية .. ثم ... ثم إجابة عن السؤال الذي أصرت بعناد على عدم طرحه حتى الآن ... إلا أن ما حدث كان مختلفا تماما ... في البداية ... عندما انضمت إليه أمان في سيارته السوداء الفخمة .. تلك التي كان سائق يرتدي حلة رسمية يقودها بصمت .. وإلى جانبه على المقعد الأمامي .. كان يجلس خلدون .. الصامت هو الآخر مصرا على مخاصمتها منذ حوارهما الأخير ... دون أن تؤثر مخاصمته على إصراره على ملازمتها أينما ذهبت ... كان صامتا ... إنما عابسا .. وكأنه ...
أتراه يدرك بأنها لا تحب استضافة فراس الحولي لها ؟؟؟
... عقدت ساعديها أمام صدرها رافضة التعاطي مع فراس تماما طوال الطريق ... وبدلا من أن يرغمها على التحدث إليه كما توقعت .. تركها في حالها وانشغل تماما بعدة مكالمات هاتفية أخرى متعلقة بـ .... لم تعرف حقا بم كانت متعلقة بما أنه لم يكن يتكلم بأي لغة تتقنها ... مما أزعجها إذ أرغمها على أن تلتفت إليه بين الحين والآخر .. لتتامل تفاصيله الغريبة والمألوفة في الآن ذاته ..
كما في كل مرة ... كانت تشعر أمان بالألم يحفر داخل قلبها عميقا كلما نظرت إليه ...
خلال السنوات الخمس الماضية ... ظنت أمان بأنها قد تمكنت من تخطي فراس ... وما فعله بها فراس .. إلا أنها أدركت الآن وقد رأته مجددا بأنها كانت مخطئة ... لطالما كانت أمان منطقية في تفكيرها ... مما جعل إدراكها لأن تاريخها مع فراس .. كان عائقا طوال السنوات السابقة أمام إقامتها أي علاقة طبيعية مع أي شخص كان .. حتى صداقاتها .. كانت سطحية تماما من جانبها .. بخلاف عصام .. لم يعرف أحد عنها أي شيء ... أي شيء على الإطلاق ... وكأنها حرصت لا شعوريا على ألا تقع في الخطأ الذي وقعت فيه مع فراس .. على ألا تعطي أي كان جزءا من نفسها مجددا .. وهي أعطته الكثير .. الكثير من نفسها .. لقد أعطته ثقتها .. أسرارها .. أحلامها .. تبا .. لقد جعلت منه قصرها الوهمي الذي حلمت به طويلا ..
أحست بالذعر ودموع الإذلال التي ظنت أنها لن تذرفها مجددا تحتشد في مقلتيها .. أشاحت بوجهها بعيدا عنه وهي ترمش بعينيها بغية طرد دموعها وهي تنعت نفسها بالغباء ...
غبية ... غبية يا أمان .. إذ ما زلت تسمحين له بان يذلك .. حتى بعد أن توقف عن أن يكون أي شيء في حياتك ... أي شيء ..
:- لقد وصلنا ..
صوته كان أجشا ... نبراته خشنة .. مما جعلها تلتفت نحوه لترى نظراته الجامدة .. البعيدة .. هذا الفراس يشعرها بالراحة عندما يبدو بعيدا تماما عن فراس المرح .. الحنون .. المتفهم الذي عرفته يوما .. إلا أنه كان يخيفها بعمق .. ربما لأن جزءا منها يعرف أنها لا تمتلك دفاعات اتجاه رجل بدون عاطفة .. رجل قاسي .. يعرف بالضبط ما يريده ... رجل توقف عن استخدام لعبة الكلمات التي أوقعتها بين حبائله فيما مضى .. وبات يلعب بقواعد جديدة لا تعرفها ..
لطالما خافت أمان مما تجهله ..
تنحنحت وهي تنظر حولها قائلة :- أين نحن ؟؟
:- استوديو فيردي يقع في هذا المبنى ... عندما عرف بأنني آخذك في جولة أصر على أن آتي بك إلى هنا ... يرغب بأن تلقي نظرة على مكان عمله .. وربما تمنحينه رأيك بآخر لوحاته ..
عبست قائلة :- أنا لست خبيرة في الفن ...
رقت ملامحه وهو يقول :- ربما .. إلا أنك تمتلكين نظرة فريدة ... وتعرفين بالضبط ما يعجبك ..
ذكرى لقائهما في متحف اللوفر أمام لوحة الموناليزا كانت ما احتاجت إليه كي تستعيد توازنها وصلابتها وهي تقول من بين أسنانها :- أنت لا تعرف عني أي شيء ...
ثم وبدون كلام ... فتحت باب السيارة .. وترجلت ..
أنت تقرأ
رسائل من سراب(الجزء السادس من سلسلة للعشق فصول)مكتملة
Romanceرواية بقلم المبدعة blue me الجزء السادس من سلسلة للعشق فصول حقوق الملكية محفوظة للكاتبة blue me